نصُّ الوصيّة:
رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ فِي تُحَفِ الْعُقُولِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُنْدَبٍ: “يَا ابْنَ جُنْدَبٍ الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ الله يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَمَا عَذَّبَ الله أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ… .
تمهيد
هناك مسألة مهمة ينبغي للمؤمن أن يتنبّه إليها، وهي مسألة لها دور كبير في طريق تطوّره ورقيّه الروحي والنفسي والمعنوي، وهذه المسألة هي كيفية تعاطي الإنسان المؤمن مع النصوص الشرعية وكيفية تلقّيه لها، سيّما الأخبار والروايات والوصايا الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، فإنَّ طريقة تلقّي الإنسان المؤمن لكلام أهل البيت عليهم السلام والكيفية التي بها يسمع ويتلقف كلامهم لها دورٌ كبيرٌ وأساس في تفاوت الناس من حيث مراتب الاستفادة والتأثر والتفاعل مع كلماتهم عليهم السلام.
وصايا المعصومين عليهم السلام خطابٌ مباشرٌ لنا
للمؤمن مع كلام أهل البيت عليهم السلام حالتان: فتارة هو يتلقّى كلام أهل البيت عليهم السلام ويستمع له من باب أنّه قصص الأولين وأنّه كلام قيل لغيره، وهو إنما يستمع إليه لما فيه من حكمة وعبرة حصلت في الزمان الغابر لا تتصل به ولا تعنيه بشكل مباشر، إلا أنّه يستأنس بها، وبما فيها من حكاية عن أحوال أهل ذلك الزمان، وفي أحسن الأحوال تراه ينقلها لأهله ومجتمعه كشواهد أخلاقية وحكايات ونصائح تحكي عن المجتمع أو الفرد المثالي.
وتارة يكون المؤمن ملتفتاً وفاهماً ومستوعباً إلى أَنَّ كلامهم عليه السلام يُمثّل خطاباً مباشراً له، فالإمام المعصوم عليه السلام يُخاطبه بشخصه، وناظرٌ إليه بخصوصه ومراقب له ومنتظر منه الامتثال لهذه التوجيهات التي خاطبه بها كأحسن ما يكون الانقياد والامتثال.
وبين هاتين الحالتين اختلافٌ كبيرٌ في كيفية التفاعل والتأثّر بكلامهم، ففي الحالة الثانية سيكون التأثير كبيراً لكلامهم عليه السلام على روحية المؤمن، بحيث يكون كلامهم عليه السلام بالنسبة إليه النور والدستور والطريق التي سوف يسير على أساسه في حياته ويتفاعل به مع مَن هم حوله، وسوف يؤدّي الانقياد التام إلى توجيهاتهم عليه السلام والشعور الدائم بأنّه تحت نظرهم ورقابتهم عليه السلام إلى السعي نحو نيل أعلى مراتب الكمال، والرقي في أشرف منازل الورع والتقوى, ليكون بذلك من المقرّبين لديهم عليه السلام.
الغفلة عن كلامهم توجب أذيتهم عليه السلام
أمّا في الحالة الأولى وما شابهها من حالات الغفلة والسهو عن كلام أهل البيت عليهم السلام، فإنّ المؤمن في تلك الحال يكون من أكبر الغابنين لنفسه، ومن أكثر الخاسرين لأعظم الفرص والمفرّطين بأقدس الكنوز، وفوق ذلك كلّه يكون الغافل
الساهي ممن يُسبّب الأذى للمعصومين عليهم السلام، ويُدخل الحزن على قلوبهم الشريفة، ويجعل كلامهم في معرض التوهين بإهماله وتهاونه بقداسة ما يصدر عنهم عليه السلام، وقد روي أنّه حضر عند الإمام الباقر عليه السلام ذات يوم جماعة من الشيعة، فوعظهم وحذّرهم وهم ساهون لاهون، فأغاظه ذلك، فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه إليهم فقال: “إِنَّ كلامي لو وقعَ طرفٌ منه في قلبِ أحدِكم لصار ميتاً، ألا يا أشباحاً بلا أرواح وذباباً بلا مصباح، كأنّكم خشبٌ مسندةٌ وأصنامٌ مريدة، ألا تأخذون الذهبَ من الحجر؟ ألا تقتبسون الضياء من النور الأزهر؟ ألا تأخذون
اللؤلؤ من البحر؟… ويحك يا مغرور ألا تحمد مَنْ تعطيه فانياً ويعطيك باقياً… كأنّك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفَك، دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، وخالفته فيما أمر، ويلك! إنّما أنت لصٌّ من لصوص الذنوب، كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لستَ بعين الله، أو كأنَّ الله ليس لك بالمرصاد…” .