الرئيسية / شخصيات أسلامية / سلمان الفارسي في سطور 2

سلمان الفارسي في سطور 2

سلمان قبل إسلامه ورحلة البحث عن الحقيقة

قال سلمان (رضي الله عنه وأرضاه):

(كنت ابن دهقان[1]  قرية جي من أصبهان، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار..)[2].

الذي يبدو من هذا النص أن سلمان اعتنق المجوسية في بادئ أمره عندما كان يعيش في ظل أبويه شأن أي إنسان يعتنق دين آبائه وأجداده حين لا يجد مندوحةً عن ذلك وحين يفتقد المرشد والموجّه ويعيش بعيداً عن آفاق المعرفة ومع هذا فإن ذلك لا يمكن جعله خدشةً في نقاء الذات التي كان يحملها سلمان ولا وصمةً في طهرها، سيما بعد أن يتضح لنا أن ارتباطه بالمجوسية كان شكلياً صورياً غير مستند إلى شيء من قناعاته كما سيأتي.

إلا أنه من المقطوع أن سلمان لم يعتنق المجوسية حتى في صباه، بل كان موحداً لله سبحانه، نعم حكمت عليه بيئته التي عاش فيها أن يرتبط بالمجوسية ارتباطاً شكلياً، كما ورد ذلك في الأحاديث المأثورة عن النبي الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

من ذلك ما رواه الصدوق عن ابن نباتة عن علي (عليه السلام) في حديث جاء فيه: (حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسلمان بين يديه فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه. فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال: يا أعرابي أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض.. إلى أن قال: إن سلمان ما كان مجوسياً، ولكنه كان مظهراً للشرك مبطناً للإيمان) [3].

وفي حدث الإمام الصادق (عليه السلام):

(إن سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)[4].

قال الصدوق: إن سلمان ما سجد قط لمطلع الشمس، إنما كان يسجد لله عزّ وجلّ، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقيّة، وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد للشمس كهيئتهم)[5].

أجل إن من يتتبع قصة إيمان هذا الرجل يلمس فيها شواهد على ذلك، وهو مصداق الآية الشريفة: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[6].

 

 

 

——————————————————————————–
[1] الدهقان: أمير البيدر أو أمير الفلاحين. وقطن بيت النار: سادنها والمشرف عليها.
[2] شرح النهج، ج18، ص36، ومضمون هذا النص متفق عليه لدى أغلب المؤرخين.
[3] لاحظ البحار، ج22، ص347.
[4] البحار، ج22، ص327.
[5] سلمان الفارسي، ص4.
[6] سورة الأنعام، الآية 79.

الهجرة إلى الله

ما عانى أحد من هذه الأمة ما عاناه سلمان في طلب الحق، وقطع طريقاً طويلاً مملوءاً بالمصاعب للوصول إليه.

روى أبو نعيم عن سلمان رضوان الله عليه قال: تداولني بضعة عشر، من ربّ إلى ربّ[1].

وعن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي وأنا أسمع من فيه قال: كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان، من قرية يقال لها (جيّ) وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، لم يزل حبّه إيّاي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة، وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوماً فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب إليها فاطّلعها، وأمرني ببعض ما يريد، ثم قال لي: ولا تحتبس عني، فإنك إن احتبست عني كنت أهم إليّ من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري.

قال: فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، فرجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ أو لم أكن عهدت إليك ما عهدت؟

قلت له: يا أبت مررت بأناس يصلّون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس.

قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه.

قلت له: كلا والله، إنه لخير من ديننا.

قال: فخافني، وجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم.

قال: فقدم عليهم ركب من الشام، تجار من النصارى فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم.

قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علماً؟

قالوا: الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد رغبت في هذا الدين، فأحببت أن أكون معك، وأخدمك في كنيستك، فأتعلم منك، وأصلي معك.

قال: ادخل، فدخلت معه، وكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا له شيئاً منها اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: فأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئاً، فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ قلت لهم: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلّنا عليه، فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبداً، فصلبوه ورجموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه.

قال سلمان: فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه كان أفضل منه، وأزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهاراً منه، فأحببته حبّاً لم أحبّه شيئاً قبل، فأقمت معه زماناً طويلاً، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبّاً لم أحبه شيئاً قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني.

قال: أي بني، والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنت عليه، فقد هلك الناس، وبدّلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عله، إلا رجلاً بالموصل، وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به.

قال: فلما مات وغيّب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلاناً أوصاني عند موته أن الحق بك، وأخبرني أنك على أمره فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل، على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلاناً أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟

قال: يا بني، والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين، وهو فلان، فالحق به.

فلما مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين، فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحبه، فقال: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، فإنه على أمرنا، فلما مات وغيّب لحقت بصاحب عمورية، فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل، على هدى أصحابه وأمرهم، واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله تعالى، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني؟

قال: أي بني والله ما أعلم أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه، ولكنه قد أطلّ زمان نبي، وهو مبعوث على دين إبراهيم (عليه السلام)، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استعطت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، ثم مات وغيّب، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرّ بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه، قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل يهودي عبداً، فكنت عنده، ورأيت النخل، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ في نفسي، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريضة من المدينة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، والله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك.

قال: وكان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء قد كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقرّبته إليه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً، وتحوّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة، ثم جئته به، فقلت له: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منها، وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي: هاتان ثنتان، ثم جئت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو ببقيع الغرقد، قد تبع جنازة رجل من أصحابه، وعليّ شملتان لي[2]  وهو جالس في أصحابه، فسلّمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدبرته، عرف أني استثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): تحوّل، فتحولت فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يابن عباس، فأعجب ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يسمع ذلك أصحابه.

قال سلمان: ثم قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير[3] وأربعين أوقية، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه: أعينوا أخاكم، فأعانوني بالنخل، والرجل بثلاثين ودية[4] والرجل بخمس عشرة ودية، والرجل بعشر، يعين الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اذهب يا سلمان ففقّر[5]  لها، فإذا فرغت فأتني، أكن أنا أضعها بيدي، قال: ففقّرت، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معي إليها، فجعلنا نقرّب إليه الودي، ويضعه رسول الله بيده، حتى فرغنا[6] فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، قال: فأديت النخل وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن، فقال: ما فعل سلمان المكاتب، فدعيت له، فقال: خذ هذه فأدّها ممّا عليك يا سلمان، قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ فقال: خذها فإن الله سيؤدي بها عنك، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، فأوقيتهم حقهم منها[7].

 

 

——————————————————————————–

[1] حلية الأولياء، ج1، ص195. وأنت ولله الحمد نشأت مسلماً من مسلمين، رفعت عنك متاعب العناء، وطلب الحقيقة، ويكفيك مستمسكاً على أحقية دينك، ونبوّة نبيك، كتاب الله الناطق، فهو يتحدى البشرية منذ ألف وأربعمائة سنة على أن يأتوا بمثله (فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ثم تنزّل معهم ليريهم عجزهم (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) فلم يستطيعوا ذلك، فتنزّل معهم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ولما عجزوا عن ذلك تحداهم (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) فعليك الحفاظ على الحقيقة، تعيش عليها، وتعمل لها، وتموت عليها، إياك والانحراف عنها، فتخسر جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
[2] الشملة: الكساء الغليظ، يلتحف به الإنسان.
[3] بالفقير: بالحفر وبالغرس.
[4] الودية: فراخ النخل الصغار.
[5] فقر: احفر.
[6] في الاستيعاب، ج2، ص58، فغرس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) النخل كله، فأطعم النخل كله.
[7] سيرة ابن هشام، ج1، ص221.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...