الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

48)

الدروس المستفادة من الآية

1- يجب الالتفات إلى شخصية القائد وحكمته فأنتم من هذه الناحية ليس فيكم قائداً عادياً بل رسول الله، ﴿فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾، السائر إلى الله لا إلى أهوائكم،   الذي لا يدعو إلا إلى الله، ومن المحال أن يُطيعكم في كثير من الأمر، و ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ﴾ أمر الشرع وحكمه ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ أي أثمتم وهلكتم، فعجزتم أنتم عن إمرار الحياة المريحة، واستمرار الحياة السعيدة، واخلدتم إلى حياة جهنمية فوضى[1].

 

2- هذه الآيات تؤكّد مرّةً أخرى أنّ وجود القائد “الإلهي” ضروريّ لرشد جماعةٍ ما، بشرط أن يكون مطاعاً لا مطيعاً وأن يتّبع أصحابه وجماعته أوامره لا أن يؤثّروا عليه ويفرضوا عليه آراءهم “ابتغاء مقاصدهم ومصالحهم” وهذه المسألة لا تختصّ بالقادة الإلهيين فحسب، بل ينبغي أن تكون حاكمة في المديرية والقيادة في كلّ مكان، وحاكمية هذا الأصل لا تعني استبداد القادة، ولا ترك الشورى[2].

 

3- إنّ القائد الذي يحمل الحكمة والمعرفة والبصيرة يجب على الرعية الرجوع إليه في توجيه المجتمع وتحصينه من الفتن والشبهات. وأيضاً لا يصحّ من الرعية الضغط عليه لقبول آراءهم وشهوات أنفسهم، لأنّ ذلك ليس من مصلحتهم على الإطلاق.

 

4- اذا أردنا أن لا نصل إلى الندامة التي تحدّثت عنها آية النبأ السابقة فعلينا اتباع تعاليم الأنبياء ﴿نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾. لأنّ لوجود الرسول في الأمة امتيازات خاصة منها أنّه بوصلة الأمان الحقيقية للمجتمع.

 

5- يتوقّع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشاور الآخرين، ولكن لا بدّ أن لا يتوقّع الآخرون أن يُطيعهم في شوؤنه لأنّ القرآن صرح بالمشاورة ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾[3]. أما الآية في الحجرات فتقول بأنّ موقع رسول الله هو موقع من يُطاع لا من يُطيع.

 

﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ … لَعَنِتُّمْ﴾. والشورى موردها الأمور التي ترجع إلى شؤون الناس لا مانع من أن يشاورهم في الأمر وهم يتشاورون فيما بينهم، أمّا كلّ ما يرجع إلى الله ورسوله فهو ليس مورد للشورى. وقوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[4] يشير إلى القسم الأوّل، أمّا قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾[5]. فالإمامة منصب إلهي

 

يجعله الله لأوليائه وليست مورداً للشورى، لأنّها لا ترجع إلى أمورهم بل إلى الله تعالى.

 

6- إنّ المشكلات الاجتماعية التي تعصف بمجتمعاتنا سببها ابتعادنا عن تعاليم الأنبياء عليهم السلام والعمل بأهوائنا وأذواقنا وعاداتنا وتقاليدنا بعيداً عن رسائل السماء، وهذا ما يؤدّي إلى ضياع المجتمع وتفكيكه. ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ … لَعَنِتُّمْ…﴾.

 

7- ينبغي على القائد الصالح أن يكون له الاستقلال الكامل في اتخاذ الرأي والقرار المناسب – بعد المشاورة – ولا يتأثّر بضغط الآخرين عليه، هذا هو المفهوم من قوله تعالى: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ … لَعَنِتُّمْ…﴾.

 

8- إنّ الدين والإيمان من الأمور الفطرية التي أودعها الله تعالى في باطن الإنسان: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ…﴾.

 

9- الإيمان أمر قلبي، والأمور القلبية لا تتلائم وتتوافق مع الجبر والفرض والحتمية. ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ…﴾.

 

10- إنّ الإيمان هو زينة القلب كما أنّ الجبال والأنهار والأزهار وغير ذلك هي زينة الأرض: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[6]. والفرق بين الأمرين هو أنّ زينة الإنسان المؤمن هي الكمالات المعنوية والترقّي الروحي كما أنّ الأمور المادية زينتها الماديات.

 

11- إذا كان الإنسان من أهل الإيمان فعليه أن يبتعد ويبغض الكفر والفسوق والعصيان. ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ… كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ…﴾.

 

12- إنّ الإنكار القلبي – الكفر – هو مقدّمة لكلّ الشرور والمفاسد فالجحود هو أساس كل المعاصي، ولذا الآية قدّمت “الكفر” ثم ثنّت “بالفسوق والعصيان”.
13- التنفّر والبعد عن المعصية والكفر والفسق هو أمر فطري، كما أنّ الإيمان وطاعة الله هي فطرية أيضاً. وإنّ هذا التنفّر هو الذي يوصل المؤمن إلى الرشاد: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾. والعكس صحيح فإنّ عدم التنفّر من هذه الأمور يوصل إلى عدم الرشد: ﴿وَكَرَّهَ… أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.

[1] الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، محمد الصادقي الطهراني، ج27، ص 232.

[2] الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏16، ص 530. 

[3] سورة آل عمران، الآية 159.

[4] سورة الشورى، الآية 38.

[5] سورة البقرة، الآية 124.

[6] سورة الكهف، الآية 7.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...