على مر عمر الأزمة السورية، كان إعلام الجماعات المسلحة محل تشكيك، بالنظر إلى الكم الهائل من الأخبار التي تم الترويج لها، وتبين لاحقاً عدم دقتها، لا بل عدم صحتها من الأساس.
أحداث عديدة لا مجال لذكرها، كانت مادة دسمة لقنوات إعلامية عديدة، بهدف توجيه السهام إلى الحكومة والجيش في سوريا، وصلت أصداؤها إلى جلسات مجلس الأمن الدولي، وكانت في بعض الأحيان سبباً لإصدار قرارات أحادية بحق الشعب السوري، لا تزال تداعياتها تؤرق الشارع، لكنها بالمقابل تزيد من صموده.
ومؤخراً ظهر إعلام الجماعات التكفيرية، هو غير “التنسيقيات” التي كانت أخبارها تتصدر شاشات كبيريات المؤسسات الإعلامية العربية والعالمية، وباتت شبكة مراسلون التابعة لجبهة النصرة على سبيل المثال على شبكة “تويتر” للتواصل الإجتماعي، مصدراً لأخبار تلك الجماعة الميدانية والسياسية.
وفي الضفة المقابلة، كان لإعلام داعش دور مماثل، مارس من خلاله حربه الإعلامية، القائمة على مبادئ تلتقي في كثير من نقاطها مع أخرى تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، والمستقاة من إعلام الدولة النازية.
وإذا كان شعار وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز (1897 – 1945) “اكذب، اكذب، اكذب، ثم اكذب، ثم لا بد من أن تجد من يصدقك”، فإن شعار جماعات التكفير المغلف بطابع شرعي خاص، هو “كذب المصلحة”.
رئيس المنتدى الإسلامي للحوار والدعوة الشيخ محمد خضر رأى في حديث لموقع المنار أن نقطة الإلتقاء الأبرز بين تلك الدعايتين هو التحلل من القيم والأخلاقيات التي دعا إليها الإسلام حتى في حال الحرب مع العدو، تحت باب “نُصرت بالرعب كما يقولون” من خلال الصور التي تبث الرعب في نفوس الخصم وتدفع به نحو الإنهيار النفسي وإحباط معنوياته.
ولفت الشيخ خضر إلى أن فيديوهات جماعات التكفير التي تظهر مسلحيها على أنهم القوة التي لا يمكن لأحد أن يقف بوجهها غير طبيعية، وقال إنه تم لمس ذلك في أكثر من مواجهة في أكثر من مكان، وإنهم انهاروا بأسرع من المتوقع.
وبالإستناد إلى علماء الفكر التكفيري، نرى بعضهم يحلل الكذب في الحرب بشكل مطلق، فيما ذهب ابن قيم الجوزية (1292 – 1349) من إلى أبعد من ذلك، وقال “… كل مقصود محمود .. إن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح، …. الكذب إنما أبيح لضرورة أو حاجة مهمة …”.
هذه المفاهيم متجذرة في إعلام التكفيريين، في كل إصداراتهم المرئية، كما يدعونها، ويسعون جاهدين من خلالها تارة إلى إظهار مدى تعاطفهم مع المواطنين تحت سيطرتهم، عبر توزيع المعونات إليهم، في مشاهد تمثيلية صرفة، تحكمها ضرورات الواقع، لا تقل أهمية من ناحية رسالتها عن تلك العنفية، التي تبرز ألوان القتل والتنكيل.
رئيس المنتدى الإسلامي للحوار والدعوة أوضح في حديثه لموقعنا أن هذه الفئات تستخدم حديثاً مروياً عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجواز تكذيب الرجل على عدوه في أمور الحرب، وتحاول تصوير الأمر على غير حقيقته، ويسندون ذلك إلى الحديث، بدون أي ضوابط شرعية، وأشار الشيخ محمد خضر إلى أن العلماء شددوا على أن جواز استخدام هذا الحديث هو في نطاق ضيق، وعلى العدو المتفق عليه بين الأمة، واعتبر أنه من غير المقبول توسيع دائرة الكذب، وإعتبار العدو أي شخص أو جهة يختلف معها في الرأي أو الفكر أو المنهج.
ومن النبع نفسه، نهلت داعش وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات التكفيرية الفكر نفسه، وراحت تنسج نهجها على تلك المفاهيم، وتوسعت في كذبها لمصلحة في نفس الأمير.
أمير التكفير شبيه في العديد من مبادئه بأمير ميكيافيلي الشهير (1469 – 1527)، لجهة اعتماد الخداع والقوة وسيلة لتثبيت الحكم، وعلى الأمير أن “يكون ذو مكر وقوة وبه صفات الانسان والحيوان معاً وبخاصة الثعلب والاسد”.
والدين بنظر مكيافيلي “أداة ملكية”، وكذلك “وسيلة يمكن بها السيطرة على الشعب وتوحيده، وهو دين للدولة التي يجب أن تستغله لأغراض سياسية بحتة واعتبارية، وأداة يفرضها الأمير للحصول على موافقة الشعب العامة”.
وهنا، رأى الشيخ خضر أن هناك أوجه شبه بين الأميرين، من حيث الوحشية والإستغلال للمنصب، وعدم التقيد بأي ضوابط أخلاقة أو دينية في التعامل مع الناس، ولفت إلى أن الحكم والإمارة والخلافة ليست أهدافاً بل وسيلة لخدمة الأمة وعندما تتحول إلى هدف بحد ذاتها تصبح هزيلة، وشدد على أن قاعدة الغاية تبرر الوسيلة منطق لا يتفق مع الإسلام من حيث الأصل.
ولأن لدى أمراء التكفير الغاية تبرر الوسيلة، تعددت وسائل الكذب وغاياته، وفقاً لأهواء الأمراء، وهم كثر، ونشرت الأكاذيب والتأويلات المشبوهة على مواقع التواصل الإجتماعي، وفي الكتب وعلى المنابر الدعوية الخاصة بهم، وخدعت آلاف الأشخاص، وبنت لهم قصوراً في الجنة، وعلى الأرض، دمار لإسلام نبي بعث رحمة للعالمين، ولحضارة عمرها آلاف السنين.
المصدر: موقع قناة المنــار