(إنّ في ذلك لآيةً لقوم يتفكّرون) كما يمتدح عزّ وجل أولئك الذين يذكرون الله . (.. ويتفكّرون في خلق السموات والأرض) بل هو يذمّ أولئك الذين يعرضون عن التفكّر والتدبّر بقوله: (أفلا يتدبّرون القرآن، أم على قلوب أقفالها)
العدد 003
التقدُّم الدنيوي والتقهقر المعنوي
قارئي العزيز تأمَّل جيِّداً في هذه الآية الشريفة. هؤلاء عالمون بأعمالهم في الدنيا ومطلعون عليها، يعلمون ظاهر الحياة الدنيا، ويجهلون باطنها وعاقبتها ونتيجة الآخرة[1][6]. أو ليس أكثر الناس اليوم هم على هذه الشاكلة، علومهم تعود جميعها إلى عالم الدنيا والحياة المادية، ويوجد القليل من الأمور التي لم يحققوا فيها تقدماً مدهشاً؟
مثلاً في علم الزراعة، التشجير، علم النبات، لقد وصلوا بحق إلى حدِّ الكمال، في علم الطبِّ والجراحة وسُبُل تشخيص مرض ودواء الجسم البشري، وتقدموا تقدماً مدهشاً إلى حدّ أنهم يجرون جراحة للقلب أو إنهم يستبدلونه، وفي الصناعة والاختراعات وتأمين وسائل الحياة في هذا العالم اكتشفوا أموراً لم تكن من قبل لتخطر على بالهم، فكيف بهم يصدقون بها، إلى حدِّ أنهم تجاوزوا الأرض، وسخّروا الفضاء، وذهبوا مسافة ثلاثمئة واثنين وعشرِين ألف كيلومتر بعيداً عن كوكب القمر، ولكن للأَسف، فمع كل هذه العلوم التي اكتسبوها عن ظاهر هذا العالم، ما زالوا يجهلون باطنه ومحدثه،
لا يصدِّقون بفناء وزوال هذا العالم، مع أنّ باحثي هذا العصر اكتشفوا وقالوا بأن للأرض أجلاً وعمراً إذا ما انتهت إليه بادت وتلاشت. وقالوا: إنّ منظومتنا الشمسية هي في سنيّ الشيخوخة، إنّ فناء كلّ فرد هو من أظهر الأمور حيث لا يخلد هنا أحد ولكن هذا الأمر لا يؤثّر بتاتاً في قلوبهم فيفكروا بالحياة بعد الموت.
إذاً هناك عالمٌ آخر يأتي في ما بعد:
إنهم لا يفكرون في أنّ خلق هذا العالم الذي تملأ أرجاءه الحكمة هو من أجل غرض مهم ونتيجة ثابتة هي أنّ هذا العالم الفاني يعقبه عالم خالد يدخله الناس المخلصون الذين تخلّصوا من الحياة المذهلة في هذا العالم ويحصلون على كامل السعادة أي أنّ يبلغوا راحة لا يعقبها كدر، ولذّة لا تعقبها خيبة، وسروراً لا يعقبه غمّ.