إنّني أشعر أنّ الإنسان إذا أراد أن يبقى على الصعيدين المعنوي والثقافي غضّاً ومتجدّداً ، فلا مناص له من الارتباط بالكتاب. الإمام الخامنئي دام ظله.
التعوّد على الكتاب
لقد رأيت شباباً كثر، ولندع المسنّين جانباً، لا يرغبون في مطالعة الكتب حتّى الروائية منها! يقرؤون من الرواية ثمان أو عشر صفحات، ويقولون لقد ضقنا ذرعاً, في حين أنهم مستعدّون للجلوس أمام التلفاز ثلث الساعة أو نصفها لمشاهدة الإعلانات الدعائية الّتي تُبثّ قبل بدء الفيلم السينمائي! وهم غير مستعدّين لأن يقرؤا في هذه العشرين دقيقة، حتّى تلك القصّة الروائية, نحن لا نقول قراءة كتاب اجتماعي أو كتاب سياسي أو كتاب علمي! فمن أين نشأ هذا الأمر؟ إنّه ناشىء من عدم التعوّد على الكتاب. الناس لا يميلون إلى المطالعة, ومن أجل هذا عليكم التفكير في حلّ لهذه المسألة .
الثورة قليلة العمل!
هذه الثورة بعظمتها وأبعادها وآثارها العلمية هي من أضعف ثورات العالم، وأقلّها عملاً, من حيث تبيانها لأسسها الفكريّة!…
عندما قامت ثورة أكتوبر، كُتب على امتداد السنوات الخمسة عشر الّتي تلت، كمٌّ كبيرٌ من الكتب والأفلام والقصص والكتيّبات ــ وبمستويات مختلفة ــ عن الأصول الفكرية لهذه الثورة، بحيث لم يعد الناس في البلاد الّتي وصلت رياح الثورة إليها بحاجة إلى كتبهم! لقد شُحنت العقول إلى درجة جلس فيها مفكّرو تلك البلاد أنفسهم، وألّفوا كتباً حول مباني تلك الثورة القيمية والفكرية!
في العقود الثلاثة والأربعة الماضية، كم كانت الكتب الّتي ألّفها الإيرانيون باللغة الفارسية حول الأسس الفكرية للثورة الشيوعية, ذلك أنّهم كانوا قد أُشبعوا, فالسوفيات كتبوا كثيراً بحيث أنّ كلّ المفكّرين الّذين كانوا بنحو ما على ارتباط بهم من الناحية الفكرية أُشبعوا فكريّاً. ومن ثمّ يأتي امرؤ، كاتب على سبيل المثال أو مفكّر أو متنوّر، يجد حماسة في نفسه، ويكتب مواضيع في هذا المجال، هذا عدا عن الترجمات الكثيرة لآثارهم الّتي قد تُرجمت. ما العمل الّذي أنجزناه نحن؟ العمل الّذي أنجزناه في هذا المجال هو في الواقع قليلٌ جدّاً, أحياناً يخجل الإنسان من القول أنّه “في حدود الصفر”، لأنه في الواقع، هناك أشخاص قد أنجزوا أعمالاً بكلّ إخلاص. أمّا إذا لم نشأ ملاحظة هذه النواحي العاطفية، فينبغي أن نقول: ذرّة فوق الصفر!. لقد مضى على الثورة إحدى عشرة سنة, كان من الجيّد أن يكون هناك مئات الكتّاب الإسلاميّين الّذين يكتبون أسس الثورة…كان علينا أن نعدّ مثل هؤلاء، ولم نفعل .
كتب دينية دون إفراط ولا تفريط
المسألة الأخرى الّتي قصّرنا فيها أيضاً، والتي ربّما هي غير قابلة للتصديق، هي الكتب الدينية! لعلّنا نقصّر وللأسف، في العمل على الكتب الدينية والمسائل الإسلامية! هذه المتون الإسلامية قيّمة جدّاً. إنّنا بحاجة إلى كتب في مستوى كتب الشهيد مطهّري، تبيّن المسائل الأساسية للإسلام برؤية صائبة وبعيدة عن الانحراف والإفراط والتفريط، بلغة مفهومة لفئات المجتمع المتوسّطة، فلا يكون الملاك فيها التوجّه إلى العلماء والمفكّرين، ولا المستويات الدنيا… ومن الواجب عليّ هنا، مع التسليم والإذعان لمقام الحوزات العلمية الرفيع، وخاصّة الحوزة العلمية في قم، في نشر الأفكار والمعارف الإسلامية، أن أوجّه خطابي إلى تلك الحوزة، وأقول: إنّكم ــ هنا ــ من يجب عليه تلبية هذه الحاجة، بالطبع ليس بالمعنى الحصريّ، لكن على أيّة حال، القاعدة هي قم. هذه هي المجالات الّتي ينبغي، بنظري، العمل عليها .
الثورة بلا رواية
باعتقادي أنّه لا يمكن لأيّ مدوَّن تاريخيّ كُتب حول ثورة أكتوبر البلشفية أن يضاهي تلك الروايات الّتي أُلّفت حول تلك الحقبة التاريخيّة. إن كنتم قرأتم تلك الروايات سوف تفهمون ما أقول. خذوا مثلاً رواية “الدون الهادئ”. لا أعلم إن كنتم قرأتم أيّها السادة تلك الرواية أم لا. هذه الرواية، كانت من الروايات الدعائية للماركسيّين في عهد نظام الشاه القمعي. وعلى الرغم من أنّ هذا الكتاب كان رواية، إلاّ أنّهم كانوا يتناقلونه فيما بينهم على نحو الدعاية
ويطالعونه!… هؤلاء قد كتبوا بصورةٍ، ووصفوا الثورة بطريقةٍ، يمكنكم من خلالها الاطلاع على أبعادها بعظمة. بالطبع، يمكن إدراك نقاط ضعفها أيضاً في هذه الكتب نفسها, مع أنّ ما كُتب لم يُكتب من أجل بيان نقاط الضعف. ماذا كتبنا نحن في هذا المجال؟ بالطبع، قد كُتب، لقد كُتِبت أشياء, .. لقد كُتب حول الثورة كتاب يتناول تلك الصباحات المعدودة قبل مجيء الإمام إلى إيران، وهو أيضاً كذب ومخالف للواقع! نحن الّذين عايشنا هذه الثورة وكنّا في أزقّة طهران وشوارعها وفي أماكن أخرى، عندما نقرأ هذا الكتاب نرى أنّه كذب محض، فقد انتقوا ما يتناسب ووجهات نظرهم ومن ثمّ كتبوه .