طال أمد الأزمة السورية ودخلت فيها حسابات عديدة ساهم فيها سوريون بكل أسف، ومن غير السوريين من وضع في حساباته أن الدولة سوف تسقط في الشهور الأولى للأزمة، لكن الصمود الذي حققته سورية، زاد من وتيرة وحجم التآمر، وزاد معه الدعم الخارجي الذي أصبح في حقيقته أمام أمر واقع لا يمكن الخروج منه، فإما أن يستمر دعمه للمؤامرة أو أن يسلك طريقا آخر، فقرر التآمر بكل وسائله وأدواته معلنا إن دعمه من أجل إسقاط سورية سيستمر.
اليوم تستخدم أمريكا الجماعات المسلحة والقوى المتطرفة كحليف ووكيل بالإنابة لها في المنطقة لتنفيذ مخططها “الشرق الأوسط الكبير”، لضمان إستمرار هيمنتها و سيطرتها على المنطقة وضمان أمن إسرائيل، ونحن ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الدنيئة واللعب بأوتار الفتنة الطائفية باسم الدين ونشر الفوضي وتقسيم الدول الي دويلات من أجل نهب وإستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في المنطقة، وهذا ما يجعلنا أن نصف الولايات المتحدة بأنها دولة راعية وداعمة للإرهاب والفوضى في بلدنا.
لا يخرج كلام وزير الخارجية الأميركي ومن سبقه من المسئولين الأمريكيين أو حتى من المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا عن إطار الإستراتيجية الأميركية في المنطقة التي تقوم على ركيزتين أساسيتين الأولى مصالح الولايات المتحدة بكل جوانبها والثانية أمن إسرائيل، حتى أصبح واضحاً في خضم الجهود التي تبذلها الأطراف المعنية في سورية هذه الأيام للخروج من الأزمة كيف عادت أمريكا وحلفاؤها من العرب الى دورها التخريبي وتعطيل الوصول إلى أي اتفاق بين السوريين والإبقاء على حالة الفوضى والتشرذم، فضلاً عن القصف المتعمد للمؤسسات، حتى أصبح واضحاً إنها حرب تخريب الإقتصاد والبنية التحتية بحجة قصف مواقع الإرهاب، لذلك لا نستغرب محاولات أمريكا المستمرة لإفشال البناء والتطوبر والتوافق بين السوريين وكل ما يؤدي إلى معافاة الشعب السوري.
ولا نستبعد أن تعمد أمريكا إلى تفكيك سورية أو إشعال حرب أهلية بين الفر قاء السوريين, لأنها تعي تماماً أن نجاح المصالحة الوطنية يعني بداية لبناء سورية أكثر قوة وإستقراراً, في هذا الإطار يتبادر على ذهننا بعض التساؤلات أهمها، لماذا لا تكف أمريكا وحلفاؤها عن قصف المؤسسات السورية، بحجة مكافحة الإرهاب وتحرير سورية والقضاء على تنظيم داعش؟، وهل يتطلب تحرير سورية من الدواعش كل هذه المدة من القصف الجوي؟، فهي تقصف معترفة موانئ ومصافي النفط في سورية بحجة قطع الإمدادات المالية عن النصرة وداعش، بدلاً من أن توقف تهريب النفط التي تشتريه كل من تركيا وإسرائيل وتوقف التمويل غير الشرعي الذي يصل الى هذه المجموعات، وإذا كان الإرهاب يختفي داخل تلك المؤسسات كما يدعون، فأمريكا تملك كل أجهزة التنصت والأقمار الصناعية، لماذا لا تستعملها لتقصف الإرهابيين القادمين من كل أصقاع الأرض وهم في تنقلاتهم او عند هجومهم أو عند زراعتهم للمفخخات في الأبنية السكنية، بينما تقصفهم فقط وهم داخل تلك المؤسسات، ومن يدل الإرهابيين على تلك المواقع لتفخيخها؟، وعندما لا يكتفون بتفخيخها تأتي الطائرات الأمريكية لتقصفها بحجة قصف الإرهابيين، تقصف بكل وحشية لتتفاخر بإنتصاراتها وقوتها.
إذاً سورية، هي هدف الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومجموعات التكفيريين من داعش وأخواتها هم الأدوات التي تنوي الإستراتيجية الأمريكية إستخدامها في إعادة رسم خارطة المنطقة في طبعتها الجديدة، فداعش مجرد ورقة أو وسيلة من وسائل الضغط تُستخدم عند الحاجة، وتُركن جانباً عند إنتفائها، فالسفير الأمريكي الأسبق “”بيتر غالبريث”، أكد بكل صراحة بأن داعش تخدم الجهود الغربية في قتال النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا، وبالمقابل تركت تركيا تحالفها مع سورية وإنتقلت لمعسكر المواجهة مع سورية، بل قدمت أراضيها لطائرات حلف الأطلنطي والولايات المتحدة لضرب سورية، وفي الوقت نفسه ترتبط بعلاقات عسكرية وإقتصادية مع إسرائيل، كما تسهل دخول المال والسلاح والتدريب لداعش وتفعل كل ذلك نكاية بالنظام السوري المطلوب إسقاطه بأي ثمن لفتح الباب أمام التوسع التركي وفق المنظور العثماني، في هذا الإطار يمكنني القول إن الدور التركي حاسم في التأثير على الأحداث السورية، وتجاهله يعني حُكماً المساهمة في إطالة عمر الأزمة، مثله مثل دور الدول الخليجية، ولا شك أنّ عدم وجود رؤية واضحة وموحّدة أميركية وأوروبية وروسيّة وإيرانية يساهم بدوره في إطالة النزاع والصراع في سورية.
بات العالم اليوم يعرف أن الأزمة في سورية لم تعد مسألة إصلاح، بل إسقاط لكل ما له إرتباط بالواقع السوري من دولة وجيش وشعب، وهنا لابد من القول ان الذرائع التي قدمتها أمريكا لشن الحرب على سورية وقتل شعبها وتدمير بناها التحتية بالأسلحة التي إشترتها بأموال العرب والمسلمين لتمزيق المنطقة ونهب ثرواتها وإهانة كرامتها والعبث بمصيرها، وتشتيت قوى المقاومة التي تتصدى للمشروع الأمريكي في المنطقة، بالإضافة الى تقليص دور إيران في المنطقة بإعتبارها الداعم الرئيسي للشعب السوري وحكومته لا سيما بعد الإنجازات الكبيرة التي حققتها طهران على الصعيد السياسي وفي طليعتها مآل الإتفاق النووي الأميركي الإيراني الذي يشهد له بأنه مثال التغيير المتوقع في المنطقة وفي أحداثها، وكذلك على الصعيد العسكري التي إنعكست بوضوح من خلال دعمها اللوجستي للجيش السوري في هذا البلد التي حققت إنتصارات كبيرة وعظيمة على تنظيم داعش.
بالرغم من كل ذلك فإن سورية اليوم أقوى من أيّ وقت مضى، كونها نجحت بدعم إقليمي ودَولي كبير، في منع إنهيارها، فالقرار الروسي والإيراني بدعم النظام السوري في المحافل الدَوليّة، غير قابل للتبدّل، وبالتالي، وبغض النظر عن خسارة ميدانية أو سياسيّة هنا، وعن ربح ميداني أو سياسي هناك، فإنّ النظام السوري سيبقى ينال ما يحتاجه من الدعم، للحفاظ على قدرته على الصمود، مهما بلغ عدد المُقاتلين الذين يحملون السلاح بوجهه، كما إنّ الجيش السوري، وعلى الرغم من كل ما تعرّض له من مجابهات عنيفة بقي متماسكاً، وأصبح مدعوماً من قبل قوّات الدفاع الوطني التي جرى تشكيلها وتدريبها بشكل جيد وهي تلعب الآن دوراً فعالاً في تأمين ظهر الجيش السوري في كثير من المواقع وجبهات القتال. وأخيراً…
وفي إطار ذلك ينبغى علينا أن لا ننخدع بالتصريحات سواء من الإدارة الأمريكية أو حلفاؤها بالمنطقة، لأن الإستراتيجية الغربية مازالت قائمة وإنما قد يتغير التكتيك، فالذي يحدث في سورية هو تهديد مباشر لأمن المنطفة، لذلك ينبغي معه مزيد من التضامن والتوحد بين أبناء الوطن الواحد لمجابهة الهجمة على بلدنا، ودعم مؤسسات الدولة السورية والالتفاف حول سورية وهو تخوض حرب حقيقية ضد الإرهاب الذي يهدد حياة ومستقبل الشعب السوري وشعوب المنطقة بأكملها.