يقوم علم الجيوبوليتيكا برسم تصورات مستقبلية, على ضوء تفاعلات المكان الجغرافي, أو بحسب الأشكال السائدة من الإستراتيجيات العسكرية, لذا تعد الجيوبوليتيكا خطة لرسم المستقبل السياسي لإقليم أو قارة أو للعالم؛
ويرى المختصين بهذا العلم, أن نفوذ الدول المتصارعة على السلطة, تنتهي عادة الى مناطق حساسة, هي مناطق الإحتكاك الحقيقي بين نفوذ دولتين! وفي هذه المناطق, غالبا ما تحصل معارك سياسية واقتصادية وعسكرية,
تقود مع الوقت الى حصول تغييرات بينية في تشكيل الوحدات السياسية(الدول أو الإقليم) الفاعلة, أو تدمير الوحدات السياسية المأزومة.العراق في هذه الفترة, يقع في منطقة تقاطع ارادات اقليمية ودولية, هذه الارادات قادت صراعات مريرة وعلى مدى سنين طويلة؛ وثبات المواقف عند أغلب هذه القوى, سيقود وبشكل
منطقي الى حصول تغييرات جوهرية, سواء على صعيد الجغرافية السياسية, أم عل صعيد الجغرافية المذهبية أو القومية.في مثل هذه الظروف, عندما تمر عاصفة تغيير قوية في منطقة ما, قد يقود التغيير الى تحطيم دول وتفكيكها,
وتسليمها لتجار السلاح الذين يبدؤون وبشكل خبيث, بتغذية الصراعات بين الأطراف التي يمكن لها أن تتفق وتعيش بسلام؛ بينما نجد دولا أخرى تستطيع توظيف عاصفة التغيير, من أجل تثبيت وتقوية أسس هي ضعيفة عندها بالأساس, وهذا لا يمكن له أن يحصل في هذه الظروف,
إلا أذا توفرت في تلك الدول, إرادات تكون عابرة للمصالح الشخصية والحزبية, أو الفئوية أو المذهبية الضيقة أو المحددة. ما يمر به العراق الآن على صعيد السياسة الداخلية, يمثل في مجمله أزمات متراكمة, كان يدفع بها الى الأمام تفاديا للبحث عن حلول ناجعة لها؛ هذه الأزمات لم تكن وليدة وضع داخلي فقط, بل كانت متأثرة ومتفاعلة ومنفعلة,
بالأحداث والوقائع والإنهيارات والتشكيلات الجديدة, التي مرت بها المنطقة الإقليمية, كل ذلك قاد الى تباين وعدم توافق بين مواقف أطراف السياسة العراقية, بحسب منطلقات جمعت فيما بينها المصالح الشخصية, مع إملاءات الإرادات الإقليمية والدولية.وعليه, فإن البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بالعراق, والتي هي بيئة سياسية ملتهبة ومأزومة,
ستقود الى مرحلة تحديات جديدة وكبيرة ومصيرية, وفي أوضاع كهذه يكون الحل من خلال البحث عن التوافق بين المختلفين, ولو كان توافقا بحده الأدنى, لتتحقق مصاديق الثبات في عاصفة التغيير القادمة على المنطقة, والتي سيكون العراق فيها أحد أكبر مناطق الإهتزاز المتأثرة بها.
التحدث بواقعية, سيقودنا الى القول بأن العراق سيكون من أكثر المتأثرين, بعاصفة التغيير التي ستحل على المنطقة, وأن عدم تدعيم جسور التوافق والتواصل بين أطرافه الداخلية, سيقود الى تقسيمات افقية وعمودية, تمتد تداعيتها على صعيد كل المجالات,
سواء أكانت الإجتماعية او الإقتصادية أو السياسية او المذهبية أو المناطقية؛ وهذا يعني إننا سندخل في اطار مرحلة وحقبة جديدة, من حقب الصراع السياسي والمذهبي والمناطقي, ستكون له خطابات وأدوات عمل واستراتيجيات وتوافقات, مختلفة عن التي كانت في المرحلة التي قبلها.والنتيجة ستكون واحدة :
إراقة المزيد من الدماء, ونشر أكبر قدر من الكراهية !*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرةعن موقع وكالة انباء براثا