يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مساء اليوم، غداة انطلاق عملية القلمون التي «أعلنت عن نفسها»، كما أشار نصر الله نفسه قبل عشرة أيام. ما الذي سيعلنه قائد المقاومة اليوم؟
كيف سيتعاطى حزب الله، في المرحلة المقبلة، مع فرار مسلحي القلمون إلى جرود عرسال؟
على الأغلب، لن يجيب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن هذا السؤال في إطلالته اليوم. التوجه هو لإبقاء الخطوات المقبلة طي الكتمان. أدّى الحزب قسطه للعلى في القلمون، في عملية جراحية أفضت الى انتصار استراتيجي يفوق انتصار القصير قبل عامين، وذلك لأسباب عدة:
ــــ جغرافياً، نحن نتحدث عن منطقة واسعة تفوق مساحة القصير بعشرات المرات.
ــــ تكتيكياً، لم يعد حزب الله في موقع استنزاف بشري ولوجستي. أبعد الخطر عن القرى اللبنانية وعن قرى القلمون السوري. السيطرة على التلال مع كمائن وتشريكات وكاميرات مراقبة واستطلاع جوي تغني عن تفرّغ مئات المقاتلين مع بدلائهم لهذه المنطقة.
ــــ استراتيجياً، حافظت عملية القلمون على «حدود صديقة» لدمشق مع العالم الخارجي، بعدما سيطر الارهابيون على حدودها مع تركيا والعراق والأردن، وهي سيطرة لا تشكّل خطراً على قلب النظام وعاصمته كما هي الحال بالنسبة للقلمون؛ أبعدت المسلحين عن طريق دمشق ــــ بيروت الشديد الحيوية لكل من سوريا والمقاومة، وعن خط دمشق ــــ حمص فمنطقة الساحل الشديد الحيوية، أيضاً، للجيش السوري؛ وأخيراً، أعطت قوة دفع لمحور المقاومة بعدما تأثر كثيرون بالحملة الاعلامية الضخمة التي أعقبت تقدم الارهابيين في إدلب وجسر الشغور.
في محصّلة العملية، كما بات معروفاً، أصبح مسلحو الجرود محصورين بشكل أساسي في منطقة جرود عرسال. إنكمشت المساحة الجغرافية التي كانت تحت سيطرتهم من نحو ألف كيلومتر مربع الى نحو 380 كيلومتراً مربعاً. منفذهم الوحيد الى البادية السورية عبر طريق البريج ــــ مهين يخضع، بشكل أو آخر، لسيطرة الجيش السوري، إما بالوجود المباشر أو بالكمائن او بالالغام، وبالتالي لا يرقى إلى أن يشكّل خطّ إمداد سوى لمجموعات صغيرة متفرّقة. قد يصلح، فقط، لتسوية تتيح إخراج المسلحين من المنطقة نهائياً. وبالمناسبة، تؤكّد مصادر مطلعة أن هؤلاء عرضوا قبل عام تسوية تتيح خروجهم بأسلحتهم الثقيلة، لكن جواب دمشق كان حاسماً بالرفض: ولا حتى بالسلاح الفردي.
هل تقصّد حزب الله شن عمليته من مناطق جنوب القلمون لدفع المسلحين شمالاً الى جرود عرسال؟
تؤكّد المصادر أن ذلك لم يكن ضمن الاستراتيجية الأساسية للحزب. خطة تطهير القلمون دفعة واحدة كانت تتطلّب تنسيقاً بين المقاومة والجيشين اللبناني والسوري. إستعدادات الجيش اللبناني، أساساً، كانت توحي بأنه جاهز لمعركة كهذه تحاصر المسلحين وتجعلهم بين واحد من خيارين: الموت أو الرحيل وفق تسوية. فجأة، هبّت «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن.
تداعياتها اللبنانية، معطوفة على حسابات رئاسة الجمهورية، أدّت الى الخطأ نفسه الذي أعقب «غزوة عرسال» الأولى، في آب الماضي، عندما سُمح للمسلحين بالخروج مع الأسرى العسكريين. أدّى ذلك الى تعديل في خطة العملية: قرر حزب الله تنظيف المناطق الواقعة على تماس مع قواته، متجنّباً عرسال لسببين: عدم فتح مشكل داخلي بسبب البعد المذهبي، ولأن الجيش هو القوة الرئيسية على تخوم المنطقة، من دون أن يعني ذلك أنه كان يهدف الى قذف كرة نار المسلحين الى عرسال، أو الى حضن تيار المستقبل. ولكن، يمكن تخيّل السيناريوات الناجمة عن وجود آلاف المسلحين المحاصرين في منطقة جغرافية أصغر من تلك التي اعتادوا عليها. من هذه السيناريوات: إندلاع صراع على النفوذ بينهم، خصوصاً بين «النصرة» و«داعش»؛ أو صراع بينهم وبين الجيش لأنهم يحتاجون الى حرية الحركة نحو عرسال للتموين؛ أو صراع بينهم وبين الاهالي الذين بدأوا يشعرون بثقل هذا الملف على حياتهم اليومية… من دون استبعاد تحقق السيناريوات الثلاثة معاً.
ما هي الخطوة المقبلة؟ هل يتطرق السيد نصرالله، في إطلالته اليوم، الى الاستراتيجية المقبلة لمواجهة المسلحين في جرود عرسال؟ هل يعلن عن دور لحزب الله ام يترك الكرة في ملعب الجيش وتيار المستقبل؟ هل يعلن الوقوف وراء الجيش في المرحلة المقبلة؟
لا أجوبة واضحة عن كل هذه الأسئلة بعد. الأرجح أن السيد نصرالله سيسير بين النقاط ويبقي على شيء من الغموض. لن يكشف استراتيجية المقاومة لما بعد تجمّع المسلحين في جرود عرسال، وقد يفضّل إبقاء الأجوبة ملتبسة. قلق الارهابيين في الجرود و«نقزة» أخصام السياسة في الداخل لن يزعجاه. على هؤلاء منذ الآن التعامل مع هذه القنبلة الموقوتة التي رُميت في أحضانهم من دون رامٍ. هم يدركون ذلك جيداً، مثلما يدركون أن كل الصراخ حرصاً على «ثورة» الشعب السوري أو على «عدالة مضيّعة» في قضية ميشال سماحة، سببه… «عاصفة القلمون يا عزيزي»!
المصدر : صحيفة الاخبار