مشكلة الحكم والحكومة
لقد كان ردّ الإمام عليّ عليه السلام على المنكرين لضرورة الحكومة والحاكم في الإسلام بالسيرة والضرورة البشريّة، واستنتجنا أنّ وجود الحكومة والقيادة والزعامة من المبادىء الضروريّة والحيويّة الّتي لا يُمكن إنكارها في أيّ منطق مهما كان منطق الإنسان ومذهبه.
ولعلّ المشكلة الأساس في موضوع الحكم والولاية لم تكن من الكفّار والملحدين في مواجهة المشروع الإلهيّ والقادة الإلهيّين، وإنّما كانت بالدرجة الأولى من السطحيّين والسذَّج الّذين يُمكن خداعهم بسهولة، وكذلك مع المتلوّنين المذبذبين الّذين لا يستقرّون على حال ولا يثبتون على رأي، وإنّما هم مع كلّ ناعق ينعقون ومع كلّ ريح يميلون.
وأخطر ما واجهه الإمام عليّ عليه السلام وشكّل مشكلة كبرى له؛ هم المنافقون الّذين اتّخذوا الإسلام رداءً والقرآن شعاراً خداعاً للمؤمنين وكيداً لأولياء الله.
وساعدهم على ذلك أنّ الناس كانوا تحت تأثير ضوضاء الصراعات والحروب الدائرة على خلفيّة الإمارة والولاية، وفي أجواء الانخداع بتجربة السابقين في الحكم والخلافة، وقد ملأت أسماعهم كلمات وخطب مدّعي المكانة والمقام والقداسة في الإسلام فأصبحوا عليه أوصياء، وإلى الحقّ فيه بنظر الناس أدلّاء، حتّى انخدع بعض من كان في صفّ الإمام عليه السلام فتساءل: أيُعقل أنْ يكون هؤلاء وفيهم من فيهم على باطل ليأتي ردّ الإمام عليّ عليه السلام: “لا يُعرف الحقّ بالرجال ولكنْ إعرف الحقّ تعرف أهله”.
قيل إنّ الحارث بن حوط أتاه فقال: أتراني أظنّ أصحاب الجمل كانوا على
ضلالة؟ فقال عليه السلام: “يا حارث إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت! إنّك لم تعرف الحقّ لتعرف من أتاه ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه”2.
أهداف الإمام عليّ عليه السلام من الحكومة
يُمكن تلخيص أهداف الحكومة بنظر الإمام عليّ عليه السلام كما ذكرها هو في قوله لابن عبّاس عندما دخل عليه بذي قار وهو يخصف نعله فقال له عليه السلام: “ما قيمة هذه النعل؟ فقال: لا قيمة لها! فقال عليه السلام. والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلّا أنْ أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً”3.
فلا هدف عنده إلّا إحقاق الحقّ ودفع الباطل.
وإليك هذه النصوص الّتي تُجمل هذه الأهداف.
يقول عليه السلام: “اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكنْ لنردّ المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتُقام المعطّلة من حدودك”4.
ويقول في موضع آخر:
“وإنّي إلى لقاء الله لمشتاق وحسن ثوابه لمنتظر راج، ولكنّني آسى أنْ يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً5والصالحين حرْباً والفاسقين حزباً فإنّ منهم الّذي قد شرب فيكم الحرام وجُلِدَ حدّاً في الإسلام6 وإنّ منهم من لم يُسلم حتّى رضخت له على الإسلام
________________________________________
2- نهج البلاغة، ج4، ص 63.
3- م. ن، ج 1، ص 80، خ 33.
4- م. ن، ج2، ص 14.
5- عبيداً.
6- ذكر العلامة المجلسيّ أنّه الوليد بن عقبة، وقيل عتبة بن أبي سفيان.
الرضائخ 7فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم”8.
فأهدافه هي:
1 – إنّ الحكومة كمنصبٍ وجاهٍ دنيويّ ليست غرضاً ولا تستحقّ أنْ تكون غاية وهدفاً، والنعل البالية أفضل منها ما لم يترتّب عليها إقامة الحقّ وإزهاق الباطل. ولذا نفى أنْ يكون طلب الحكم هو لأجل تحصيل السلطة وطلباً للدنيا “لم يكن الّذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماسَ شيء من فضول الحطام”.
لأنّه بنظر الإمام – النابع من عمق الإسلام – الحاكم أمين على إجراء الحكم والعدل وليس مالكاً له فهو يوصي بعض ولاته فيقول: “وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة وأنت مسترعى من فوقك، ليس لك أن تفتات9 في رعيّة، ولا تُخاطر إلّا بوثيقة”10.
2 – نصرة المظلومين واستنقاذهم من أيدي الظالمين وعدم السكوت على ظلم الظالمين “وما أخذ الله على العلماء أنْ لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم”.
3 – حراسة أمن الناس: “فيأمن المظلومون من عبادك”.
4 – إقامة الحدود على الظالمين: “وتُقام المعطَّلة من حدودك”.
5 – حراسة حدود الدين ومواجهة أهل البدع: “ولكنْ لنردّ المعالم من دينك… فأقام سنّة معلومة وأمات بدعة مجهولة”.
________________________________________
7- أي العطايا، وقيل إنّه عمرو بن العاص.
8- نهج البلاغة، ج3، ص120، كتاب رقم 62.
9- أي تستبدّ.
10- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج14، ص 33.
6- والهداية: “فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادلٌ، هُدي وهَدى”.
7 – الإصلاح لما قد تراكم من اعوجاج وتأصّل من انحراف: “ونُظهر الإصلاح في بلادك…”.
8 – عدم إخلاء الساحة لذوي المطامع والفسّاق والوصوليّين لخطورتهم على الدين والأمّة، “ولكنّي آسى أنْ يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها…”.
ويُمكن تلخيص هذا كلِّه بالقول إنّ الهدف هو إقامة العدل ومحق الباطل ومحو الظلم بكافّة أشكاله.
صفات الحاكم في نهج البلاغة
1- التقوى
قال عليه السلام في صفة التقيّ: “قد ألزم نفسه العدل فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه”11.
2- العدالة وترك الظلم:
وقد وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “سيرته القصد وسنّته الرشد وكلامه الفصل وحكمه العدل”12.
وقال عليه السلام: “وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودّة الرعيّة”.
وقال عليه السلام: “بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد”13.
________________________________________
11- نهج البلاغة، الخطبة 87.
12- م. ن، الخطبة 94.
13- م. ن، من عهده للأشتر، ج3، ص 93.
3- عدم الاستئثار والاستبداد
من كتابه إلى عامله على آذربيجان:
“وليس لك أنْ تفتات14 في رعيّة ولا تُخاطر إلّا بوثيقة”.
4- الرحمة والمحبّة للرعيّة
وكتب إلى مالك الأشتر: “وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
5- عدم التبجّح بالمناصب
“ولا تقولنّ إنّي مؤمّر فأُطاع، فإنّ ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرّب من الغير”15.
صفات من لا يصلح للولاية
يقول عليه السلام:
“وقد علمتم أنّه لا ينبغي أنْ يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين:
أ – البخيل فتكون في أموالهم نهمته.
ب – ولا الجاهل فيضلّهم بجهله.
ج – ولا الجافي فيقطعهم بجفائه.
د – ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم.
________________________________________
14- أي تستبدّ.
15- نهج البلاغة، من عهده لمالك الأشتر، ج3، ص 15.
هــ – ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع.
و – ولا المعطّل للسُنّة فيُهلك الأمّة”16.
خلاصة الدرس
ـ من المشكلات الّتي واجهت الإمام عليّ عليه السلام في قضيّة الحكم في الإسلام:
1 ـ مشكلة الخوارج ودعواهم أنّه لا حكم إلّا لله.
2 ـ التشكيك بأهليّة شخص الإمام للحكم.
3 ـ التشكيك بوجود نصّ في كونه الوليّ بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
4 ـ مشكلة أهل الجمل.
5 ـ تركة الخلفاء السابقين من الولاة ذوي الأطماع.
6 ـ تذبذب الناس واشتباه الأمور عليهم في تقييمهم للصحابة.
ـ واجه الإمام عليّ عليه السلام دعوى الخوارج: “لا حكم إلّا لله” بأنّ هذه المقولة كلمة حقّ يُراد بها باطل.. فينبغي التفريق بين الحكم والإمرة والقيادة، فالحكم لله تعالى والإمرة بشريّة، فلا بُدَّ للناس من أمير لتدبير الأمور وتنظيمها وتوفير الأمن وإعمار البلاد وحماية المجتمع.
ـ لم يكن هدف الإمام عليّ عليه السلام من الحكم إلّا إحقاق الحقّ ونشر العدالة والهداية للإسلام.
ـ من صفات الحاكم الصالح:
1 ـ التقوى 2 ـ العدالة وترك الظلم 3 ـ عدم الاستئثار والاستبداد 4 ـ الرحمة
________________________________________
16- نهج البلاغة، ج2، ص 14.
والمحبّة للرعيّة 5 ـ عدم التبجّح بالمناصب.
ـ صفات من لا يصلح للولاية:
1 ـ البخيل 2 ـ الجاهل 3 ـ الجافي 4 ـ الحائف للدول 5 ـ المرتشي 6 ـ المعطّل للسنّة.
أســــــئـلـــة
1- ما هي المعضلات والمشاكل الّتي واجهت الإمام عليه السلام في موضوع قضيّة الحكم في الإسلام؟
2- تحدّث عن أهميّة الحكومة في نهج البلاغة؟
3- كيف واجه الإمام عليه السلام دعوى الخوارج؟
4- أذكر بالتفصيل هدف الإمام عليه السلام من الحكم؟
5- ما هي صفات الحاكم الصالح؟
6- عدّد صفات من لا يصلح للولاية؟