لم يأت إنشاء الحشد الشعبي نتيجة سياق طبيعي أملته الرغبة، بل بحكم الضرورة وكرد فعل على اجتياح تنظيم «داعش» لمساحات واسعة من العراق ونتيجة لفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع السيد علي السيستاني بهدف صد الهجمة التكفيرية في البلاد
الانهيار الذي أصاب القوات الأمنية العراقية صباح العاشر من حزيران 2014 في المحافظات «السنية»، وتمدد تنظيم «داعش» إلى المناطق المجاورة وتهديده للعاصمة بغداد ومحافظتي كربلاء والنجف اللتين تمتلكان رمزية كبيرة لدى الشيعة، دفع الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي إلى الاستنفار وإنشاء جيش رديف للوقوف بوجه الخطر الذي يهدد البلاد.
وفي الموازاة، أطلق المرجع السيد علي السيستاني، فتوى «الجهاد الكفائي»، بعد يومين من سيطرة «داعش» على ثلث مساحة البلاد. ولاقت فتوى السيستاني تهافتاً في الأوساط الشعبية العراقية الشيعية، أنتجت تطوع مئات آلاف الأشخاص خلال اقل من أسبوع، فيما أضفت الحكومة العراقية طابعاً رسمياً على عملية التطوع، وربطتها بمستشارية الأمن الوطني، تحت مسمى «هيئة الحشد الشعبي».
فتحت الجوامع والحسينيات أبوابها أمام المتطوعين لتسجيل أسمائهم، واحتضنتهم المعسكرات المرتجلة لتدريبهم وإرسالهم إلى جبهات القتال، فيما كانت بعض الفصائل المسلحة الشيعية التي قاتلت الاحتلال الاميركي تعيد تنظيم نفسها من جديد، واستدعت المقاتلين الذي كانوا قد أرسلوا لحماية مرقد السيدة زينب في سوريا إلى البلاد ليقفوا جميعهم في مواجهة المد الداعشي الذي لامس حدود بغداد. وسريعا انتشرت قوات «الحشد» في المناطق الجنوبية والشمالية والغربية من حزام العاصمة ليتمكنوا من سد الفراغ الأمني، وأداء دور بارز في إيقاف تمدد تنظيم «داعش»، في ظل تنسيق عالٍ بين الفصائل «الشيعية» المسلحة والقوات الامنية الحكومية.
وتحوّل «الحشد الشعبي» إلى هيئة رسمية اعترف بها مجلس الوزراء، الذي عمم كتاباً رسمياً على جميع الدوائر الحكومية يشير إلى ضرورة التعاون معه. ومن الناحية الرسمية يخضع «الحشد» لإمرة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة، الذي رأى في أحد تصريحاته أن «مقاتلي الحشد الشعبي يمثلون العمود الفقري في المعركة ضد داعش».
تتوزع أدوار «الحشد الشعبي» بالتساوي في جميع المعارك التي يخوضها دون تهميش لأي فصيل، وفي أغلب المعارك المشتركة مع القوات الأمنية يكون محور «الحشد الشعبي» الأسرع تقدماً، الأمر الذي يعزوه مختصون لقدرتهم على خوض حرب الشوارع.
يتألف «الحشد الشعبي» من 42 فصيلاً مسلحاً مسجلاً لدى مستشارية الأمن الوطني، وهو يضم 118 ألف مقاتل، يخوض منهم 60 ألف الحرب الحالية ضد «داعش». وتنقسم الفصائل المسلحة عموماً إلى قسمين، الأول يضم الفصائل المسلحة المعروفة كـ «منظمة بدر» و«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق»، والقسم الثاني الفصائل الصغيرة التي أُنشئ معظمها بعد فتوى السيستاني.
الثقل الكبير في «الحشد» يتمثل بقوات «منظمة بدر»، التي عادت إلى حمل السلاح بعد فتوى السيستاني، بعدما تحولت الى منظمة سياسية في عام 2003. تضم المنظمة التي يتزعمها هادي العامري ما يقارب 23 ألف مقاتل، يشارك 12600 منهم في المعارك الحالية ضد «داعش» وهم مجهزون بأحدث الأسلحة.
لدى «منظمة بدر» العديد من الضباط الكبار في صفوف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى انتماء وزير الداخلية الحالي، محمد الغبان، إليها، كما أن لديها العديد من المستشارين الإيرانيين.
ويأتي كل من «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» في المرتبة الثانية على صعيد قوى المقاومة العاملة إلى جانب «الحشد الشعبي» ويضم كل منها ما يقارب ستة آلاف مقاتل. ويقود الأولى الشيخ قيس الخزعلي، الذي انشق عن التيار الصدري بعدما كان الرجل الثاني بعد مقتدى الصدر، فيما تعد قيادة «كتائب حزب الله» سرية الطابع، ويعرف عنها أنها تتألف من مجلس شورى.
أما الحركات الأبرز من بين تلك المنضوية في إطار «الحشد»، فهي «حركة النجباء» بقيادة الشيخ أكرم الكعبي، و«كتائب سيد الشهداء» بقيادة أبو آلاء، و«كتائب جند الإمام» بقيادة أبو جعفر الأسدي، و«كتائب الإمام علي» بقيادة الحاج شبل، و«حركة طلائع الخراساني» بقيادة علي الياسري، و«سرايا عاشوراء» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم، كما تنتمي لـ «الحشد» فصائل أصغر حجما ًمثل «سرايا الجهاد» و«البناء» و«تشكيل الحسين الثائر» و«قوات الشهيد الصدر» و«كتائب التيار الرسالي» و«فرقة العباس القتالية» و«لواء علي الأكبر» التابعين للعتبتين العباسية والحسينية.
جغرافية الفصائل «الشيعية»
تعد المحافظات الجنوبية البيئة الخصبة لإنشاء تلك الفصائل، إذ إن معظم أفرادها من محافظات ميسان والبصرة وذي قار والديوانية، حيث الانضمام الى «بدر» و«العصائب «لا يكون الا عن طريق الكفيل، بينما الفصائل الصغيرة الأخرى أبوابها مفتوحة للجميع، ومعظمها أُنشئت بعد فتوى الجهاد الكفائي.
تعمل فصائل «الحشد الشعبي» بتنسيق عال ومنسجم في ما بينها، حيث توزع الأدوار على نحو متناسق. وتنتشر فصائل «بدر» و«العصائب» و«كتائب حزب الله» في الخطوط الأمامية، إضافة إلى المناطق التي حررت من تنظيم «داعش»، مثل محافظات بابل وديالى وصلاح الدين، بينما الفصائل الأخرى تنتشر في مدينة سامراء وتعمل على مسك الأرض بعد تحريرها من التنظيم.
«سرايا السلام»
لا تعدّ «سرايا السلام» التابعة للتيار الصدري وتضم عشرات آلاف المنتسبين جزءاً من «الحشد الشعبي» بالرغم من مشاركتها في معارك جرف الصخر وآمرلي وسامراء واليوسفية، بسبب تجميدها من قبل زعيمها مقتدى الصدر، إضافة إلى أنها غير مسجلة لدى مستشارية الأمن الوطني ضمن فصائل «الحشد الشعبي».
الأسلحة والتخطيط
تجهز الدولة العراقية عبر وزارة الدفاع «الحشد الشعبي» بالسلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، إذ إن بعض الفصائل تمتلك مدرعات ودبابات، بينما فصائل أخرى أصلحت دبابات الجيش العراقي السابق وتستخدمها في بعض المعارك. وفي العموم لا يمتلك «الحشد» أسلحة نوعية.
أما الخطط العسكرية، فتوضع بالتنسيق بين القيادة العليا لـ «الحشد» وقادة الفصائل المشاركة في العمليات بإشراف عدد من المستشارين الإيرانيين. وعادة ما يجري توزيع الأدوار بين الفصائل وفقاً لحجم الفصيل وتجربته وإمكاناته التسليحية.
«التحالف الدولي»
تتعامل قيادة «الحشد» مع «التحالف الدولي» بحساسية عالية، وترفض مشاركته في العمليات التي تنفذها. وتتهم هذه القيادة التحالف بالإزدواجية، حيث أدى دوراً مهماً في إيقاف تمدد «داعش» نحو أربيل عاصمة إقليم كردستان، بينما بقي «متفرجاً»، على الانتهاكات التي يمارسها التنظيم المتطرف في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وبابل. وخشى قادة «الحشد» من استهدافهم بطائرات «التحالف الدولي» عن طريق الخطأ، إذ إن أغلبهم مطلوب للولايات المتحدة.
المعارك
بدأ «الحشد الشعبي» مدافعاً عن المناطق التي لم تسقط بيد «داعش»، وانتشر على نحو كبير في مناطق حزام بغداد، وبعد فترة قصيرة تحوّل من استراتيجية الدفاع إلى الهجوم، واستطاعت «سرايا السلام» و«منظمة بدر» و«كتائب الامام علي» و«سرايا الخراساني» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» تحرير مناطق سليمان باك، وفك الحصار الذي دام 80 يوماً على مدينة آمرلي. بعدها انتقلت معظم هذه الفصائل إلى مهمة تحرير كامل محافظة ديالى، وهي المهمة التي أنجزت قبل نحو ثلاثة أشهر مع تطهير منطقة المقدادية قرب بعقوبة من آخر جيوب «داعش».
قبل ذلك، ركزت فصائل «الحشد» جهودها شمالي محافظة بابل (جنوب بغداد)، حيث تمكنت بالتنسيق المشترك من تحرير ناحية جرف الصخر، في عملية كان لها وقع إعلامي كبير نتيجة حساسية المنطقة وقربها من مدينة كربلاء، فضلاً عن تجذر تنظيم «القاعدة» فيها منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق.
وأدى «الحشد الشعبي» دوراً بارزاً في تحرير معظم مناطق محافظة صلاح الدين، (شمالي العراق)، حيث تمكن من تحرير نحو ستة آلاف كيلومتر مربع، امتدت من المنطقة الشرقية لنهر دجلة، التي تبدأ من مدينة سامراء (جنوبي صلاح الدين)، وانتهاء بمطار الضلوعية (شمال بغداد)، لكن العمليات العسكرية توقفت لفترة من الوقت، نتيجة احتكاك حصل بين قيادة «الحشد» ورئيس الحكومة، حيدر العبادي، بسبب سماح الأخير لقوات «التحالف» بالمشاركة في تحرير مدينة تكريت برغم علمه المسبق بموقف قيادة «الحشد» من رفضها لهذا الأمر.
تدريب العشائر
خلال الفترة الأخيرة انضمت بعض العشائر «السنية» إلى «الحشد الشعبي»، وشاركت تحت لوائه في تحرير مناطق في صلاح الدين، وكذلك هو الحال اليوم في محافظة الأنبار، حيث بدأ تطويع عدد من أبناء العشائر ضمن تشكيلات خاصة في الحشد بدعوة مباشرة من مجلس المحافظة ودعم حكومي رسمي.
المصدر : صحيفة الاخبار