أشار القرآن الكريم والروايات الواردة عن العترة المطهرين، إلى طريقين أساسيين لتحصيل التقوى:
الاوّل: الغايات الاخروية.
الثاني: الحبّ الالهي.
الطريق الاوّل: الغايات الاخروية
إنّ التدبّر في الآيات القرآنية ينتهي بنا إلى أن من أهمّ المسؤوليات التي اُلقيت على عاتق الانبياء جميعاً، هي إنذار أممهم من عذاب النار، فيما لو خرجوا عن زيّ العبودية لله تعالى، وتبشيرهم بالجنّة ونعيمها الدائم، فيما لو أطاعوا الله ورسله. والآيات في بيان هذه الحقيقة كثيرة جدّاً. قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ)( [336])، وقال: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)( [337]).
وقال: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)( [338]).
هكذا بالنسبة إلى خاتم النبيين (صلّى الله عليه وآله) حيث قال: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً)( [339])، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً)( [340])، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)( [341]).
قال الراغب الاصفهاني في المفردات: «وأبشرتُ الرجل وبشّرته وبشرْته، أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه، وذلك أنّ النفس إذا بشّرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر». وقال: «والانذار: إخبار فيه تخويف، كما أنّ البشير إخبار فيه سرور»( [342]).
لذا نجد القرآن الكريم عندما يصف المؤمنين يقول عنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)( [343]) «والمراد اشتغالهم بدعاء ربّهم في جوف الليل حتى تنام العيون وتسكن الانفاس، لا خوفاً من سخطه تعالى فقط حتى يغشيهم اليأس من رحمة الله، ولا طمعاً في ثوابه فقط حتى يأمنوا غضبه ومكره، بل يدعونه خوفاً وطمعاً»( [344]).
وهذا الطريق هو المأثور عن الانبياء السابقين فيما ينقل إلينا من الكتب السماوية، ولم يتجاوز القرآن الكريم هذا المسلك ، بل اعتبره طريقاً جيّداً لاصلاح النفس من خلال الترهيب والتحذير من النار والترغيب في الجنّة.
قال تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)( [345]). وقال: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)( [346]) والباء في «بأنّ» للمقابلة، لذا ورد عن الامام علي عليه السلام: «إنّه ليس لانفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها إلاّ بها» لا بدراهم معدودة أو رئاسة أو جاه محدود وما إلى ذلك من العناوين الاعتبارية التي نتقاتل عليها كلّ صباح ومساء.
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام)( [347]).
ومن كلمات إمام المتّقين عليّ (عليه السلام) في هذا المجال:
«ألا وانّي لم أرَ كالجنّة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها»( [348]).
«فكفى بالجنّة ثواباً ونوالاً، وكفى بالنار عقاباً ووبالاً»( [349]).
«فالجنّة غاية السابقين، والنار غاية المفرّطين»( [350]).