الرئيسية / القرآن الكريم / بيّنات في معرفة القرآن الكريم

بيّنات في معرفة القرآن الكريم

نظرة تفسيريّة موضوعيّة في خصائص القرآن الكريم

الدرس الثالث: البيّنة الثالثة “لغة القرآن

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1-يعرف وجه الحكمة في اختيار اللغة العربية لتكون لغة للقرآن.

2-يعدِّد خصائص اللغة العربية.

3- يشرح خصائص اللغة العربية، بوصفها لغة القرآن.

إنّ لغة القرآن هي اللغة العربيّة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بعدّة تعابير، من قبيل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[1], ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾[2], ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾[3].

وأمّا اختيار اللغة العربيّة لتكون لغة القرآن الكريم، فيعود إلى نكات دقيقة، أبرزها الآتية:

1-اتّحاد لسان الرسول ورسالته مع المُرسَل إليهم:

جاء نزول القرآن باللغة العربيّة استناداً إلى أصل عامّ وسنّة إلهيّة في الإنذار والتبشير، مفادها: اتّحاد لغة كلّ رسول مع لغة قومه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4]. كما أنّ هذه السنّة تقتضي أن يكون الرسول من القوم الذين أُرسل إليهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾[5] وهذه القاعدة العامّة في إرسال الرسل عليهم السلام، تنطبق أيضاً على إنزال الكتب السماويّة: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا …﴾[6].

ومن هذا المنطلق، فإنّ نزول القرآن باللغة العربيّة أمر طبيعيّ موافق للسنّة الإلهيّة في الإنذار والتبشير. وهذا لا يتنافى مع رسالة الإسلام العالميّة، ودعوته العامّة على مدى العصور والأجيال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[7], ولا مع ما جاء به القرآن من هداية عامّة للناس كافّة: ﴿… هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…﴾[8]. وأمّا إنذار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل مكّة، الذي ورد في سورة الشورى، فلم يكن إلا لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان في المراحل الأولى من حركته العالميّة، مكلّفاً بدعوة قومه وهداية أبناء بيئته. ومن غير المعقول أن يُؤمَر صلى الله عليه وآله وسلم بإرشاد الناس وهدايتهم، ثمّ يعرض عليهم كتاباً بلغة غريبة عنهم: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾[9].

وتجدر الإشارة إلى أنّ نزول القرآن في البيئة الجعرافيّة التي يقطنها العرب آنذاك، كان وفق تدبير إلهيّ حكيم، وذلك لأمور عدّة، أبرزها:

– إنّ القرآن رسالة الإسلام الخاتمة والعالميّة، فلا بدّ من تهيئة أمر انتشار هذا الدين واستحكام أمره في بيئة مصونة نسبيّاً عن التهديدات والأخطار التي تحول دون ذلك من جهة، وقريبة من جغرافيّة الرسالات السماويّة السابقة من جهة ثانية، ولغتها قادرة على إيصال تعاليم الرسالة الجديدة بنحو أفضل من غيرها من اللغات من جهة ثالثة، فكانت بيئة الجزيرة العربيّة البيئة المناسبة لهذه المرحلة التأسيسيّة، ولا سيّما أنّ خصائصها الجغرافيّة والمناخيّة صعبة وشاقّة لمن يريد أن يغزوها، وأنّها بعيدة نسبيّاً عن الأمبراطوريّات القويّة آنذاك، التي يمكن أن تشكّل تهديداً كبيراً لانتشار هذه الرسالة، كأمبراطوريّتي الفرس والروم.

– قضت الحكمة الإلهيّة التمهيد لهذه البيئة الجغرافيّة تكويناً وتشريعاً، عبر وضع الكعبة المشرّفة فيها: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾[10], ثمّ

بيّن الوحي الإلهيّ خصوصيّة هذا المكان بتوجيه دعوات الأنبياء عليهم السلام والرسل عليهم السلام للناس إليه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ …﴾[11], ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾[12]، ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً…﴾[13].

وغيرهما زمور أخرى تقتضي نزول القرآن الكريم باللغة العربيّة في بيئة الجزيرة العربيّة.

[1]– سورة يوسف، الآية 2، وانظر: سورة طه، الآية 113، سورة الزمر، الآية 28، سورة فصّلت، الآية 3، سورة الشورى، الآية 7، سورة الزخرف، الآية 3.

[2]– سورة النحل، الآية 103، وانظر: سورة الأحقاف، الآية 12.

[3]– سورة الرعد، الآية 37.

[4]– سورة إبراهيم، الآية 4.

[5]– سورة الأنعام، الآية 130.

[6]– سورة الشورى، الآية 7.

[7]–  سورة سبأ، الآية 28.

[8]–  سورة البقرة، الآية 185.

[9]– سورة الشعراء، الآيتان 198-199.

[10]–  سورة آل عمران، الآية 96.

[11]– سورة البقرة، الآيتان 125-126.

[12]– سورة إبراهيم، الآية 37.

[13]– سورة آل عمران، الآية 97.

شاهد أيضاً

ثلاث عمليات لقوات المسلحة اليمنية حققت أهدافها بنجاح

أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ قواتها البحرية ثلاث عمليات عسكرية استهدفت سفينة ومدمرة أميركيتين في ...