التلميذ: هل كان المرحوم القاضي يتحدّث و يتذاكر في مجالسه مع تلامذته و رفقائه الخاصّين عن شيء من هذه المقولات التوحيديّة؟
فلقد كان المرحوم القاضي رجلاً في غاية العجب، كمثل جبل راسخ مقتدر ذي سعة و قابليّة هائلتين. فبعض تلامذته الذين تردّدوا عليه عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة لم يتوصّلوا الی التوحيد، و لم ينالوا شيئاً من توحيد الحقّ تعالي. و لستُ أعلم هل كان يماشيهم و يسير وفق خُطاهم، فبقوا مشغولين بعالم الكثرات هذا الیحين ارتحال آية الحقّ تلك؟
الاّ انّ بعض تلامذته كانوا علی العكس من ذلك، فقد توصّلوا بسرعة الی العلم و المعرفة في مجال المعرفة الإلهيّة و في مجال الاسماء و الصفات و توحيد ذات الحقّ.
العلاّمة: بلي، كان المرحوم القاضي يتحدّث هذا النوع من الحديث مع بعض تلامذته ممّن يعتمد عليهم الی حدٍّ ما، و لقد كان المرحوم القاضي رجلاً عجيباً حقّاً، فكان ينهج مع كلّ واحد من تلامذته حسب قابليّته و حالاته.
و كان تلامذته مختلفين، فقد كان لبعضهم قابليّد علی التقدّم بسرعة، امّا البعض الاخر فلم يكونوا كذلك، و كان تقدّمهم يحصل ببطء و تأخير.
و كان المرحوم القاضي يتواجد في الحال العاديّة لمدّة عشرة أيام عشرين يوماً، فيتردّد عليه الرفقاء و يتذاكرون معه و يتحدّثون اليه؛ ثم يحصل أن يختفي فجأة لعدّة أيّام دون أن يكون له أثر، لا في البيت و لا في المدرسة و لا في المسجد و لا في الكوفة و لا في السهلة. فلا أثر له أبداً. و لم تكن عائلته تعلم أين كان يذهب، أو ماذا كان يعقل. و لم يكن لاحد علم بذلك.
و كان الرفقاء لا يتركون مكاناً يحتملون وجوده فيه دون أن يفتشّوه، فلا يعثرون له علی خبر. ثمّ انّه كان يظهر بعد عدّة أيام فيستمر بدرسه و جلساته الخاصّة في المنزل و المدرسة. و كان له كثيرٌ من الغرائب و العجائب علی هذا النحو، و كانت حالاته غريبة تُثير العجب.
و كان النجفيّون ينقلون عنه قضيّة، لا ينحصر ذلك في شخص واحد أو اثنين منهم، بل يتعدّي الامر ذلك. و قد استفسرتُ عنها منه بعد ذلك فأقرّ أنّها كذلك.
فقد كان المرحوم القاضي مريضاً، و كان جالساً في أيوان المنزل الذي كان يسكنه، و كان يشكو آلاماً في رجليه بحيث فقدت رجلاه القابليّة علی الحركة و الانثناء. و كان هناك في تلك الاثناء حرب دائرة في النجف الاشرف بين طائفتي«الشِمِرت» و «الذِکُرت»؛ و كان اولئكم قد تحصّنوا فوق سطوح المنازل يترامون من فوقها. فكانت الحرب دائرة بين هذا الطرف من المدينة و طرفها الآخر. ثمّ رجحت كفّة الذِکُرت، فأجلوا طائفة الشمرت و ردّوهم علی أعقابهم، فكانوا في تقدّمهم يحتلّون المنازل و السطوح الواحد بعد الآخر.
و كانت جماعة من طائفة الشمرت قد تحصّنت فوق سطح داره و استخدمته في رمي الزگرف، فلمّا تغلّبت طائفة الذِکُرت جاء رجالها الی هذا السطح فقتلوا رجلين من الشمريتين. و كان المرحوم القاضي جالساً في الايوان يتفرّج و لمّا احتلّ الذِکُرت أيّوان السطح و تراجع الشمرتيّون عنه، نزل الذِکرتیّون الی ساحة البيت و احتلّوا البيت و قتلوا اثنين آخرين من الشمريّتين في الايوان، و اثنين آخرين في ساحة البيت، فصار مجموع قتلاهم ستّة أنفار.
و كان المرحوم القاضي يقول: حين قتلوا ذينك النفرين فوق السطح، فقد كان الدم يتدفّق من الميزاب الی الاسف كالمطر، و كنت جالساً في مكاني دون أن أقوم بحركة. ثمّ انّ الكثير من الذکرتیيّن تدفّفوا في الغرف فجمعوا كلّ ما يصلح للاءستفادة منه و نهبوه.
كان لطف ذلك أنّ المرحوم القاضي يقول: لم أتحرّك، فلقد جلستُ علی هيئتي السابقة و أنا أتفرّج.
و يقول: كان الدم يتدفّق من الميزاب، و كان هناك قتيلان ساقطين في الايوان و قتيلان آخران ملقيين في ساحة البيت، و أنا أتفرّج.