كيف نحقّق الإخلاص
انطلاقاً من الآية السابقة ندخل إلى أهمّ مسألة في عبادة الله، ألا وهي الإخلاص، يقول تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾ .
وينبغي أن يعلم أَنَّه لمَّا كانت طرق الباطل كثيرة ومتنوِّعة، وطريق الحقّ واحداً، وهو الطريق المستقيم الَّذِي جاء به سيّد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله، فحينئذٍ تكون الأبواب المشرّعة أمام الشيطان إِلَى قلب الإنسان كثيرة، ويدعم الشيطان في ذلك ميل النفس البشرية نحو الشهوات، وعسر انقيادها للحقّ، كلّ ذلك يضع العبد المسكين في موضع لا يحسد عليه، قال الشاعر:
إنّي بليت بأربعٍ ما سُلطت
إبليس والدنيا ونفسي والهوى
إبليس يسلك في طريق مهالكي
وأرى الهوى تدعو إليه خواطري
وزخارف الدنيا تقول أما ترى
إِلَّا لأجل شقاوتي وعنائي
كيف الخلاص وكلُّهم أعدائي
بي والنفس تأمرني بكلّ بلائي
في ظلمة الشبهات والآراء
حسني وفخرَ ملابسي وبهائي
فربما يزيّن الشيطان طريق الحقّ فيغوي بالمرء ويوقع به ويعرض الشر في موضع الخير، بحيث يظن أنّه من إلهامات النَفَس الرحماني، لا وسوسة الشيطان وإغوائه، فيهلك ويضل من حيث لا يعلم، فلا يزال الشيطان يوسوس للإنسان بأمور ويثبتها في لوح نفسه، فيعمر يومه ويخرب أمسه، ويخالف الله ويظن أنّه في طاعته، فيدخل في جملة الأخسرين أعمالاً.
وفي هذا المجال يقول المولى النراقي قدس سره: “لما كانت طرق الباطل كثيرة وطريق الحق واحدة، فالأبواب المفتوحة للشيطان إلى القلب كثيرة، وباب
الملائكة واحدة, ولذا روي أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطّ يوماً لأصحابه خطّاً وقال: “هذا سبيل الله”، ثمّ خطّ خطوطاً عن يمينه وشماله فقال: “هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه”، ثمّ تلا قوله سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ . ثمّ لسهولة ميل النفس إلى الباطل وعسر انقيادها للحق تكون الطرق المؤدية إلى الباطل التي هي أبواب الشيطان جلية ظاهرة، فكانت أبواب الشيطان مفتوحة أبداً، والطرق المؤدية إلى الحق التي هي باب الملائكة خفية، فكان باب الملائكة مسدوداً دائماً، فما أصعب بالمسكين ابن آدم أن يسد هذه الأبواب الكثيرة الظاهرة المفتوحة ويفتح باباً واحداً خفياً مسدوداً” .
هذا، والسبيل أمام الإنسان إِلَى النجاة هو الإخلاص, فإنّ الإخلاص الحقيقي هو تجريد القصد من الشوائب كلها. وهو ضد الرياء والشرك، فمن جاء بطاعة ليراه الناس فهو مراء مطلق، ومن جاء بها وانضم إلى قصد القربة قصدُ غرضٍ دنيويٍ انضماماً تشريكياً ففعله مشوب غير خالص.