الآثار العقدية المترتّبة على العدل الإلهي واختيار الإنسان
1- لغوية الوعد والوعيد مع الإجبار:
الوعد هو ما ذكره الله من خيرات تنتظر المطيعين كإدخالهم إلى الجنّة، والوعيد هو ما ذكره الله من عذابات تنتظر العاصين كإدخالهم إلى النار، ولو لم يكن الإنسان مختاراً فلا معنى للوعد والوعيد, لعدم مؤاخذة المجبور على الفعل في فعله.
2- بطلان الثواب والعقاب مع الجبر:
لولم يكن الإنسان مختاراً لما كان معنى للثواب والعقاب, إذ المحسن حينها مجبورٌ على إحسانه والمسيء مجبور على إساءته.
وإلى هذين الأمرين أشار أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر المرويّ عنه في الكافي: “كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَالِساً بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ، إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ، أَبِقَضَاءٍ مِنَ الله وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَجَلْ يَا شَيْخُ، مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَّا بِقَضَاءٍ مِنَ الله وَقَدَرٍ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: عِنْدَ الله أَحْتَسِبُ عَنَائِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا شَيْخُ، فَوَ الله لَقَدْ عَظَّمَ الله الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ وَفِي مَقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاتِكُمْ مُكْرَهِينَ وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاتِنَا مُكْرَهِينَ وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟! فَقَالَ لَهُ: وَتَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً وَقَدَراً لَازِماً؟! إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ الله، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَلَمْ تَكُنْ لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ الْمُذْنِبُ أَوْلَى بِالْإِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَخُصَمَاءِ الرَّحْمَنِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ وَقَدَرِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا” .
ومثله ما رواه في الاحتجاج: “فَأَخْبِرْنِي عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ، كَيْفَ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مُطِيعِينَ مُوَحِّدِينَ وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ قَادِراً؟ قَالَ عليه السلام: لَوْ خَلَقَهُمْ مُطِيعِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوَابٌ, لِأَنَّ الطَّاعَةَ إِذَا مَا كَانَتْ فِعْلَهُمْ لَمْ يَكُنْ جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ، وَلَكِنْ خَلَقَ
خَلْقَهُ فَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِرُسُلِهِ، وَقَطَعَ عُذْرَهُمْ بِكُتُبِهِ, لِيَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يُطِيعُونَ وَيَعْصُونَ وَيَسْتَوْجِبُونَ بِطَاعَتِهِمْ لَهُ الثَّوَابَ وَبِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ الْعِقَابَ” قَالَ: فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ الْعَبْدِ هُوَ فِعْلُهُ، وَالْعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ الْعَبْدِ هُوَ فِعْلُهُ؟ قَالَ: “الْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ الْعَبْدِ بِفِعْلِهِ وَالله بِهِ أَمَرَهُ، وَالْعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ الْعَبْدِ بِفِعْلِهِ وَالله عَنْهُ نَهَاهُ” قَالَ ـ أيْ: الزنديق ـ أَلَيْسَ فِعْلُهُ بِالْآلَةِ الَّتِي رَكَّبَهَا فِيهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَلَكِنْ بِالْآلَةِ الَّتِي عَمِلَ بِهَا الْخَيْرَ قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ”. قَالَ: فَإِلَى الْعَبْدِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ قَالَ: “مَا نَهَاهُ الله عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُطِيقُ تَرْكَهُ وَلَا أَمَرَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ, لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْجَوْرُ وَالْعَبَثُ وَالظُّلْمُ وَتَكْلِيفُ الْعِبَادِ مَا لَا يُطِيقُونَ”. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَهُ الله كَافِراً أَيَسْتَطِيعُ الْإِيمَانَ وَلَهُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الْإِيمَانَ حُجَّةٌ؟ قَالَ عليه السلام: “إِنَّ الله خَلَقَ خَلْقَهُ جَمِيعاً مُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَالْكُفْرُ اسْمٌ يَلْحَقُ الْفِعْلَ حِينَ يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ وَلَمْ يَخْلُقِ الله الْعَبْدَ حِينَ خَلَقَهُ كَافِراً، إِنَّهُ إِنَّمَا كَفَرَ مِنْ بَعْدِ أَنْ بَلَغَ وَقْتاً لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ مِنَ الله فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَجَحَدَهُ، فَبِإِنْكَارِهِ الْحَقَّ صَارَ كَافِراً” .
3- انتفاء الحاجة لإرسال الأنبياء:
لو لم يكن الإنسان قادراً على اتّباع الأنبياء ومختاراً في ذلك فلا معنى لإرسالهم أصلا.