وضعت الزيارة القصيرة لرئيس الوزراء حيدر العبادي ذات الـ (24) ساعة الى موسكو والتي التقى من خلالها بأصحاب القرار في الكرملين، حدا فاصلا للتساؤلات العراقية الحائرة حول الموقف المبهم والمريب للولايات المتحدة حيال العراق الذي يرتبط معها باتفاقية الإطار الستراتيجي (2008)
الاتفاقية التي تشمل جميع مجالات “التعاون” الإطاري بين العراق والولايات المتحدة وبأكثر من 25 بندا اطاريا لاسيما الجانب الأمني والدفاعي والتسليحي (القسم الثالث: التعاون الدفاعي والأمني. تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، وبذلك المساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه).
وهي اتفاقية يؤكد الجانب الأميركي “تمسكه” بها وانها تشكل ركنا أساسيا من أركان العلاقات “الطيبة” التي تربط البلدين فيما ينفي الجانب العراقي الرؤية الأميركية تماما ولا يبني الجانب العراقي رؤيته على افتراضات او ادعاءات بل من خلال سياسة الأمر الواقع ومعطيات المؤشرات الملموسة على الأرض ومن تلك المعطيات هي ان اتفاقية الإطار الستراتيجي ـ وفي ظل تداعيات وإسقاطات واستحقاقات الحرب التي يخوضها العراق “نيابة ” عن جميع العالم ومنه الولايات المتحدة نفسها ـ
بقيت فيما يبدو حبرا على ورق ما اسهم في رسم صورة مربكة ومشوشة وغير مفهومة وغير مبررة ايضا لموقف الولايات المتحدة هذا لدى الشارع العراقي ولدى دائرة صنع القرار السياسي وقد عززت تلك الصورة، المشاركةُ الخجولة والمتواضعة للولايات المتحدة في الحلف الدولي المناهض للإرهاب وما كان يرد الى وسائل الإعلام من دلائل إسقاط مساعدات لوجستية عن طريق الطائرات الأميركية الى إرهابيي “داعش”، فضلا عن نكوص ومماطلة الولايات المتحدة في الجانب الدفاعي والتسليحي مع العراق كما ألزمت اتفاقية الإطار الستراتيجي بذلك الولايات المتحدة وعدته استحقاقا عراقيا وأخلاقيا مترتبا عليها، والقتال ضد “داعش” هو الفرصة المثلى لتطبيقها تطبيقا عمليا كبادرة حسن نية مفترضة على الولايات المتحدة مع شركائها وبالأخص العراق.
ونظرا للنتائج المحبطة للآمال التي رشحت عن زيارة العبادي الى واشنطن في نيسان الماضي والتي كان الهدف المعلن منها تزويد العراق بطائرات دون طيار وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي، وأسلحة وذخائر، لكن الطلب العراقي لاقى عدم اهتمام من الجانب الأميركي، وبعد التأكد من عدم جدوى اتفاقية الإطار الستراتيجي على ارض الواقع وبمعنى آخر اليأس من دور أميركي فاعل ومؤثر ومساند للعراق وهو يخوض حربا ضروسا ضد “داعش” وبإمكاناته البسيطة التي لازمتها أزمة مالية قاسية نتيجة تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية فقد توجه العبادي صوب الكرملين وفي الوقت المناسب وفي ظل الحاجة الماسة المتزايدة للعراق الى التسليح لتحرير ما تبقى من الأراضي العراقية التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي وهو جانب ستراتيجي غضت عنه الولايات المتحدة النظر وفي الوقت غيرالملائم.
وهي زيارة ذات ثلاثة محاور رئيسية:
1- الاستثمارات الروسية في العراق.
2- التعاون العسكري والتقني والنفطي بين البلدين (اجتمع العبادي مع رؤساء ثلاث شركات روسية كبرى للنفط والغاز هي سوبوز نفط غاز غروب ولوك اويل وغاز بروم نفط).
3 – التعاون المشترك على الساحة الدولية فيما يتعلق بأهم القضايا الدولية والإقليمية كقضية الإرهاب الذي هي قضية ذات اهتمام مشترك بين بغداد وموسكو وهو ما يؤكد أن وجهات النظر العراقية الروسية تتطابق في أكثر من ملف من ملفات المنطقة وفي مقدمتها الملف السوري ثم اليمني والملف النووي الإيراني وملف محاربة تنظيم
“داعش” الذي يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي، وهو الأمر الذي يجعل نقاط الالتقاء كثيرة بين البلدين.
كما ان بغداد كانت قد عقدت مسبقا عدة صفقات مع موسكو لتزويدها بالأسلحة والمعدات الحربية من ضمنها صفقة واحدة قيمتها 4.2 مليارات دولار لاستيراد 40 مروحية من طرازي Mi-28 وMi-35 المعروفة بـ”الصياد الليلي” واستلم العراق عدة دفعات منها فعلا مع تأكيد موسكو المستمر بأنها لا تفرض شروطا كغيرها من الدول لإمداد العراق بالسلاح كونه في طليعة الدول التي تحارب “داعش”، فيما لم يبدِ الجانب الأميركي تحفظا على بحث العراق عن مصدر تسليح آخر، فقد اعترفت وزارة الخارجية الأميركية ان العراق يملك الحق الكامل في شراء أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا ومن دول أخرى لتلبية احتياجاته الدفاعية وأعطت الولايات المتحدة بعدم الممانعة هذه ضوءا اخضر للعراق للبحث عن مصادر اخرى للتسليح ما يعطي تبريرا عمليا وواقعيا لها في التنصل من استحقاقات اتفاقية الإطار الستراتيجي وخاصة الجانب التسليحي منها.
إن علاقات التعاون الستراتيجي بين العراق وروسيا هي علاقات تاريخية وتمتد الى منتصف القرن الماضي وان شهدت فتورا في بعض الأوقات إلا انها كانت مبنية على المصالح الثنائية المشتركة بتعاقب الأنظمة السياسية وهي علاقات تنبع من منظومة المصالح الروسية في الشرق الأوسط كون روسيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع الكثير من الدول التي تتشابه رؤاها السياسية معها كالعراق وايران وسوريا، ولهذا يجب على العراق أن يتحرر من شرنقة “المزاج” الأميركي، وذلك من خلال إبرامه لاتفاقية إطارية مع روسيا الاتحادية التي لا تحب التفريط بموطئ قدمها في المياه الدافئة.