السؤال ليس بريئاً بالمرّة: ماذا ستفعل الأمّة الإسلاميّة في حال أقدم الصهاينة مرّة أخرى على إحراق الأقصى في القدس؟ للتذكير: في الـ21 من شهر آب (أغسطس) 1969 عندما قام يهوديّ مُتطرّف بإحراق ﺍﻟﻤﺴﺠد الأقصى، ﻗﺎﻟت ﻏﻮﻟدا مائير، رئيس وزراء حكومة العدو: لم ﺃﻧﻢ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ ﻭﺃنا ﺃتخيل ﺍﻟﻌﺮﺏ سيدخلون “إسرائيل” أفواجاً ﻣﻦ كلّ صوﺏٍ، ﻟﻜﻨّﻲ عندما طلع ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ولم يحدث أيّ شيء ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃنّه باستطاعتنا ﻓﻌﻞ ما نشاء، فهذه أمّة نائمة.
في المُقابل، أطلق الثعلب السرمديّ، أي رئيس الدولة العبريّة الأسبق، شمعون بيريز، تصريحاً خبيثاً قال فيه إنّ الطريقة المثلى لحل الصراع الإسرائيليّ ـ الفلسطينيّ هو اللجوء إلى الرياضة على مختلف أشكالها وأجناسها، لأنّ الرياضة، وفق منطق الرئيس الإسرائيليّ، (الذي يتفاخر ويتباهى بمناسبة أوْ بدونها بأنّه أقام الفرن الذري في ديمونا) هي الأسلوب الأنجع لتقريب القلوب بين أبناء “الشعبين”!
هكذا هو بيريز، ثعلب مُتخفٍ بلباس حملٍ، ولا نعرف حتى الساعة ماذا قال هذا الصهيونيّ الحاقد، مُنفّذ مجزرتي قانا في لبنان، لأصدقائه العرب في اللقاء الذي عُقد مؤخراً في العاصمة الأردنيّة، عمّان. ولكي نضع الأمور في نصابها الصحيح، نقول ونجزم إنّ القدس هي قضيّة وطنيّة وقوميّة بامتياز، ولا تقتصر على الأقصى أوْ القيامة، إنّها عربيّة مئة في المئة، ونعتقد أنّ هذا هو المكان والزمان للردّ على نائب رئيس الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطينيّ، الشيخ كمال خطيب، الذي أكّد في تصريحٍ علنيّ أنّ القدس ستكون عاصمة دولة الخلافة الإسلاميّة الراشدة، بحسب تعبيره. لا يا شيخ، نُريد فلسطين، كلّ فلسطين، دولة عربيّة، ديمقراطيّة وعلمانيّة.
علاوة على ذلك، من الأهميّة بمكان، التأكيد والتشديد على أنّ مشروع الصهيونيّة لتهويد القدس وفصلها عن مُحيطها الفلسطينيّ – العربيّ، يسير بوتيرةٍ عاليةٍ في ظلّ صمتٍ عربيّ وإسلاميّ مُريب، مُخزٍ، مهينٍ ومذل. نقولها بألمٍ ومرارةٍ شديدين بأنّ العرب مُنشغلون في تطبيق نظرية النازيّ هتلر الذي قال إننّي أتكل على العرب في أنْ يقتلوا بعضهم بعضاً. ولكي لا ندخل في متاهة التطبيع أوْ التضبيع (من ضبع) مع الكيان الاستعماريّ، المُسّمى “إسرائيل”، نربأ عن الدخول في النقاش الدائر اليوم فيما إذا كانت زيارة القدس المُحتلّة تدخل في إطار التطبيع مع دولة الاحتلال.
من السذاجة أنْ نعتقد بأنّ هناك أزمة بين واشنطن وتل أبيب حول البناء في القدس المحتلّة
مع ذلك، أوْ على الرغم من ذلك، نقول وبصوتٍ عالٍ: أصحاب رؤوس أموال من الوطن العربيّ يقومون بشراء أندية كرة القدم في أوروبا بمئات ملايين الدولارات، ويصرفون الأموال الضخمة من أجل ذلك، لا ضرر في هذه الخطوة، ولكن يحق لنا أن نسأل هؤلاء الأثرياء العرب وغيرهم: لماذا لا يُقدّمون شيئاً للشعب الفلسطينيّ، الذي يئن تحت نير الاحتلال؟ لماذا لا نسمع عن الأثرياء العرب الذين يعملون على منع صهاينة الدولة العبريّة وخارجها من تهويد مدينة القدس المحتلّة؟
نسأل هذا السؤال في ظلّ التصريحات الإسرائيليّة الرسميّة العلنيّة بأنّ القدس المُوحدّة هي العاصمة الأبديّة للشعب اليهوديّ، نُورد هذه الأمور ونحن نُتابع عن كثب، كيف تقوم الجمعيات الصهيونية الاستيطانية بشراء البيوت والذمم في قدس أقداسنا بدعمٍ سخيٍّ من الثريّ اليهوديّ، أيرفين موسكوفيتش، الذي لا يألو جهداً في تخصيص المبالغ الخياليّة من أجل تحقيق الهدف، هم يفعلون، ونحن نقف موقف المتفرج، وكأنّ الأمر لا يعنينا، هل سمعتم عن ثريٍّ عربيٍّ قام بمبادرات اقتصاديّة أوْ إنسانيّة في القدس المحتلّة؟
نحن لا نتحدث عن الأنظمة العربيّة الرسميّة، التي تغطُ في غرفة العناية المُكثفّة، ولا نتحدّث عن الأنظمة الإسلاميّة، التي تنتظر الإعلان رسمياً عن وفاة النظام الرسميّ العربيّ لتحّل مكانه، إنمّا نتحدّث عن مبادرات خاصة لأثرياءٍ عربٍ يملكون المال لمساعدة أهالي القدس، لأنّ مَنْ يُعوّل على الأنظمة الرسميّة، لا يُعوّل عليه، ففي عام 1995، وصل رئيس الوزراء الإسرائيليّ آنذاك يتسحاق رابين، إلى المؤتمر الاقتصاديّ في عمان الذي شارك فيه العرب والمُسلمون، واعتلى المنصّة وقال لهم: جئتكم من القدس، العاصمة الأبديّة المُوحدّة لدولة إسرائيل، وغنيٌ عن القول إنّ أحداً من الزعماء لم ينبسّ ببنت شفة.
ما هو السبب الذي يدفع هؤلاء الأثرياء العرب للإحجام عن استثمار الأموال في القدس؟
لا نُريد منهم أنْ يفهموا بأنّ الشعب الفلسطينيّ هو شعب المتسّولين. لا، عليهم أنْ يفهموا أنّ السلطات الإسرائيليّة الرسميّة والجمعيات الخاصّة تعمل على تهجير أهالي القدس وتُمارس سياسة التطهير العرقي في المدينة المقدسة، والوضع يتحول يوماً بعد يومٍ من سيء إلى الأسوأ وهم يتفرجون ويُواصلون الاستثمار في ملاعب الكرة الأوروبيّة.
التطهير العرقيّ الذي تُطبّقه الدولة العبريّة عن طريق بلدية الاحتلال، يشمل في ما يشمل هدم المباني العربيّة، فرض الضرائب الباهظة على المقدسيين المُرابطين على أرض الآباء والأجداد، وأساليب أخرى من إبداع الفكر الصهيونيّ الضاغن والناقم. السكّان العرب في القدس بحاجةٍ إلى دعمٍ ماليٍّ ومعنويٍّ على حدٍ سواء، لا عن طريق البيانات التي لا تُساوي الحبر المكتوبة فيه، إنّما بحاجة إلى آليات عملية لوقف مسلسل التهجير والتطهير العرقيّ في القدس.
نحن بحاجةٍ إلى مشاريع اقتصاديّةٍ بأموالٍ عربيّةٍ لصدّ العدوان الإسرائيليّ، لأنّ المادّة في زمن العولمة باتت القضية الرئيسيّة لمجابهة الأطماع غير المحدودة للصهيونية ولزبانيتها. كما أنّه من الأهمية بمكان الإشارة، إلى أنّ الادعاءات العربية الممجوجة بأنّ للقدس شعباً يحميها هي ادعاءات أكل الدهر عليها وشرب، وحتى لا نصل إلى نقطة اللا عودة، يجب تجنيد رؤوس الأموال العربيّة لدرء هذا الخطر المُحدّق بالأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍ، وبالشعب الفلسطينيّ بشكلٍ خاصٍ، وبما أنّ سلطة “أوسلو – ستان”، التي تعتبر التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال مُقدّساً، غير قادرة أو بالأحرى لا تُريد لوحدها الدفاع عن القدس وعن المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس، فإنّ الأمر بات أكثر إلحاحاً من ذي قبل.
ولكي نكون على بينّة من الأمور يجب التشديد على أنّ الأعذار مرفوضة جملةً وتفصيلاً، فالقدس العربيّة هي منطقة محتلّة، وبالتالي يسمح القانون الدوليّ للأثرياء العرب باستثمار الأموال فيها وإنقاذها من براثن الصهيونيّة، التي كشّرت عن أنيابها وما زالت تصول وتجول في القدس المحتلة من دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ.
وعندما قال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، إنّ جميع رؤساء الحكومات في “إسرائيل” منذ عدوان الخامس من حزيران عام 1967، قاموا بالبناء في القدس العربيّة، فللأسف الشديد نجد أنفسنا مكرهين على القول الفصل إنّ أقواله صحيحة مئة في المئة، أيْ أننّا نحن العرب من المحيط إلى الخليج، نُواكب ونُتابع عملية سلب القدس من أيدينا من دون أنْ نُحرّك ساكناً؟
هل تقبلون يا عرب وهل توافقون يا مسلمون على أنْ تكون رأس حربة الإمبريالية العالمية، الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها، باراك أوباما، في خط الدفاع الأول عن القدس، وتحاول أنْ تمنع الإسرائيليين من مواصلة انتهاك حرمات مساجدنا وكنائسنا؟ ألا تعتقدون أنّ هذا الأمر هو من رابع المُستحيلات؟ برّبّكم وبدينكم: هل تنقصنا الخامات أو الطاقات أو الثروات لكي نمنح الآخرين فرصة مواصلة السيطرة على القرار العربيّ الرسميّ والشعبيّ؟
إنّه فعلاً من المشاهد السوريالية أو العبثية، أو الاثنين معاً، أنْ تقف الشعوب العربيّة، كالأنظمة التي تحكمها بالحديد والنار، موقف المحايد في أهم قضية من قضايانا. ومن السذاجة بمكان أنْ نعتقد بأنّ هناك أزمة حقيقية بين واشنطن وتل أبيب حول البناء في القدس المحتلّة. إنّ ما يجري اليوم هو خلاف بين صديقين حميمين، سرعان ما سيجد طريقه إلى الحل، إنّه خلاف على سلّم الأولويات وليس على الجوهر، وبالتالي حان الوقت لأنْ تتضافر الجهود، جهود الأثرياء العرب من أجل المساهمة في الدفاع عن القدس وعن الأقصى وعن القيامة، لأنّه إذا فقدنا القدس لن نتمكّن من إعادتها، أمّا إذا أردنا شراء فريق كرة قدم هنا أو هناك، فإنّ الأمر سيبقى قائماً أبداً، والمفارقة أننّا نضطر لتوظيف مسألة الاستثمار في القدس، ونُقارنها بكرة القدم، فهل هذه علامات الآخرة؟
والشيء بالشيء يُذكر: المُبادرة العربيّة، وهي سعودية الأصل، تنازلت عن حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، الذي شُردّوا من ديارهم في النكبة المنكودة. أصحيحٌ أنّ فلسطين ليست نكبة العرب، بلْ العرب هم نكبة فلسطين؟ يا أيُّها الناطقون بالضاد: صرفتم وما زلتم تصرفون مئات المليارات من أجل تدمير آخر معقل للقوميّة العربيّة، سوريّة، مع علمكم التّام بأنّ القضاء على هذا البلد العربيّ هو ضمان استمرارية الكيان الصهيونيّ وعربدته في المنطقة، فهل تحالفكم المُعلن وغير المُعلن معه، يضُم القدس أيضاً؟ هل تعملون على إخراج نظرية بن غوريون إلى حيّز التنفيذ، وهو الذي أرسى مقولته «المأثورة» إنّ قوّة “إسرائيل” لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بل في تدمير الجيوش المصريّة، العراقيّة والسوريّة؟