الرئيسية / شخصيات اسلامية / العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)

العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)

 السيرة الذاتية ,ولادته ووفاته

ولد العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في 29 ذي الحجة سنة 1321 هـ في مدينة تبريز وفي 18 محرم سنة 1402 هـ فاضت نفسه القدسية إلى العالم العلوي في مدينة قم المقدسة ودفن بجوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها.

 نشأته

يصل نسب العلامة من جهة أبيه إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومن جهة أمه إلى الإمام الحسين عليه السلام ومن هنا فقد حظي بالانتساب إلى سيدي شباب أهل الجنة.

والده هو السيد محمد القاضي الطباطبائي من أسرة معروفة في يزد بل في العالم الشيعي بالعلم والمعرفة وقد نشب منها علماء ومفكرون كبار.

ترعرع العلامة في جو كانت تجري فيه ينابيع التقوى والإيمان وقد ازدان بالسلوك والعمل الصالح. فقد استهلم سلوك هذه العائلة المنتسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من سلوك آل الله عليهم أفضل الصلاة والسلام، فأخذ عطر التقوى والورع يتسرب إلى شامة هذا الطفل وترنّم الذكر والمناجاة والصلوات والعبادة يرفع في أسماعه نداء التوحيد، وراح متأثراً بهذا الجو المفعم بالعطر المعنوي الذي أخذ يعجن روحه الملكوتية ونفسه الإلهية، يتهيأ لتقبل مسؤولية خطيرة ومهمة عظيمة.

لم يمض من عمره خمسة أعوام حتى خيمت على حياته ظلال الألم والفراق بفقد أمه، وبرحيل أبيه في التاسعة من عمره بدأت سهام الأحداث والصعاب تستهدف أصوله وجذوره وراح الحزن والغم يظهر له ملامح فقدانهما، فأخذ يعترك الصعاب ويجتاز العقبات وتتقوم شخصيته وهو في أوان حياته. ولكن رغم التوقعات التي كانت تحوم حول حياته وحياة أخيه وتكتب لهما مستقبلاً مظلماً، شاءت حكمة الله أن يعبّد لهما طريق التكامل والتعالي حيث عيّن لهما وصي أبيهما خادماً وخادمة لاستتباب الأمر وتهيئة الأرضية المناسبة للرشد والتكامل.

رة طفولته وبداية نشأته ودراساته التمهيدية

المشاكل والعقبات التي ظهرت أمام العلامة الطباطبائي في بداية مسيرته منعته من الذهاب إلى المدرسة والمكتب حتى التاسعة من عمره وظل بعيداً عن تعلم القراءة والكتابة، ولكنه بعد أن اجتاز العقبات ورفع الموانع والمطبات عزم على خوض ميدان العلم والتعلم.

بدأ العلامة من سنة 1330 وحتى 1336 هـ إلى جانب أخيه بتعلم القرآن الذي كان متداولاً تدريسه آنذاك قبل كل شي‏ء ثم قرأ جملة من الكتب ككتاب جلستان وبوستان سعدي ونصاب الصبيان وأخلاق ناصري وأنوار سهيلي وتاريخ العجم ومنشآت أمير نظام وإرشاد الحساب عند الأديب البارع الشيخ محمد علي السرائي. كما وأخذ فنون الخط على الأستاذ الميرزا علي نقي الخطاط.

فترة المراهقة والشباب ودراسة العلوم الدينية

لم يرتو غليل العلامة ولم تشبع روحه التواقة إلى العلم بهذا المستوى من الدراسة حتى دخل مدرسة الطالبية في سنة 1337 ه وبقي فيها يأخذ علوم العربية والعلوم العقلية والنقلية والفقه والأصول حتى سنة 1344 هـ فقرأ في علم الصرف الأمثلة وصرف مير والتصريف، وفي علم النحو العوامل والأنموذج والصمدية وشرح السيوطي والجامي والمغني، وفي علم المعاني والبيان كتاب المطول، وفي علم الفقه شرح اللمعة والمكاسب، وفي علم أصول الفقه المعالم والقوانين والرسائل والكفاية، وفي علم المنطق الرسالة الكبرى وحاشية ملا عبد الله وشرح الشمسية، وفي علم الفلسفة شرح الإشارات، وفي علم الكلام كشف المراد.

اقترنت هذه المدة التي طالت أربعة أعوام بشي‏ء من الكلل والملل والإعراض عن الدراسة وعدم الرغبة في تحصيلها على حد تعبير العلامة حتى أنه عندما سقط في امتحان كتاب السيوطي قوبل بعتاب أستاذه وعلى أثرها خرج من مدينة تبريز مستاء متألما بيد أنه ولعمل قام به سرعان ما غمرته العناية الربانية واشتعل في نفسه شوق وتوق بالغ لتحصيل العلوم واكتساب المعارف الإلهية ومن حينها وحتى نهاية دراسته التي طالت زهاء 18 سنة لم يصبه شي‏ء من السأم والملل ولم يشعر في نفسه من الدراسة تعب ونصب، فكان يسهر الليالي للدراسة والمطالعة. وأدى به هذا اللطف الإلهي أن يجتاز كل عقبة واجهته وكل عثرة مثلت أمامه بسهولة. وكانت هذه الرعاية الربانية تسايره وتواكبه طيلة حياته فكان يشعر دوماً بقوة غيبية تنجيه من كل مزلق وتكشف عنه كل مأزق وجاذبة مرموزة تدفع عنه آلاف العوائق والموانع وتهديه إلى حيث الغاية والمقصد.

الهجرة إلى النجف الأشرف

وفي سنة 1344 هـ ولمزيد اشتياقه للدراسة والتعلم، اتجه صوب النجف الأشرف. ولكنه لاقى بدء وروده صعوبات كثيرة آلت إلى وفاة ابنه الأول السيد محمد، منها تغيير البيئة وحرارة الجو والماء غير الصحي والغربة واختلاف اللغة، إلا أن عزمه الراسخ وإرادته القوية للاستمرار بالدراسة واكتساب العلوم والمعارف كانت تذلّل الصعاب وتهوّن الخطوب.

وفي تلك الأيام، وقبل أن يعزم على الحضور في درس خاص، تجلت له تلك العناية الإلهية مرة أخرى وفي الوقت الذي كان جالساً في بيته غارقاً في بحر أفكاره وفيما يدور حوله من أمور، طرق بابه ابن عمه العارف الكبير آية الله السيد علي القاضي الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية مرحباً به وبدخوله حوزة النجف العلمية، وبعد تبادل شي‏ء من الحديث، أوصاه بتهذيب النفس والتحلي بمكارم الأخلاق وعدم التغافل عن النفس الأمارة، ثم خرج من منزله. فأشعل كلامه هذا في نفس العلامة نوراً ومُلى‏ء قلبه شغفاً وحبا له فلازمه طيلة مكوثه في النجف الأشرف ولم يفارقه لحظة واحدة حتى أنه امتنع من استعمال الطيب بعد وفاته لمدة ثلاثين سنة وكان يذكره كلما دار الكلام عن تهذيب النفس والسير و السلوك.

التوجه إلى الفلسفة والعرفان

بعد أن لازم العلامة، العارف الكبير السيد علي القاضي دخل في مرحلة جديدة من حياته العلمية. إذ كان في بداية دخوله إلى النجف الأشرف يعتبر نفسه غنياً عن العلوم العقلية ويتصور أنه لا يحتاج إلى دراسة الفلسفة حتى على يد صدر المتألهين نفسه فيما لو كان حياً ولكنه بعد أن دخل مجلس السيد القاضي وقف على بعده عن العلوم الفلسفية والحكمية كل البعد وعلى كونه لم يفهم من الأسفار حتى كلمة واحدة.

فتصدى إلى دراسة العلوم الفلسفية على يد السيد القاضي قدس سره كما يشير إلى ذلك العلامة الطباطبائي ذاكراً بأن السيد القاضي كان أحد أساتذته في العلوم العقلية ولكن لم يتضح لدينا أيّ كتاب درسه على يد هذا العارف الجليل.

كما وأخذ على يد الحكيم السيد حسين البادكوبي منظومة السبزواري والأسفار والمشاعر والشفاء لابن سينا وكتاب أثولوجيا لمدة ستة أعوام.

وإن القسم الأوفر من العرفان العملي والنظري والمدرسة التفسيرية للعلامة قد تلقاه من أستاذه الأعظم آية الله السيد علي القاضي رحمه الله، وبما أنه لم يقرأ على السيد حسين البادكوبي سوى كتاب تمهيد القواعد، يحتمل قوياً أنه أخذ شرح الفصوص للقيصري ومصباح الأنس للقونوي والفتوحات المكية لابن العربي على يد السيد علي القاضي قدس سره.

دراسة الرياضيات والفقه والأصول

كان العلامة الطباطبائي قد قرأ في مدينة تبريز كتاب إرشاد الحساب في الرياضيات إلا أن أستاذه الحكيم السيد حسين البادكوبي حثه على دراسة كتاب تحرير إقليدس لتفجير الذوق البرهاني فيه فاستجاب له العلامة ودرس هذا الكتاب وغيره في الرياضيات لمدة سنتين عند السيد أبي القاسم الخوانساري الذي كان ضليعاً في العلوم الرياضية ومتبحراً في معادلات الجبر والمقابلة بحد كان يراجعه الجامعيون لحل إشكالاتهم الرياضية.

إن شهرة حوزة النجف العلمية في زمن العلامة الطباطبائي مدينة لكبار الفقهاء وجهابذة الأساتذة في مجالي الفقه والأصول ولعل الدافع الوحيد الذي ساق العلامة إلى النجف الأشرف هو إكمال دراساته الفقهية والأصولية. إلا أن هذا الدافع وإن كان قد تغيب إثر اللقاء بالسيد علي القاضي تحت ستار العرفان والسير والسلوك، بيد أنه حافظ على مرتبته الخاصة حيث نجد العلامة قدس سره قد أخذ الفقه والأصول على يد كبار العلماء والفقهاء أمثال الشيخ محمد حسين الأصفهاني المعروف بالكمباني والشيخ محمد حسين النائيني والسيد أبي الحسن الأصفهاني حتى نال مرتبة الاجتهاد وتسلم من الشيخ النائيني إجازة في الاجتهاد والرواية.

إن أساتذة فقهه وأصوله أنفسهم يعتبرون أمثلة في التقوى والأخلاق والعرفان، ودراسة الفقه والأصول عندهم له تأثير كبير على تنمية الجانب العرفاني في العلامة، وإطراؤه عليهم يشعر بتأثره منهم في هذا المجال.

المنهج التفسيري

لقد برع العلامة الطباطبائي في التفسير وسلك فيه منهجاً خاصاً، وعلى الرغم من أنّ أستاذيه السيد القاضي والسيد البادكوني كان كلاهما من المفسرين، غير أن المستفاد من كلام العلامة نفسه هو اتباعه منهج السيد القاضي في تفسيره حيث يقول: علمنا أستاذنا السيد القاضي قدس سره هذا المنهج وهو تفسير الآية بالآية ونحن نتبع منهجه في التفسير.

العودة إلى تبريز

واحدة من المشاكل التي كان دوماً ما يعاني منها العلامة الطباطبائي طيلة مكوثه في النجف الأشرف هي تأمين حياته اليومية التي اضطرته للعودة إلى مسقط رأسه تبريز مع أخيه في سنة 1354 هـ.

قضى العلامة في تبريز معظم وقته الذي طال كالنجف الأشرف عشرة أعوام في الزراعة. ولذا كان يعتبرها فترة خسران في حياته لأنها حالت بينه وبين الدراسة والتدريس والإنتاج العلمي. وهذا الأمر إنما ينبأ عن سمو نفسه وعلو همته إذ أنه وفق في هذه الفترة لتدوين العديد من الرسائل الفلسفية العميقة إلا أن هذا المقدار لم يعد يروي ظمأه ويسد غليله فكان يبحث عن مكان كحوزة قم المقدسة ليؤلف فيها تفسيراً قيماً كالميزان ويربي أعلاماً وجهابذة أمثال الأستاذ الشهيد مطهري.

حياته العلمية في قم المقدسة

بعد أن استتبت له الأمور المعاشية، استخار الله بكتابه العزيز للهجرة إلى قم المقدسة، فبشر بهذه الآية «هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقباً» (الكهف / 44) وعلى أثرها وفي سنة 1366 هـ ترك مدينة تبريز قاصداً بلدة قم.

كانت الحوزات العلمية في جميع أقطار البلاد آنذاك ولا سيما حوزة قم العلمية التي خرجت لتوها من ضغوط رضا خان، بمسيس الحاجة إلى أعلام يروون غليل الجيل الشاب من طلبة العلوم الدينية ويضفون عليهم مناهل العلم والمعرفة.

بعد أن دخل العلامة قم المقدسة، تفجرت في نفوس الكثير من النخب الدينية التي أصيبت لجهات عديدة بخيبة أمل، روح النشاط والحياة العلمية من جديد وأخذوا يطوفون حول هذا العطاء الإلهي وينهلون من نمير علمه، وهو الذي كان مثالاً في الإخلاص، وقف نفسه لتربيتهم وخلّف تلامذة أصبحوا من بعده هداة يهتدى بهم وقادة يقتدى بهديهم.

بدأ العلامة من حين دخوله إلى قم بتدريس الفقه والأصول، إلا أن شعوره بالمسؤولية، سرعان ما ساقه إلى اتجاه آخر. يقول العلامة حول ترك تدريسه الفقه والأصول: يوجد في حوزة قم العلمية ولله الحمد أشخاص يدرّسون الفقه والأصول ولكن لا يوجد فيها من أساتذة الفلسفة والتفسير إلا القليل، واليوم حوزة قم العلمية والمجتمع الإسلامي بأمس الحاجة إلى التفسير والفلسفة واشتغالي بهذه العلوم أنفع للإسلام.

من هذا المنطلق، بدأ في بيته أولاً ثم في مسجد سلماسي بتدريس الأسفار. أثار هذا الأمر من جانب الروح والنشاط العلمي في نفوس الطلاب ومن جانب آخر ردود فعل المخالفين للعلوم الفلسفية وبدأ العمل على تعطيل درسه إلا أن إخلاص العلامة وجده واجتهاده والأساليب التي اتبعها آية الله السيد البروجردي والإمام الخميني رحمة الله عليهما حالت دون تعطيل هذا الدرس وأجهضت خطة المعاندين.

صرف العلامة طيلة هذه المدة التي استغرقت 35 عاماً كل وقته في التدريس والتحقيق في هذين المجالين ونشر المعارف الإسلامية وخلف آثاراً قيمة يستفيد منها العام والخاص.

تلامذته

في الوقت الذي كان قد أحاط بالحوزات العلمية الإيرانية آنذاك نوع من التزلزل والاضطراب، خلفت مدرسة العلامة الطباطبائي للحوزات العلمية ولعالم التشيع وعالم العلم والتربية لآلئ نفيسة. وقد أصبحت كل واحدة من هذه النجوم الساطعة مصدراً للخيرات والبركات للمجتمع وللحوزة العلمية وحققت في سبيل انتصار الثورة الإسلامية المباركة إنجازات كبيرة. وإليكم أشهر تلاميذه:

قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الشهيد السيد محمد حسيني بهشتي، الشهيد الشيخ علي قدوسي، الشهيد الشيخ محمد جواد باهنر، الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، الشيخ حسن حسن زاده الآملي، الشيخ عبد الله جوادي الآملي، الشيخ جعفر سبحاني، السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، الشهيد الشيخ محمد مفتح، السيد موسى الصدر، السيد عز الدين الزنجاني، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، السيد جلال الدين الآشتياني، السيد أبو الحسن مولانا، الشيخ محمد محمدي گيلاني، الشيخ حسين نوري الهمداني، الشيخ يحيى الأنصاري الشيرازي، الشيخ علي أحمدي ميانجي، الشيخ محمد حسين الطهراني، الشيخ أبو طالب تجليل تبريزي، الشيخ إبراهيم الأميني، الشيخ عبد الحميد الشربياني، الشيخ عباس إيزدي، الدكتور أحمد أحمدي، الدكتور السيد حسين نصر.

إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية

النشاطات الاجتماعية التي كان يقوم بها العلامة الطباطبائي لها أبعاد مختلفة وكل منها يحكي عن شخصيته البارزة. وإليكم فيما يلي نظرة عابرة عن كل واحدة من هذه النشاطات.

1. إحياء الحوزة العلمية في قم

كانت الحوزات العلمية في زمن دخول العلامة إلى قم تمر بظروف متأزمة ناجمة من ضغوط الحكم القمعي والمشاكل المنبثقة من داخلها وهجوم الأفكار المتغربة، وكان الكثير من الطلبة آنذاك يعيشون في ظل أجواء عصيبة، يبحثون عمن يشفي غليلهم ويروي نفوسهم المتعطشة إلى التعلم من زلال العلوم ومعين المعارف. وقد أدت هذه الأجواء إلى أن يعزم البعض على الخروج من الحوزة وترك الدراسة. إلا أن حضور العلامة في قم أعاد إلى الحوزة نشاطها وازدهارها العلمي واستطاع بمحوريته أن يجمع هذه الثلة المتشتتة وينظمها ويبدلها إلى طاقة جبارة تنفع المجتمع وها نحن نجد هذه الشجرة المتجذرة قد أينعت ثمارها في داخل المجتمع من مختلف الجهات العلمية والسياسية وغيرها.

2. الوقوف بوجه الحكومة الجائرة في سبيل إقامة حكومة إسلامية

لأول وهلة قد يقف الإنسان متعجباً من هذا الكلام لأن المنقدح في ذهن أغلب الأشخاص هو أن العلامة كان رجل علم وزهد وتزكية فقط ولكننا إذا سلطتنا الأضواء على مسيرة العلامة طيلة تواجده في قم لوجدنا وبكل وضوح دوره الكبير في الإطاحة بالنظام الجائر وإقامة الحكومة الإسلامية. فإن الكثير ممن تخرج من مدرسته العلمية أصبح اليوم من أركان الثورة الإسلامية حتى أن بعضهم قدم نفسه قرباناً في هذا السبيل وسقى بدمه شجرة الثورة المباركة. وهذا الأمر لم يحدث عفوياً بل وكما صرح بذلك الكثير من تلامذته إن الفكر الذي زرعه العلامة في نفوسهم كان لا يتلائم مبدئياً وأسس الحكم المستبد الجائر. وإن تربية هؤلاء الأفذاذ يعد بمثابة تربية جنود مضحين للوقوف بوجه النظام الملكي واستهداف أسسه المندرسة بسلاح العلم والعقيدة الناجمين من الاستضاءة بأفكار العلامة قدس سره.

هذا إضافة إلى ما قام به العلامة عبر تأليفاته وتصنيفاته بتعزيز الأسس الفكرية والعقائدية للثورة الإسلامية. ففي تفسيره الكبير الميزان، في تفسير آية «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا» (آل عمران / 200)، تصدى إلى بيان العناصر المقومة للحكومة الإسلامية مع منهجيتها في العمل في عشرة حقول والذي لم يسبقه أحد لمثل ذلك وبهذا الإتقان. إضافة إلى تأليفه رسالة مستقلة بالفارسية في الحكومة الإسلامية وأبعادها وجوانبها.

لم يقتصر العلامة في كفاحه ضد النظام الطاغوتي على تكريس دعائم الثورة فحسب، بل نجده حاضراً مرابطاً في مختلف المشاهد والمواقف. ففي عام 1382 و1383 هـ حيث تطاولت يد الطاغوت الأثيمة على الدستور من أجل تحقيق أهدافها، استدعى الإمام الراحل قدس سره ومن أجل تفجير النهضة، العلماء والمراجع لعقد اجتماع يبحث هذا الموضوع. وكان ممن كان حاضراً في هذا الاجتماع وتوقيعه موجود أسفل البيان الذي كتبه الإمام هو العلامة الطباطبائي. هذا البيان الذي كتب ببالغ الدقة والإتقان والتدبير، أثار الرأي العام المسلم على النظام الشاهنشاهي ووجّه ضربة قاضية عليه.

وفي الوقت الذي أخبر العلامة (ره) أن الشاه قرّر أن يمنحه شهادة دكتوراه في الفلسفة، جاش غضبه عند سماعه هذا الخبر وقال بأنه سوف لن يقبل مثل ذلك من قبل جهاز الظلم بتاتاً. وفي لقاء له مع عميد كلية الإلهيات بشأن هذا الموضوع، قال له العميد: إن رفضك لهذه الشهادة يجر غضب الشاه ويسبب لك بعض المشاكل، فأجابه في هذه المرة أيضاَ بكل صراحة: لا أخاف من الشاه إطلاقاً ولست مستعداً لقبول شهادة الدكتوراه.

إلى جانب نفور العلامة وسخطه من حكومة الظلم والجور وإعلان استنكاره كراراً من الظلم بكل أصنافه ومظاهره، كان مسروراً ومبتهجاً للغاية لانتصار الثورة الإسلامية. فكان دوماً ما يعرب عن فخره واعتزازه لتسلم الإمام الخميني قدس سره زمام الأمور وقيادة هذه النهضة ومعتبراً ذلك سبباً لعظمة الإسلام والمسلمين وسعادته وسيادته.

3. الدفاع عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام

لقد وقف العلامة الطباطبائي نفسه للدفاع عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبث معارفها وترويج أفكارها وتحمل في هذا الطريق أنواع المصائب والآلام. فبالإضافة إلى العديد من الكتب في هذا المجال ولاسيما كتاب الميزان التي اقترن تأليفه بصعوبات كثيرة، كان يغتنم كل فرصة ومن دون التوخي للسير في هذا الطريق.

فكان على سبيل المثال، رغم ضعفه وكهولته يذهب بالحافلة إلى طهران في كل أسبوع مرتين للقاء بالبروفسور هانري كربن الذي كان يأتي إلى إيران في كل سنة عدة أشهر للبحث حول مدرسة أهل البيت عليهم السلام وكان قد تعرف على العلامة بواسطة بعض أساتذة الجامعة فطلب منه المعونة في هذا المجال، فأجابه سؤله لاطلاعه على نشاطاته العلمية وملكاته النفسانية، فكان يجيب على أسئلته ويضع بين يديه وبين يدي جمع من أساتذة الجامعة معارف أهل البيت عليهم السلام وعلومهم وبذلك قام بتصدير هذه المدرسة إلى عالم الغرب من خلال هذا الباحث الغربي.

ينقل آية الله الشيخ جوادي الآملي عن العلامة أنه في السنة التي كان فيها يقضي صيفه في قرية دركة التابعة لطهران، طلب منه أحد علماء الشيوعية أن يجلس معه للبحث والنقاش، فاستجاب له واستمر هذا البحث من الصباح إلى المساء في أكثر من ثمانية ساعات حتى أنه قال فيما بعد لأحد أصدقائه بأن العلامة قد صيرني موحداً.

4. الاهتمام بأمور المسلمين

في عام 1969 م، تزامناً مع الحرب الإسرائيلية المعتدية مع الدول العربية التي طالت ستة أيام، صدّر العلامة الطباطبائي (ره) مع آية الله أبي الفضل الموسوي الزنجاني والأستاذ الشهيد مرتضى مطهري بياناً عبروا فيه عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم وطلبوا من الأمة الإسلامية أن يمدوا يد العون والمساعدة لإخوانهم المسلمين، وافتتحوا لذلك ثلاثة حسابات في بنوك طهران.

5. العمل على توحيد الصفوف بين المسلمين

يعتبر العلامة الطباطبائي أنّ سبب انحطاط المسلمين وضعفهم هو التشتت والتحزب وقد رفع خطى كبيرة في سبيل رص الصفوف بين الشيعة والسنة وتوحيدها.

يقول الأستاذ آية الله جوادي الآملي: الأعمال التي قام بها العلامة في سبيل توحيد الصفوف وإيجاد الألفة بين المذاهب الإسلامية كثيرة. فإن أحد أهم الطرق للتوحيد بين المذاهب هو تفسير القرآن لأنه موضع قبول جميع المذاهب، ولذا فقد حاول العلامة عبر تفسيره أن يعرف الأمم الإسلامية بأنها أمة واحدة وأن يزيل الاختلافات التي تضرب أساس الدين. كان العلامة يستفيد في تفسيره من كلام المعصومين عليهم السلام الذي يحذر المسلمين من التفرق والتشتت الطائفي ويبين لهم تبعاته وآثاره السيئة. كان العلامة يحاول عبر تبيانه لمعارف القرآن والسنة أن يرص صفوف الأمة الإسلامية لمقاومة الكتل الشرقية والغربية والوقوف بوجه جميع المستوردات الشرقية والغربية وعدم الركون إليها.

6. متابعة الشؤون الاجتماعية

يقول المهندس عبد الباقي ابن العلامة في هذا الشأن: أتذكر جيداً بأن المرحوم والدي كان لا يترك نشاطه طيلة السنة، والعمل عنده في فصل الشتاء وهطول الأمطار والثلوج وهو إما حامل فوق رأسه مظلة أو متستر بسترة جلدية أمر طبيعي. كان في أوقات التعطيل يعبأ الناس لترميم الفروع والمعابر وتنظيف الطرق. وخلال العشرة أعوام التي عاد فيها العلامة من النجف إلى قرية شادآباد، وجراء فعالياته المتواصلة، تم في هذه المدة تطهير القنوات والمزارع الخربة وتبديل ترابها وإصلاح أشجارها وإحداث مزارع جديدة و….

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...