( في نبوّة إدريس ونوح عليهما السّلام )فصل ـ 1 ـ
25 مارس,2018
صوتي ومرئي متنوع, قصص وعبر
876 زيارة
فصل ـ 1 ـ
59 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا (1) محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، حدثنا محمد بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ ملكاً من الملائكة كانت له منزلة ، فأهبط الله تعالى من السّماء إلى الأرض ، فأتى إدريس النبي عليه السلام ، فقال له : اشفع لي عند ربك ، قال : فصلى ثلالث ليال لا يفتر وصام أيّامها لا يفطر .
ثم طلب إلى الله تعالى في السّحر للملك ، فأذن له في الصّعود إلى السّماء ، فقال له الملك : أحبّ أن اكافيك ، فاطلب إليّ حاجة ، فقال : تريني ملك الموت لعلّي آنس به ، فانّه ليس يهنئني (2) مع ذكره شيء فبسط جناحيه .
ثم قال له : اركب (3) فصعد به ، فطلب ملك الموت في سماء الدّنيا ، فقيل له : إنّه قد صعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك الملك الموت : ما لي أراك قاطباً ؟ قال : أتعجّب أنّي كنت تحت ظلّ العرش حتّى اُومر (4) أن أقبض روح إدريس بين السّماء الرّابعة والخامسة ، فسمع إدريس ذلك ، فانتقض (5) من جناح الملك ، وقبض ملك الموت روحه مكانه ، وفي قوله تعالى : « وذاكر في الكتاب إدريس إنّه كان صديقاً نبيّاً ورفعناه مكاناً عليّاً » (6) (7) .
60 ـ وبإسناده عن ابن أورمة ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : كان إدريس النّبيّ صلوات الله عليه يسيح النّهار ويصومه (8) ، ويبيت حيث ما جنّه اللّيل ، ويأتيه رزقه حيث ما أفطر ، وكان يصعد له من العمل الصّالح مثل ما يصعد لأهل الأرض كلّهم ، فسأل ملك الموت ربّه في زيارة (9) إدريس عليه السلام وأن يسلّم عليه ، فأذن له فنزل وأتاه ، فقال : إنّي أريد أن أصحبك ، فأكون معك فصحبه ، وكانا يسيحان النّهار ويصومانه ، فإذا جنّهما اللّيل أتى إدريس فطره (10) فيأكل ، ويدعو ملك الموت إليه فيقول : لا حاجة لي فيه ، ثم يقومان يصلّيان وإدريس ويفتر وينام ، وملك الموت يصلّي ولا ينام ولا يفتر ، فمكثا بذلك أيّام .
ثم إنّهما مرّا بقطيع غنم وكرم قد أينع ، فقال ملك الموت : هل لك أن تأخذ من ذلك حملا ، أو من هذا عناقيد فتفطر عليه ؟ فقال : سبحان الله أدعوك إلى ما لي فتأبى ، فكيف تدعوني إلى مال الغير ؟
ثم قال إدريس عليه السلام : قد صحبتني وأحسنت فيما بيني وبينك من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت قال إدريس : لي إليك حاجة فقال : وما هي ؟ قال : تصعد بي إلى السّماء فاستأذن ملك الموت ربّه في ذلك ، فأذن له فحمله على جناحه فصعد به إلى السّماء .
ثم قال له إدريس عليه السلام : إنّ لي إليك حاجة أخرى قال : وما هي ؟ قال : بلغني من الموت شدة فأحبّ أن تذيقني (11) منه طرفاً فانظر هو كما بلغني ؟ فاستأذن ربّه له ، فأخذ بنفسه ساعة ثم خلّى عنه فقال له : كيف رأيت (12) ؟ قال : بلغني عنه شدة ، وأنّه لأشدّ ممّا بلغني (13) ولي إليك حاجة اُخرى تريني النّار فاستأذن ملك الموت صاحب النّار ، ففتح له ، فلما رآها إدريس عليه السلام سقط مغشيّاً عليه .
ثم قال له : لي إليك حاجة اُخرى تريني الجنّة ، فاستأذن ملك الموت خازن الجنّة فدخلها فلمّا نظر إليها قال : يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها إنّ الله تعالى يقول : ( كلّ نفس ذائقة الموت ) وقد ذقته ويقول : ( وإن منكم إلا واردها ) وقد وردتها ويقول في الجنّة : ( وما هم بخارجين منها ) (14) .
61 ـ وبالاسناد المتقدّم عن وهب بن منبّه : أنّ إدريس عليه السلام كان رجلاً طويلاً ضخم البطن ، غظيم الصدر ، قليل الصّوت ، رفيق المنطق ، قريب الخطا إذا مشى ، وإنّما سمّي إدريس لكثرة ما يدرس من كلام الله تعالى ، وهو بين أظهر قومه يدعوهم إلى عبادة الله ، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد ، حتّى صاروا سبعة وسبعين ، إلى ان صاروا سبعمائة ثم بلغوا ألفاً ، فاختار منهم سبعة ، فقال لهم : تعالو فليدع بعضنا وليؤمنّ بقيننا ، ثم رفعوا أيديهم إلى السّماء فنّبأه الله ودلّ (15) على عبادته ، فلم يزالوا يعبدون الله حتّى رفع الله تعالى إدريس عليه السلام إلى السّماء وانقرض من تابعه .
ثم اختلفوا حتى كان زمن نوح عليه السلام وأنزل الله على إدريس ثلاثين صحيفة وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وأوّل من خاط الثّياب ولبسها ، وكان من كان قبله يلبسون الجلود ، وكان كلّما خاط سبّح الله وهلّله وكبّره ووحّده ومجّده ، وكان يعسد إلى السّماء من عمله في كل يوم مثل أعمال أهل زمانه كلّهم.
قال : وكانت الملائكة في زمن إدريس صلوات الله عليه يصافحون النّاس ويسلّمون عليهم ويكلّمونهم ويجالسونهم ، وذلك لصلاح الزمان وأهله وفلم يزال النّاس على ذلك حتى كان (16) زمن نوح عليه الصّلاة والسلام وقومه ، ثم انقطع ذلك .
وكان من أمره مع ملك الموت ما كان حتى دخل الجنّة ، فقال له ربّه : إنّ إدريس إنّما حاجك فحجّك بوحي (17) وأنا الّذي هيّأت له تعجيل دخول الجنّة ، فإنّه كان ينصب نفسه وجسده يتعبهما لي ، فكان حقاً عليّ أن أعوّضه (18) من ذلك الرّاحة (19) والطمأنينة وأن ابوّئه بتواضعه لي وبصالح عبادني من الجنّة مقعداً ومكاناً عليّاً (20) .
____________
(1) في ق 2 وق 4 : قال : حدّثنا .
(2) في ق 2 : يهنأ إليّ .
(3) في ق 1 : جناحيه ثم ركب .
(4) في البحار : حتى أمرت .
(5) في ق 1 وق 5 والبحار : فانتفض .
(6) سورة مريم : ( 56 ) .
(7) بحار الأنوار ( 11 | 277 ـ 278 ) ، برقم : ( 7 ) .
(8) في ق 2 وق4 : يسيح النّهار بصومه .
(9) في ق 4 : في زيارته .
(10) في ق 1 وق 3 : فطوره .
(11) في ق 3 : تذوقني .
(12) في ق 1 : رأيته .
(13) في ق 3 : وانّه اشدّ مما بلغني ، وفي ق 4 : وانّه لأشدّ ممّا يبلغني .
(14) بحار الأنوار ( 11 | 278 ـ 279 ) ، برقم : ( 7 ) ، الدّية : 35 سورة الأنبياء ، الآية : 71 سورة مريم ، والذيل بحسب منا يراد منه حصناً ، غير موجود في القرآن .
(15) في ق 1 : ودله .
(16) في ق 3 : إلى أن كان .
(17) في ق 4 والبحار : بوحيي .
(18) في ق 4 : اعتوضه .
(18) في ق 2 وق 4 : بالراحة .
(20) بحار الأنوار ( 11 | 279 ـ 280 ) ، برقم : ( 9 ) .
2018-03-25