هلّل الإعلام السعودي لزيارة ولي ولي العهد، وزير الدفاع محمد بن سلمان، الى موسكو ولقاء كبار المسؤولين هناك على رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تحدّث هذا الإعلام بإسهاب عن “إنجازات” بن سلمان في روسيا، وأبرَزَ تفاصيل الاتفاقيات التي عقدها مع الجانب الروسي.
في المقابل، يتحدّث عارفون عن أن للزيارة وجهين: أحدهما ظاهري تمثّل بالإعلان عن “اتفاقيات استراتيجية” تدرّجت من النووي الى الزراعة والتعليم. والآخر من خلف الكواليس، شكّل المأزق السعودي في اليمن طبقه الرئيس. عزّز الوجه الثاني للزيارة كون بن سلمان هو قائد حروب بلاده في سوريا واليمن والعراق، ومسؤول عن ملف علاقاتها مع مصر ودول الخليج، والأهم أنه المسؤول عن ملف النفط، باعتباره رئيساً للجنة الاقتصادية السعودية العليا.
في المبدأ، أتت الزيارة في توقيتها لتلبي حاجة سعودية ملحّة فرضها ضيق الأفق الذي تمرّ به المملكة على خلفية الإخفاق في أكثر من ملف إقليمي أبرزها اليمن وسوريا. وجاءت مثقلة بأربعة هموم سعودية رئيسية:
1- الخشية من إبرام اتفاق بين واشنطن وطهران حيال الملف النووي الإيراني في 30 من حزيران الجاري، خصوصاً مع تنامي المؤشرات الإيجابية حيال ذلك. بالتالي، تريد الرياض من خلال زيارة بن سلمان الى موسكو القول لواشنطن إن أي تقارب مع طهران على حسابها سيكون ثمنه تقارب سعودي ـ روسي، بنفس قدر التقارب الأميركي ـ الإيراني. لكن يبقى المسعى السعودي هذا، مرهوناً برأي روسيا وموقفها منه.
2- الملفان السوري واليمني حيث الإخفاقات متراكمة. خصوصاً في اليمن بعد الضربة التي تلقتها السعودية والمتمثلة بعدم القدرة على حسم الأمر عسكريا في وقت سريع بموجب عهد قطعته أمام الإدارة الأميركية قبل بدء العدوان. ما زاد السوء سوءًا بالنسبة للسعودية في اليمن، عدم تورّط مصر وباكستان ـ وهما حليفان أساسيان للسعودية ـ في المغامرات العسكرية غير المحسوبة وخصوصاً مسألة التدخل البري. هذا الأمر، بدأ يطرح تساؤلات جدّية حيال شكل “التحالف” الذي تقوده الرياض، وفعاليته وجدواه، خصوصاً أن دور أعضائه في الحملة على اليمن بات مقتصراً على المناحي اللوجستية.
3- خسارة ورقة تركيا بعد فشل حزب العدالة والتنمية في إحراز الفوز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي يخوّله إجراء التعديلات اللازمة لتكريس رجب طيب أردوغان حاكماً بأمره في البلاد. وبالتالي، خسرت السعودية ورقة مهمة راهنت عليها لتغيير قواعد اللعبة في سوريا، لزيادة الضغط العسكري على الجيش السوري، ومحاولة ترجيح كفة الجماعات المسلّحة المدعومة من الثلاثي: السعودية ـ قطرـ تركيا. كانت السعودية قد عقدت مصالحة مع تركيا وقطر، واتفقوا على التركيز على تغيير الواقع الميداني في سوريا. كان ذلك قبل الانتخابات التركية الأخيرة.
4- الهم الرابع والأساسي، يكمن في القلق السعودي الكبير من انخفاض أسعار النفط وعوائده في هذا الوقت الحرج من عمر الأزمات في الإقليم. التقارير الاقتصادية تشير الى أن الميزانية السعودية خسرت نحو نصف دخلها بفعل لعبة رفع إنتاج منظمة أوبيك، وبالتالي خفض أسعار النفط. فيما بلغ العجز في الميزانية العامة السعودية نحو 150 مليار دولار.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال تغريدات “مجتهد” حيال زيارة بن سلمان ومراميها. أثبت “مجتهد”، الذي يقول بعض التقارير إنه أحد أعضاء العائلة الحاكمة ويعيش خارج البلاد، أن تسريباته تحمل الكثير من الدقة. كشف المغرّد الشهير في سلسلة تغريدات عبر حسابه على موقع “تويتر”، أن محمد بن سلمان يزور روسيا “للتوسّل لبوتين لاستخدام نفوذه في إقناع الإيرانيين وحركة انصار الله بالموافقة على إيقاف الحرب في اليمن من دون اعتذار سعودي”. قال إن روسيا “لن تفعل إلا بالثمن التالي:1- رفع أسعار النفط. 2- إمضاء صفقة سلاح سبق إيقافها للسعودية (10 مليارات دولار). 3- إمضاء صفقة سلاح لمصر (7 مليارات) بأموال سعودية سبق تجميدها”. واعتبر أن “المطلب الأصعب هو رفع أسعار النفط بتخفيض إنتاج السعودية الذي زادته قصداً لإرغام إيران على توقيع النووي وإرغام روسيا على الخروج من أوكرانيا”.