ما يحصل اليوم في سورية من حرب ودمار للإنسان هي حرب بالوكالة لقوى إقليمية ودولية ظهرت منذ بداية الأزمة، فساسة أمريكا ومن دار في فلكها، لهم في دمار وتفكيك سورية تحقيق أمن إسرائيل إنطلاقاً من حسابهم القائم على أن أي تغير في سورية أو سواها من دول المنطقة لا يضمن أمن إسرائيل وحدودها لن يسمحوا في حدوثه، ومن هنا يأتي الدور الذي لعبه الاستعمار الأمريكي في خلق داعش وتدريبه وتسليحه بهدف خلق فوضى شاملة تقوم على تقطيع أوصال دول المنطقة وسحق هويتها تمهيداً لخلق كيانات عنصرية وطائفية متعادية تحارب بعضها بعضا حتى تستنزف طاقتها وتجعل منها تابعاً ذليلاً للبيت الأبيض، فالسؤال الذي يثار هنا: هل لتفشي داعش في سورية علاقة بما رسم وخطط للمنطقة؟ ولماذا يتوسع داعش تحت أنظار التحالف الدولي، وأحيانا برعايته؟
القوى المتصارعة على سورية أدخلت الشعب السوري في مستنقع خطير بسبب سياستها الخاطئة وإصرارها على دفع هذا البلد إلى الهاوية وإعطاء الفرصة للتدخلات الخارجية في الشأن السوري والتي نراها اليوم تدمر القدرات العسكرية والأمنية والإقتصادية والبنية التحتية لسورية ولا تحمل أي مشروع إنقاذ حقيقي لإخراجها من أتون الأزمة، بل تعمل على تأجيج وإشعال الخلافات والصراعات الداخلية وتحويل المعركة إلى حرب طائفية يدفع ثمنها الشعب، وما على هذه القوى الخارجية إلا دفع بعض فواتير الحرب وتموين المتصارعين مادياً وعسكرياً بما يطيل أمد الحرب والإقتتال لتعميق الصراع الطائفي وبث روح الكراهية والحقد والتمزق الداخلي لتسهيل السيطرة وإحتلال سورية.
فالمتابع لما تتعرض له سورية من هجمة إرهابية شرسة بطريقة متقنة من جميع الجوانب، وما يرافقها من دعم الإعلام العربي والدولي، لا بد وأن يصل إلى قناعة أن هذه الحملة المنسقة لا يمكن أن تكون من صنع هذا التنظيم وحده، بل وراءه حكومات إقليمية ودولية غربية، وبالأخص إدارة أوباما التي تستكمل مخطط تقسيم المنطقة والفوضى الخلاقة التي سعت إليها منذ سنوات طويلة، كما انها لم تفاجأ بخروج داعش عن النص، كون ذلك يقع في إطار الخطة التي وضعتها، لذلك فإن الصراع بين داعش وأمريكا صراع وهمي ودعائي، فكل أسلحة داعش أمريكية، وبالتالي هناك نوع من التنسيق فيما يدور بينهم، إذ لا توجد ما يسمى حرب بين أمريكا وداعش، ولكن هناك تمثيلية حرب باسم داعش لأهداف أمريكية تتمثل في حماية إسرائيل والإستحواذ على جميع طاقات المنطقة وتفتيتها، وتحت هذه الأهداف هناك أهداف تكتيكية أحدها المحور السوري من خلال إسقاط نظام الأسد، كما سقط العراق من قبل في البراثن الأمريكية، فمواجهة داعش قد تطول الى 3 سنوات، كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي أوباما الذي راجع نفسه فيما بعد ليعلن أن الزمن مفتوح ولا تعلم الإدارة الأمريكية متى سينتهي الأمر، بما يؤكد أن داعش خديعة أمريكية وحرب مفتعلة على المنطقة لتحقيق أهدافها ومصالحها، وعليه نفهم غض أمريكا والغرب النظر عن حرب تنظيم داعش، كون أمريكا وجدت الجهاديين والثوار يصفّون بعضهم بعضاً من جهة، ويقاتلون الأسد وحزب الله وإيران من جهة أخرى، فمهما كانت النتيجة فالغرب هو الرابح، وبالتالي تدمير سورية من الداخل، لأنها تدرك أن سورية قادرة على قيادة المنطقة والصراع ضد إسرائيل، لذلك تعمل على تدميرها وإضعافها في المنطقة حتى لا تقوم قائمة للعرب.
بالمقابل تأتي قضية الإصرار القاطع على طرد الإرهاب والدواعش من الأراضي السورية مؤشراً واضحاً على تصميم السوريين على إعادة الأمور إلى نصابها، ومن هنا تشير جميع المؤشرات الواقعية على الأرض إلى أن السوريين يستعدون بقوة لمغادرة مرحلة الفوضى واستخدام ورقة الطائفية وكل طرق الفتن التي باتت قديمة وأصبح الشعب السوري يستهجنها، وهو بذلك أصبح اكثر وعيا إذ بات الشعب يدرك أن أمريكا وحلفاءها لا يدافعون عن سورية إنما عن بلدانهم خوفاً من أن يصل اليهم خطر التنظيمات الإرهابية بدليل أن الضربات الجوية المتواضعة للتحالف الدولي ليس للقضاء على داعش، وإنما لتحجيمه فقط والسماح له بخلق دولة حدودها هلامية تتمدد وتتقلص حسب الظروف المحيطة بها، وهي ما تسعى له أمريكا وحلفاؤها في الوقت الحاضر تحت مشروع الشرق الأوسط الكبير.
مجملا.. ستظل المصابيح تضاء بالنار والتخلف والفوضى في الشرق الأوسط وليس بالنور والإستقرار، حتى تولد إستراتيجية دولية واضحة المعالم موحدة وطموحة للقضاء على داعش وغيره من التنظيمات التي تشكل خطراً على المنطقة، فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن ما حدث في سورية والعراق قد يغير السياسات في المنطقة حيث أيقظ العالم وجعله ينتبه إلى أن تنظيماً تابعاً للقاعدة بسط سيطرته على جزء كبير من العراق وسورية، وبالتالي فإن استمرار الأزمة في سورية وانتشار المجموعات المتطرفة فيها ينذر بنتائج كارثية على المنطقة والعالم، وهذا يستدعي حلا سريعا للأزمة ينهي معاناة الشعب السوري بما يحفظ وحدة أراضي سورية واستقلالها السياسي في المنطقة.