يشير مصطلح «الإسلاموفوبيا» إلى ظاهرة الرهاب من الإسلام، وبالتالي إظهار الكراهية والعداء للمسلمين. وإن كانت الظاهرة هذه قد انتشرت بشكل واسع بعد أحداث 11/9، إلا أن جذورها ضاربة في القدم. ولعلها تعود إلى زمن الفتوحات الإسلامية، وسيطرة المسلمين على الكثير من الممالك والدول شرقاً وغرباً وإخضاعها لسيطرتهم.
ولكن ما حصل بعد «غزوة القاعدة» لنيويورك هو أن الخوف المَرَضي من المسلمين بات يختزن المزيد من الأبعاد والدلالات، ويحمل كل ما من شأنه تقديم صورة وحشية عن الإسلام، وإظهاره بشكل معادٍ للبشرية والتقدم. ومؤخراً مع توسع رقعة الإرهاب التكفيري وتجاوزه الدول العربية وصولاً إلى قلب أوروبا، عاد «الإسلاموفوبيا» إلى الواجهة مجدداً ليبلغ بالتالي عداء الغربيين للعرب والمسلمين منتهاه، متخطياً طريق العودة.
لم يحدث يوماً أن صير إلى تقديم الإسلام كمنظومة تخلف متكاملة كما يحصل اليوم. لا يُلام الغرب في خوفه من الإسلام والمسلمين، بل يُلام المسلمون على جعلهم الإسلام رديفاً للتخلف والإرهاب. الغربيون يساهمون في شيطنة الإسلام من موقع عدائهم للمسلمين، بينما هؤلاء الأخيرون يساهمون في ذلك من موقع العداء لأنفسهم. لم يحدث في التاريخ أنّ أمة أساءت لنفسها كما تسيء لنفسها اليوم «خير أمة أخرجت للناس». المسلمون يقدّمون بممارساتهم ما يكفي من البراهين لإثبات تخلّف «دينهم» وهم في ذلك الأخسرون أعمالاً، فيما الغرب الذي لا يتردد في دعمه «الثوار» المسلمين في المنطقة، يزاوج في موقفه بين التشفي من بلوغ صورة الإسلام هذا الدرك من الظلامية، والخوف من «إسلام داعش» المرشح للتمدد غرباً.
في العالم الإسلامي، تكمن خطورة الظاهرة الداعشية في قدرتها على جذب شرائح واسعة من المسلمين، وترويجها لإسلام متشدد يقوم على التكفير والقتل. إذ بمقدار ما يثير الفكر الداعشي من استياء واستنكار بعض المسلمين، بمقدار ما صار قابلاً للتبني من قبل مسلمين آخرين. فالداعشية باتت تحتلّ، قبولاً ورفضاً، مكانة أولية في عقول المسلمين ورؤيتهم الى دينهم. ثمة مِن هؤلاء مَن راقت له مدرسة الدواعش الى حد المؤازرة لها بالدعاء والتأييد، هذا إن تعذّر عليه اللحاق بها والانضمام إليها. وثمة آخرون منهم مَن أصبح مصاباً بـ «فوبيا» داعشية تدفع به الى حد التشكيك في رحمانية الإسلام ووسطيته وصولاً، في بعض الحالات، الى ملامسة حدود الردة والانسلاخ النفسي عن الإسلام وتعاليمه. واللافت أنه في كلتا الحالتين، إحجاماً وإقبالاً، يتم الاستناد الى القول بأن «داعش» هي الأقرب الى تطبيق النص الديني والأكثر تشابهاً مع صدر الإسلام!
أما الغرب، الذي يجهد إلى حصر فعاليات الإرهاب التكفيري داخل حدود العالم الإسلامي، فلن يستطيع أن ينأى بنفسه طويلاً عن موجات العنف التي تجتاح المنطقة تحت عناوين أيديولوجية تتخطّى الواقع السياسي ومحدّداته. ففي حال تسنى للحركة الداعشية أن تنجح في تخطي المراحل الأولية من أجنداتها «الجهادية»، واستقر حالها في بعض مناطق الشرق، فإن الغرب لن يكون بعيداً عن غزو داعشي لا يختلف كثيراً عن الغزو المغولي للعالم الإسلامي في القرن السابع الميلادي. ولعل الدور الذي تلعبه أنقرة في مسايرتها لـ «الدولة الإسلامية» في غزوها لسوريا والعراق، يرتبط في جانب منه باسترضاء «داعش»، على أمل بقاء تركيا بعيدة هي وجاراتها الأوروبية عن الزحف الداعشي العابر للحدود.
في مثل هذه الحال، إلى أيّ حد يبقى السؤال مجدياً عن قدرة المسلمين على تصحيح صورتهم أمام العالم، وتغيير المفهوم الذي شاع عن كون الإسلام مرادفاً للإرهاب؟
نقلاً عن موقع جريدة السفير