الرئيسية / تقاريـــر / الجذور الفكرية للإرهاب – الدكتور عادل أحمد أمين

الجذور الفكرية للإرهاب – الدكتور عادل أحمد أمين

دين الله واحد لا شك في ذلك، فقد أثبت العالم الألماني “ميلر” أن الناس كانوا في أقدم عهودهم على التوحيد الخالص وأن الوثنية عرضت عليهم بفعل رؤسائهم الدينيين، فالواضح تأثير رجال الدين على عامة الناس.

والإسلام، خاتم الأديان، هو البوتقة النهائية لجميع الأديان السماوية – اليهودية والمسيحية – بمعنى أنه جاء منزهًا من كل سوء وخطأ، وحمل فى طياته وشرائعه مزايا الديانتين وقد أخذ ما يميز اليهودية وهو التشريع والتعامل مع واقع الحياة، وأخذ ما يميز المسيحية وهي الروحانيات والتقرب لله.

وكلمة الإسلام من مادة “سلم” ويقال “سلـّم” أي انقاد ورضي بالحكم، وسلم على القوم: “حياهم بالسلام، وسلم أمره لله أسلمه إليه سبحانه والسلام الأمان والصلح” من هذا نجد أن الإسلام في مجمله عبارة عن خضوع لله والعيش وفق منهجه والحياة في سلام دائم.

لكن الشيء الغريب هو ذلك الإرهاب البغيض المتأسلم، الذي يضرب الدول العربية عامة ومصر خاصة، وقد زاد في الفترة الحالية ملتحفاً بمرجعية ونصوص دينية ومفاهيم فقهية، هنا يبدو التناقض واضحا بين دين يدعو للسلام والأمان ونجد له أتباعاً متطرفين يقتلون ويسلبون باسم هذا الدين، دين السلام.

أسباب الإرهاب “المتأسلم”

حاول كثير من العلماء والمثقفين الوصول لأسباب الإرهاب “المتأسلم” ببحوث ومقالات كثيرة، وقد أجمع أغلبهم على أن الأسباب إما اقتصادية نتيجة الفقر، أو نتيجة لغياب الحريات، أو لعدم وجود البعد الحضاري في الدول التي تعاني من الإرهاب.

والحقيقة غير هذا، فلو كان السبب اقتصاديا ما وصل الإرهاب إلى دول بترولية مثل الكويت والسعودية، ولو كان بسبب الكبت وغياب الحريات ما ضرب بلد مثل فرنسا، ولو بسبب انعدام الحضارة فكيف وصل مصر واستشرى بهذا الشكل في بلد تعتبر مهداً للحضارات الإنسانية، ونحن لا نغفل هذه الأسباب ولكن في الحقيقة هي عوامل مساعدة للإرهاب وتساعد على نموه وترعرعه إلى جانب العامل الأساسي في وجود الإرهاب ذاته.

نظرة تاريخية

إذا عدنا لبدايات الفكر الإسلامي، سنجد أن بذرة الإرهاب بدأت تنمو في العصر العباسي والدليل الصدامات المتتالية لبعض أهل الفكر السلفي مع خصومهم، وكانت تلك الخصومات والمواجهات لا تنحصر مع الشيعة والمعتزلة فقط؛ بل تعدتها لتشمل المخالفين لهم من أهل السنة وبذلك بدأت قضية التكفير الذي ينتج عنه الإرهاب تأخذ منهجاً ومذهباً ظاهراً وواضحاً للعيان.

وبالتالي، كان الطرح السلفي سببا للانحطاط الفكري عند المسلمين، وبداية الفكر والمنهج التكفيري للمخالفين مما يعتبر بداية البذرة المؤسسة للقتل والإرهاب والدليل تكفير هذا الفكر لمن يشتم رجلاً من أصحاب رسول الله (ص) أو يتعرض له فقال “ما أراه على الإسلام” وقوله “من ترك الصلاة فقد كفر”، هنا بدأ التكفير الصريح لمخالفي الفكر السلفي والكافر يجب قتله بالطبع، وكانت تلك هي بداية الإرهاب للمخالفين وإن كانت هنا مجرد إرهاصات فكرية.

“ابن تيمية” ودوره

ظهر ابن تيمية بالشام (661 – 728م) رافعاً هذه الراية، باعثاً لأفكارها ومواقفها العدائية المتعصبة تجاه المخالفين سواء من أهل السنة أو من الآخرين، وعلى يده تعددت الصدامات بينه وبين الأشاعرة والشافعية والشيعة والصوفية والفقهاء المخالفين له.

لذا نستطيع تكوين فكرة عن شخصية الرجل بأنه تصادمي لا يقبل الرأي الآخر، بعيد تماماً عن مبادئ الدين الحنيف التي تدعو للمودة والرحمة، وكان من نتائج أفكاره وصداماته مع الآخرين وتشبثه بآرائه أن تم سجنه حتى موته، لكنه ترك من بعده تلامذته ليكملوا مسيرته.

تنظير “ابن تيمية” للفكر الإرهابي

بذلك، أصبح ابن تيمية هو البوتقه التي تجمعت فيها الأفكار التكفيريه من سابقيه وهو نهاية الحصاد، والحقيقة انه المنظر الأول للمذهب التكفيري الذي أدى إلى وجود تلك الجموعات الأرهابية، فهو جمع المتناثرات الفكرية في كتب ومؤلفات منظمة، وصاغها بفكره مما جعل من تلك المنظومة مذهباً فكرياً وعقدياً يسير على نهج ما أسماه “السلف الصالح” أو بمعنى أصح هو الذي نظر تلك الأفكار وجعل لها تأثيرا عمليا في الحياة، لذلك فقد سار ابن تيمية في اتجاهين خاصين بالعقيدة هما:

الاتجاه الأول

عقيدته في التوحيد والنبوة المحمدية: ففي ذات الله سبحانه يثبت الجهة والمكانية لله، ويثبت له الجسمية والتحيز، والله يتكلم بصوت وبحروف كما يتكلم البشر ومع أن القرآن الكريم لغته عربية رفض ابن تيمية تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز ورأى أن من يقول بهذا مبتدع في الشرع مخالف للعقل.

وعن الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته (عليهم السلام): فيرى أن الرسول (ص) أخطأ بحزنه أكثر من مرة وأن الله عاتبه في هذا، وينكر أن موضع قبر الرسول (ص) هو أفضل بقاع الأرض وهو ما ذكره القاضي عياض عنه، ويرفض زيارة قبر الرسول (ص) حتى لأهل المدينة، ويصرح أن الحزن على الرسول (ص) لا فائدة منه رغم قول الله سبحانه وتعالى “قد جائكم من الله نور وكتاب مبين” المائدة (15) وكذب حديث “الغدير” رغم تواتره ورفض القول بأن الزهراء (عليها السلام) أحصنت فرجها وأن جسد أبنائها حُرم على النار.

وقد يقول قائل وما صلة تلك الأراء بتأسيس الإرهاب فكرياً، الحقيقة أن بهذه الافكار جعل ابن تيمية لاتباعه عقولاً خاوية متجوفه لا تقبل الآخر، ولا تحترم الذات الإلهية، علاوة على غياب المثل والقيم والروحانيات الإسلامية لمواقفه من الرسول الأعظم (ص) ورفضه لمنهج أهل البيت وطعنه فيهم وبالتالي خلق عقلية جافة، تركت السبيل، واتبعت السبل التي لا يوجد فيها النبراس والهدى، ورفضت الآخر وعملت لصالح المفضول، ما جعل تلك الشخصية المنتمية لفكر ابن تيمية مهيأة تماماً لان تصبح شخصية تكفيرية إرهابية عن جدارة.

الاتجاه الثاني

وهو الخاص بتأسيسه للمنهج التكفيري ونتاجه الإرهاب الفكري والدموي الذي نعيشه الآن، ولن استفيض في الكلام في هذا الأمر ولكني ساقدم الأدلة الدامغة دون إسهاب.

الدليل الأول نجده في فتاوى “ابن تيمية” نجد 239 فتوى أفتى فيها ابن تيمية بكلمتين اثنتين: “يستتاب أو يقتل” نجد 239 حالة تكفير تؤدي للاستتابة أو القتل عند ابن تيمية، وهذا العدد الضخم أخذ به اتباع “ابن تيمية” في عصرنا هذا، فقد اعتقدوا أنه يمثل مذهباً فقهياً إسلامياً صحيحا، وهنا لب المشكلة لأن هناك فرقا بين الدين والمتكلم أو الفقيه، فالاسلام لم يكن يوما دين قتل وإرهاب، وعندما يكفر “ابن تيمية” اهل القبلة في 239 مسألة فقد أصبح بهذا مذهبه مذهباً للقتل والإرهاب لا يعد إسلامياً أبدًا؛ وسأعطي مثالا على ذلك أنه قد افتى بأن من جهر بالنية في صلاته يستتاب لمدة ثلاثة أيام أو يقتل، أليس هذا تأسيسًا صريحًا للإرهاب والقتل؟ اليس هذا دليلاً على ان ما يفعله الإرهابيون اليوم هو نقطة من بحر ابن تيمية؟.

الدليل الثاني على أن “ابن تيمية” هو المؤسس للمنهج التكفيري الإرهابي واضح للعيان ونراه رؤي العين، أليست كل الجماعات الإرهابية بالكامل تابعة لمذهب شيخ الإرهاب اذكر لكم “داعش” و”النصرة” في سوريا والعراق و”القاعدة” في اليمن، “التكفير والهجرة” وتنظيم “بيت المقدس” وتنظيم “الجهاد” بمصر، “حركة الشباب الإسلامي” بالصومال، “انصار الصحابة” بباكستان، وأذكر بأن من سيظهر من تيارات إرهابية لاحقة بالطبع سيكون تابعاً لمنهج شيخ الإرهاب “ابن تيمية”، إذن القضية لا تحتاج بحثا ولا تمحيصا، لأن الأدلة ملموسة لنا وموجودة أمام أعيننا، ومنهج ابن تيمية وعقيدته للأسف الشديد لم يوجد الإرهاب فقط بل أوجد اتجاهين آخرين هما:

-السلفية التوفيقيه التي ترفض الحياة المعاصرة والتطور تحت ستار الإسلام

-والسلفية الوهابية التي تمثل الإسلام الصحراوي بأسوأ معانيه

خلاصة، لا بد من اتخاذ إجراءات سريعة لمنع المزيد من الإرهاب والفكر الدموي وهي:

-أن يتم منع وتداول كتب “ابن تيمية” وعدم طباعتها في البلاد الإسلامية وخاصة مصر

-يجب على الأزهر الشريف، بصفته أكبر المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، تطهير إداراته وأروقته من السلفيين السائرين على نهج “ابن تيمية” بشكل سريع

-يجب على الأزهر أيضاً تنقيح مناهجه من الأفكار التي تسربت إليه عن “ابن تيميه” وأمثاله

-يجب اتخاذ مواقف مضادة وسريعة ممن يتبعون صحيح الإسلام بفضح فكر وعقيدة “ابن تيمية” وتابعيه لعامة المسلمين ونشر صحيح الإسلام وخاصة منهج أهل البيت عليهم السلام لمقاومة الفكر التكفيري الإرهابي.

نقلاً عن موقع العهد