التجارب التاريخية للشعوب تؤكد انه في حال ابتلى شعب ما بظاهرة التطرف ، تعلن النخب الفكرية السياسية والاعلامية والثقافية والفنية عن تعبئة عامة ، لمواجهة هذه الظاهرة قبل استفحالها ، فالتطرف مهما كان اشكاله وطبيعته ، لا يؤمن بالحلول الوسط ، فإما ان يأخذ المجتمع معه الى حيث يريد واما ان يقف المجتمع في وجهه ويستأصله.
ومن افتك واخطر واشرس ظواهر الارهاب التي تضرب المجتمعات ، هي ظاهرة الارهاب التكفيري الطائفي ، وهي الظاهرة التي تفتك الان في المجتمعات العربية والاسلامية وخاصة في سوريا ، وكان من المفترض ان يكون عاملا مساعدا لتضامن كل النخب السياسية والفكرية والاعلامية والثقافية والفنية في هذا البلد مع بعضها البعض من اجل الوقوف في وجهها وقفة رجل واحد ، متناسين كل القضايا الخلافية الاخرى فيما بينها ، والتي تصغر في مقابل الخطر التكفيري الداهم.
للاسف انه ورغم السادية التي ظهرت عليها الجماعات الارهابية ، ورغم الكوارث التي الحقتها بالمجتمعات العربية ، حتى وصل تهديدها الى تهديد وجودي يهدد كيانات الدول والمجتمعات ، الا ان المراقب للمشهد العربي ولاسيما السوري يصاب بالصدمة لمواقف بعض الجهات والشخصيات السورية ، التي تعتبر نفسها نُخبا ، او تم تسويقها على انها نُخب ، ازاء ما يجري في سوريا ، فمع وجود 5 ملايين لاجىء سوري في اصقاع الارض ، ووجود مئات الالاف من اخطر مجرمي ومتطرفي وتكفيري اكثر من 80 بلدا في العالم يعيثون فسادا في سوريا ، يمارسون تطهيرا طائفيا ودينيا وقوميا ، اودى بحياة اكثر من 200 الف انسان ، ورغم دخول الصهاينة وبشكل سافر في الشأن السوري الى جانب التكفيريين ، ورغم المخطط الصهيوني التركي الغربي الواضح لتقسيم سوريا ، نرى من يدعي النخبوية في سوريا مازال وبصلف غريب ، يُنظرّ بشكل غبي لتخوين الانظمة و تبرير فظاعات التكفيريين ، بينما بلاده تختفي من الخريطة ، في خدمة مجانية تصب في صالح التكفيريين ومن ويقف وراءهم من الصهاينة.
من اكثر هذه النخب التي اثرت سلبا وجعلت نار الفتنة الطائفية تستعر في سوريا وتحرق الجميع ، هم بعض الاعلاميين السوريين الذي جندتهم السعودية وقطر ، وعملت على ابرازهم خلال السنوات الماضية ، وجعلت منهم ابواقا اعلامية ، الا انها للاسف فارغة ، دورها ينحصر في ترديد ما تريده منها الجهات الممولة للاعلام السعودي والقطري ، وهو اعلام يعمل من الفه الى يائه في خدمة المشروع الصهيوامريكي الهادف الى تفتيت كل الدول التي يمكن ان تشكل خطر على “اسرائيل” ، عبر اشعال نيران الفتن الطائفية ، وهو ما يحدث الان في سوريا وباقي الدول العربية.
يمكن الاشارة الى احد النماذج التي تم اعدادها في دولة قطر التي تضم اكبر قاعدة امريكية في المنطقة ، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة ب”اسرائيل” ، وتتبنى باعتراف الجميع ، اصدقاء واعداء ، التكفيريين في سوريا وفي غيرها ، وهذا النموذج هو المدعو فيصل القاسم ، “الصحفي” في قناة “الجزيرة” القطرية ، والذي دفعت به قطر خلال السنوات الاربع الماضية الى الواجهة ، بعد قامت بتضخيمه رغم شخصيته السوقية والتهريجية ، لبث سموم طائفية في غاية الخطورة ، عبر شاشة “الجزيرة” ، ومقالاته الضحله والركيكة في صحف قطرية طائفية ، ويمكن للقارىء ان يمر مرورا سريعا على هذه مقالات الحاقدة ، التي تنحدر الى مستويات في غاية الانحطاط في خطابها التحريضي والفوضوي ، وبلغته المقززة على “الشيعة” و “العلويين” وحتى “السنة الرافضين للتكفيريين” ، وهي لغة يأباها كل مواطن سوري يملك شيئا من الاخلاق والوطنية ، حتى يتأكد مما نقول.
القاسم هذا لم يكتف بالتحريض على الفتنة من خلال منبر “الجزيرة” وبعض الصحف الخليجية وفي مقدمتها القطرية ، بل ساهم مساهمة فاعلة في جمع الاموال وارسالها للجماعات التكفيرية ، وهو ما دعا القضاء السوري الى اصدار حكم بالاعدام عليه ، لما سببه من اذى لبلاده وشعبه ، خدمة لاسيادة المتخلفين والطائفيين والحاقدين في قطر.
هنا قد يعترض علينا بعض القراء من اننا نتهم الرجل بما ليس فيه ، او ان حكم الاعدام الصادر بحقه ، قاس جدا ، فالرجل في النهاية ليس الا اعلاميا لا يملك الا لسانه وقلمه سلاحا ، ولكننا سنرد على هؤلاء بلسان المدعو فيصل القاسم نفسه ، ويمكن من خلال ما قاله الفيصل بعد سماعه بحكم الاعدام ، سيتضح لهؤلاء الطبيعة “الداعشية ” للرجل ، وهي طبيعة لا تقل خطورة عن ذباحي “داعش” من الذين انتصر لهم المدعو الفيصل.
لنقرا ما قاله الفيصل بالضبط تعليقا على حكم الاعدام الصادر بحقه
، على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”: “ما أصعب الثورات في بلاد الطوائف والقبائل والأعراق المختلفة .. في مصر وتونس ثار الشعب فسقط النظام بسرعة، لأن الشعب على قلب رجل واحد، ولا يوجد طوائف ومذاهب وأعراق وقبائل متناحرة .. أما في سوريا واليمن وليبيا والعراق، فطالت الثورات وساد الاقتتال الداخلي، لأن الشعوب في تلك البلدان ليست على قلب رجل واحد، بل إن الاحقاد فيما بينها لا تقل عن الاحقاد بينها وبين الأنظمة .. ان (النظام السوري) يُكرّس ويعمق الخلافات بين الطوائف والقبائل والأعراق كي لا تكون على قلب رجل واحد”.
هذا ما ترشح عن المدعو فيصل القاسم ، الذي نفخت به “الجزيرة” وضخمته ، ليأتي اليوم ليقول ما قاله ، هل في ما قاله يختلف عما يقوله خلفية “داعش” ابو بكر البغدادي ؟، لو كان السكين بيد هذا الرجل وله السلطة في حز رقاب عبادالله ترى هل كان فعله يختلف عما فعلته وتفعله “داعش” ؟، فهو في كلامه هذا يتأسف لوجود مواطنيين سوريين وعراقيين ويمنيين ، ليسوا على مذهبه ، ويتمنى ان لا يكونوا ابدا ، لماذا ؟، لكي تنتصر “ثورة التكفيريين” في سوريا والعراق واليمن ، الذين يرون كما يرى المدعو “الداعشي” القاسم ، ان من يخالفهم الراي والعقيدة لا يستحقون الحياة ومن الافضل الا يكونوا .
الا تعسا لهذا الفكر المريض السادي الاقصائي الطائفي “الداعشي” البغيض ، ترى كيف ستكون عليه سوريا لو انتصر الفكر الظلامي الهمجي “للداعشي” فيصل القاسم وامثاله في سوريا؟، ترى ماذا يمكن ان نطلق على مثل هذا الفكر الذي يتمنى ان لا يرى اي تنوع في سوريا والعراق واليمن؟، كيف يمكن لانسان في القرن الحادي والعشرين ويدعي انه درس في اوروبا وانه اعلامي وانه كذا وكذا ، بينما يضيق صدره المنخور حقدا وطائفية ، بابناء وطنه من القوميات والاديان والمذاهب الاخرة؟، المصيبة انه يتمنى الا يكونوا على وجه الارض ل”تنتصر ثورته”.
ان التجسيد العملي لافكار “الداعشي” فيصل القاسم ، هو ما تقوم به “داعش” في سوريا والعراق ، فكل بلدة دخلته “داعش” ، اُبيدت فيها كل الطوائف والقوميات التي تتعارض مع فكر “داعش” ، حيث اصبحت المناطق التي دخلتها “داعش” في سوريا والعراق خالية من المسيحيين والدروز والشيعة والعلويين والايزديين والسنة المعتدلين ، فتحولت الى مدن “داعشية ” خالصة ، كما يتمنى “الداعشي” فيصل القاسم ، بينما ظلت المدن التي تسيطر عليها الحكومتين العراقية والسورية ، في العراق وسوريا ، تزهو بالوان المجتمع العراقي والسوري الجميلة ، حيث المسيحيين والشيعة والعلويين والايزديين والدروز والتركمان والاكراد يعيشون جنبا الى جنب مع اخوتهم في الوطن من ابناء السنة الكرام ، رغما عن انف الاعلاميين “الدواعش” امثال فيصل القاسم وكل من باع وطنه وشرفه وشرف الكلمة، مقابل حفنة من الدولارات النفطية القذرة.
نقلاً عن موقع العالم