ولك السائرات شرقا وغربا***جئن بعداً ففقن ما جاء قبلا
كنت اخلصت نية القول فيها***فجزاك الحسين عنهن فعلا
فهي (الصالحات) بعدك تبقى***بلسان الزمان للحشر تتلى
قال المرحوم الشيخ صالح الكواز الحي في رثاء شهيد الطف أبي عبد اللّه الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام:
باسم الحسين دعا نعاء نعأِ*******فنعى الحياة لسائر الاحيأِ11
وقضى الهلاك على النفوس وإنما***بقيت ليبقى الحزن في الاحشأِ
يوم به الاحزان مازجت الحشى*****مثل امتزاج الماء بالصهباء
لم انس إذ ترك المدينة وارداً*****لا ماء مدين بل نجيع دماء
قد كان موسى والمنية إذ دنت*****جأَته ماشية على استحيأ
وله تجلّى اللّه جل جلاله*********من طور وادي الطف لا سيناء
فهناك خرَّ وكل عضو قد غدا***منه الكليم مكلم الاحشاء
يا أيها النبأ العظيم اليك في***ابناك مني أعظم الانباء
ان اللذين تسرعا يقيانك الا***رماح في صفين بالهيجاء
فاخذت فى عضديهما تثنيهما***عما أمامك من عظيم بلاء
ذا قاذف كبداً له قطعاً وذا***في كربلاء مقطع الاعضاء
ملقى على وجه الصعيد مجرَّداً***في فتيةٍ بيض الوجوه وضاء
تلك الوجوه المشرقات كأنها***الاقمار تسبح في غدير دماء
رقدوا وما مرت بهم سنة الكرى***وغفت جفونهم بلا اغفاء
متوسدين من الصعيد صخوره***متمهدين خشونة الحصباء
مدثرين بكربلاء سلب القنا***مزملين على الرّبى بدماء
خضبوا وما شابوا وكان خضابهم***بدم من الاوداج لا الحناء
اطفالهم بلغوا الحلوم بقربهم***شوقا من الهيجاء لا الحسناء
ومغسلين ولا مياه لهم سوى***عبرات ثكلى حرة الاحشاء
اصواتها بُحَّت فهن نوائح***يندبن قتلاهن بالايماء
انّى التفتن رَأيْنَ ما يُدمي الحشى***من نهب ابيات وسلب رداء
تشكو الهوان لندبها وكأنه***مغض وما فيه من الاغضاء
وتقول عاتبة عليه وما عسى***يجدي عتاب موزع الاشلاء
قد كنت للبعداء أقرب منجد***واليوم أبعدهم عن القرباء
ادعوك من كثب فلم أجد الدعا***إلا كما ناديت للمتنائي
قد كنت في الحرم المنيع خبيئة***واليوم نقع اليعملات خبائي
اسبى ومثلك من يحوط سرادقي***هذا لعمري أعظم البرحاء
ماذا أقول إذا التقيت بشامت***اني سبيت واخوتي بازائي
حكم الحمام عليكم ان تعرضوا***عني وان طرق الهوان فنائي
ما كنت احسب ان يهون عليكم***ذلي وتسييري الى الطلقاء
هذي يتاماكم تلوذ ببعضها***ولكم نساء تلتجي لنساء
عجبا لقلبي وهو يألف حبكم***لم لا يذوب بحرقة الارزاء
وعجبت من عيني وقد نظرت الى***ماء الفرات فلم تسل في الماء
وألومُ نفسي في امتداد بقائها***إذ ليس تفنى قبل يوم فناء
ما عذر من ذكر الطفوف فلم يمت***حزناً بذكر الطاء قبل الفاء
إني رضيت من النواظر بالبكا***ومن الحشى بتنفس الصعداء
ما قدر دمعي في عظيم مصابكم***إلا كشكر اللّه في الالاء12
وكلاهما لا ينهضان بواجب***ابداً لدى الالاء والارزاء
زعمت امية ان وقعة دارها***مثل الطفوف وذاك غير سواء13
اين القتيل على الفراش بذلة***من خائض الغمرات في الهيجاء
شتان مقتول عليه عرسه***تهوى ومقتول على الورهاء14
ليس الذي اتخذ الجدار من القنا***حصناً كمقريهن في الاحشاء
______________________________________
11 نعأ فلاناً (كقطام) أي إنعه وأظهر خبر وفاته. ومنه قول ابى تمام:
نعأ إلى كل حي نعى***فتى العرب اختط ربع الغنا
12 الالاء: النعم.
13 يشير الى مصرع الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) حين تألب المسلمون على قتله في داره سنة 35 ه بعد أن امتنع عن تنفيذ رغباتهم في خلع نفسه او اقصاء أقاربه عن الحكم وقتلت معه زوجته نائلة بنت القرافصة وعمره يومئذ 84 سنة.
14 الورهاء: الفرس.