تتمة – أطروحة الجهاد على ضوء القرآن الكريم – الشيخ مصطفى قصير1
ولقد حققت معركة بدر أهدافاً عدة للمسلمين:
منها: أنها أسقطت هيبة قريش ومرغت أنفها بالتراب وقضت على غطرستها.
ومنها: أنها بعثت في المسلمين روح الثقة بالنفس ورفعت معنوياتهم، الأمر الذي انعكس على واقع الدعوة.
ومنها: أنها أعطت المسلمين مكانة في نفوس العرب وأصبحوا قوة يحسب لها حساب.
كما أن بدراً من الناحية السياسية أدخلت الجزيرة في مرحلة
جديدة من خلط الأوراق والتحالفات والمواجهات، وكانت بداية لمواجهات عديدة أشد عنفاً انتهت بالسيطرة العسكرية للمسلمين على مكة.
3- ما بعد بدر الكبرى
بعد بدر، أحست قريش أن طريق تجارتها قد قطع، وحاولوا سلوك طريق العراق، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، وبعث سرية قطعت طريقها، وكان قد آلى المشركون في مكة على أنفسهم أن لا ينفقوا من المال الذي سلم من قافلة أبي سفيان إلا في حرب المسلمين.
وقد تركت بدر في أعماقهم جرحاً بليغاً، فقرروا العودة إلى الانتقام والثأر، فأرسلوا في القبائل من يؤلبها ويستنفرها للحرب وتجهزوا لها وقدموا المدينة فكانت “وقعة أحد” الحرب الثانية التي جرت على أطراف المدينة، وذلك في شوال على رأس 32 شهراً من الهجرة.
ثم كانت غزوة الأحزاب (الخندق) التي اجتمع فيها أحلاف المشركين وحاصروا المدينة حتى نصر الله دينه بضربة علي عليه السلام المعروفة والعناية الإلهية التي أعادتهم خائبين.
ثم كان فتح مكة بعد أن أخل المشركون بصلح الحديبية.
هذه جملة الحروب التي جرت بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقريش في مكة، وبعد فتح مكة كانت وقعة حنين التي تظاهر فيها عدد غير قليل من قبائل العرب على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وخلاصة ما يمكن استفادته من هذه الصراعات أمور:
1- القرآن الكريم يقول: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ…”، وهذا أصل بالنسبة لأسلوب الدعوة إلى الله ونشر
الإسلام لا يخرج عنه إلا عندما يكون هناك دواعٍ أخرى وظروف خاصة تفرض ذلك.
2- الجهاد واستعمال السيف والحفاظ على القوة أمر ضروري جداً في كل زمان ومكان ليحفظ للإنسان وللمجتمع وللدين عزته ومنعته، وإلا راح ضحية، ومنع من تحقيق هدفه، وحيل بينه وبين أن يقول كلمته ويؤدي رسالته.
فالسيف ضرورري جداً لا من أجل إقناع الآخرين بل من أجل حفظ الاستقلال والهيبة والاحترام، ومن المعروف على مر التاريخ أن الناس لا يحترمون الضعفاء، بل في عصر الحرية الذي نعيش، الناس لا يستمعون إلا للقوي، ولا زالوا يحتقرون الضعيف.
3- أمام الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا والظلم الذي نتعرض له والقوى التي تحول دون استعمال المنطق والعقل، وتسلب الأمة حريتها، وتريد أن تفرض هيمنتها بالقوة، ليس من خيار أمام كل ذلك إلا اللجوء إلى القوة أيضاً.
4- الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في سياسته الجهادية كان يعمل على محورين:
الأول: تعبئة المسلمين وتنمية روح المقاومة والاستعداد والجهوزية، وحفظ حريم المدينة والقبائل التي دخلت الإسلام وعدم الرضا بالذل والانهزام.
الثاني: الدفاع والجهاد في الحالات التي كان يتعرض فيها الإسلام والمسلمون للتهديد، ومحاربة من ينقض العهود والمعاهدات.
5- سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل الكتاب كانت تبدأ بالمعاهدة علىعدم المظاهرة على المسلمين وعدم الاعتداء وحفظ الحقوق، ولم يعمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمحاربتهم إلا نتيجة لنقض العهود والخيانة كما
حصل مع بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة من يهود المدينة الذين خانوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يلتزموا بالمعاهدات المشرفة، وظاهروا المشركين عليه، فأذلهم الله وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقتلهم.
6- حكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على بني قينقاع بعد حصارهم بالخروج وتسليم الأموال والأسلحة، وأجلاهم إلى أذرعات، وحكم على بني النضير الذين تآمروا على اغتيال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتم لهم ذلك بالخروج بما حملت الإبل من المتاع، وحكم على بني قريظة بالقتل وسبي النساء والذراري والحكم الأخير كان نتيجة لنزولهم على حكم سعد بن معاذ الأنصاري، وكان هذا حكمهم في توراتهم فألزمهم بما ألزموا به أنفسهم.
والحمد لله رب العالمين.