تنطلق أمريكا في رؤيتها لطبيعة العلاقات بينها وبين الدول الأخرى من منطلق أنها الدولة الأقوى، وعليه يأتي تقسيمها للدول بين مع و ضد، هذا ما تسقطه على الدول الأوروبية في تعاملها مضافاً إلى حاجتها إلى التعاون الدولي في أي مشروع لتكتسب الشرعية الدولية من جهة ولتحد من تأثير تناقض مصالحها مع مصالح الأخرين من جهة. وهي بذلك تعمل على جر اوروبا في خندق سياساتها ومنافعها، والتي تضع الدول الأوروبية في خندق من المشكلات، وتجرها نحو واقع يتناقض والعقلية الأوروبية التي تميل شيئاً ما إلى التقليل من استخدام القوة مقارنة بالعقلية الأمريكية، فما هي الأسباب التي ساهمت وساعدت أمريكا على ذلك؟ وإلى اين يتجه مسار العلاقات بينهما؟
أمثلة وشواهد
ليس ببعيد جر أمريكا للدول الأوروبية و إتحادها إلى صفها في خلافها مع روسيا حول المسألة الأوكرانية، وهي بذلك وضعتها في واقع المواجه لدولة مقتدرة من جهة ومحاذية لها من جهة أخرى، ما يساهم في خلق أجواء معادية وتدهور للعلاقات بينهما. وامريكا خلقت جواً مضطرباً لأوروبا في منطقة الشرق الأوسط القريب منها من جهة والذي تتطلع فيه أووبا إلى دور فعال من جهة اخرى، فهي بالدرجة الأولى صنعة جماعات اجرامية بدأت تطال اوروبا اخرها تفجيرات باريس، إلى الواقع الأمني المضطرب في محيطها من سوريا إلى العراق، ناهيك عن الضربة الإقتصادية لها هناك، هذا و وضع اوروبا في واجهة التحرك الذي كان مفروضاً على ايران تمثل بالحصار الإقتصادي والذي ضرب لها مصالح اقتصادية كان كأحد امثلتها سيارة “بجو” الفرنسية، كما أن الوضع المضطرب الذي خلقته في افريقيا وجرت أوروبا إليه كان عامل اساسي في ضرب المصالح الأوروبية هناك، فمن تقسيم السودان إلى قضية دارفور إلى تمويل الجماعات الإجرامية هناك فالوضع الليبي كلها عوامل تعد الدول الأوروبية فيها الضحية الأكبر للسياسات الأمريكية.
عوامل مساعدة
مع صعود أمريكا كدولة قطبية وحيدة، ومع بقاء توازن القوى عند وضعه الحالي الذي ساعدها على التفرد في ادارة السياسة العالمية، إلى تواجد بعض الدول داخل الإتحاد الأوروبي كبريطانيا ودول حلف الناتو والتي لامريكا سيطرة قوية عليهم وتربطهم مصالح معهم، وكان لهم الإعلان عن تأييدهم للتحرك الامريكي وسياساتهم في شؤون العالم، كما وأن السياسة الأوروبية التي بنيت على عدم الوقوف باصطدام مع السياسة الأمريكیة باعتباره من شأنه ان يكون له عواقب ليست ايجابية كلها عوامل كانت مساهمة في تعزيز الرؤية لدى الدول الأوروبية بضرورة الإنجرار للسياسات الامريكية. وبالتالي تدرك أوروبا جيداً أنها متذبذبة المواقف حيال الرؤية الامريكية، كما أنها تدرك بأن مصالحها لا تسمح لها بالإنجرار كثيراً مع امريكا، هذا ما يظهر شيئاً منه في إختلاف الرؤية حول الواقع السوري والعراقي الجديد، ومنه تذهب بعض التحليلات إلى اتهام بعض المنظمات العالمية واللوبي الصهيوني ومن وراءه امريكا وراء التفجيرات الأخيرة في باريس.
مسار العلاقات الأمريكية الأوروبية
أولاً: ادراك اوروبا أن الإنجرار والسياسة الامريكیة من شأنه أن يبطأ الحركة التطورية الإقتصادية لديها، ويخلق لها مزيداً من المشكلات ويفقدها الكثير من نقاط القوة الإقتصادية في العالم، وإدراكها أن امريكا تعمل على أنها الدول المهيمنة في مقابل أن الإتحاد الأوروبي يرى أنه يمتلك المقومات التي تساعده على بناء ذاته كقوة قطبية ثانية كعوامل تجر الدول الأوروبية لا سيما فرنسا والمانيا إلى الذهاب بعيداً شيئاً ما عن السياسات الامريكية. وقد برز بوضوح مخالفة بريطانيا مؤخراً للتوجه الامريكي الذي كان منوي على ضرب الدولة السورية والتدخل المباشر بشأنها.
ثانياً: أوروبا وباعتبارها تميل إلى التقليل من استخدام القوة والعنف وتفضل سيطرة القانون وحل المشكلات بطرق التسوية المختلفة والتفاوض، وبما أن امريكا ترجح كفة القوة وانتهاج سياسات الغطرسة ولا تميل للخضوع للقوانين أو القواعد الدولية، هذا ساعد على تدعيم التوجه الأوروبي نحو الميل إلى وضع هامش بينها وبين أمريكا.
ثالثاً: تشعر أوروبا بالقلق إزاء إصرار أمريكا على التدخل في الشرق الأوسط بالطريقة التي تريدها، حيث لا تفضل أوروبا ذلك، ليس لأن الشرق الأوسط منطقة قريبة من أوروبا فقط، وتشتمل على مخزون نفطي هام لأوروبا، ولكن أيضاً لأنه يوجد في أوروبا جاليات عربية لا يسرها كثيرا ما تقوم به أمريكا في الشرق الأوسط، نجد الولايات المتحدة الأمريكية لا تهتم كثيراً بذلك وتعلن أنها تتصرف بمفردها عند الضرورة، كما أنها تختار الحلفاء الذين تراهم ضروريين لها وهي وحدها التي تقرر ذلك.