الرئيسية / تقاريـــر / خنادق لا ترد الإرهاب ولا ترسم الحدود – عادل الجبوري

خنادق لا ترد الإرهاب ولا ترسم الحدود – عادل الجبوري

سواء كان السبب والدافع هو منع إرهابية تنظيم داعش على الإقليم، او تثبيت حدود الإقليم وفرض امر واقع على الجميع، فإن حفر خندق طويل يمتد من سنجار قرب الحدود العراقية السورية مرورا بمناطق تلكيف والحمدانية ومخمور وكفري وخانقين وبلدروز، انتهاء بقضاء بدره التابع لمحافظة واسط والمتاخم للحدود العراقية – الايرانية. يعكس في الواقع وجود مأزق حقيقي وكبير متعدد الأبعاد والجوانب يعيشه اقليم كردستان العراق.

بداية، لا بدَّ من التأكيد على حقيقة ان حفر الخندق لا يمنع وصول الإرهاب الى داخل الإقليم، في الوقت الذي باتت الجماعات الإرهابية تضرب في باريس ونيودلهي وجاكرتا واسلام أباد وكاليفورينيا ولندن والقاهرة وشرم الشيخ وبيروت، مثلما تضرب في بغداد ودمشق وصنعاء وكابل متجاوزة الكثيرة من الحواجز ومتغلبة على تقنيات وخطط واجراءات تُنفق عليها أموال طائلة وجهود جبارة. في الوقت نفسه، ينبغي القول والتأكيد ان من يسعى اليوم الى نيل الاستقلال او الانفصال في العراق او في اي مكان اخر في العالم، فأنه لا يحقق ذلك من خلال حفر خندق او بناء جدار خرساني، او مد اسلاك شائكة، وانما يحتاج – فضلا عن ذلك، الى توفر الارضيات والعوامل والمقومات المطلوبة – الى توافقات وتفاهمات سياسية مع محيطه المحلي، ومحيطه الاقليمي، اضافة الى المجتمع الدولي، وتحديدا مع القوى النافذة والمؤثرة فيه.

فلا الذين ذهبوا الى ان حفر الخندق يعني رسم حدود الاقليم تمهيدا لانفصاله عن العراق، كانوا واقعيين بالقدر الكافي، ولا الذين قالوا ان الهدف من حفر الخندق يراد منه منع وصول الدواعش الى الاقليم.

قد لا نبتعد كثيرا عن الواقع اذا قلنا ان اقدام سلطات اقليم كردستان على حفر الخندق، من حيث التوقيت والظروف السياسية والامنية والاقتصادية الداخلية للاقليم، والتجاذبات ذات الطابع القومي والمذهبي في المدن والمناطق التي يمر بها ويخترقها، ناهيك عن مجمل المشهد العام في العراق، خطوة تبدو من اية زاوية نظرنا اليها، وكأنها انعكاس لحالة الارتباك والتخبط والفوضى الكردية، وهي في نهاية المطاف من الصعب بمكان ان تنتهي الى نتائج ايجابية، وتعود بمنافع وامتيازات حقيقية على الاكراد، كعنوان واحد، فما بالك اذا كان هذا العنوان الواحد قد تشظى الى عدة عناوين، وكل منها له حساباته ومصالحه وتحالفاته واصطفافاته، وكذلك مشاكله.

ومثل تلك المشاريع والخطوات، قد لا تظهر وتتفاعل على الارض، دون محركات وادوات خارجية، ومع انه لا يمكن الركون والوثوق بما ينشره موقع ويكيلكس من وثائق، الا انه يمكن ان يمثل مؤشرات ومجسات لبعض ما يجري خلف الكواليس ويرتب له في داخل الاروقة السرية للدوائر الغربية.

وفيما يتعلق بالخندق الكردي، اشارت الوثيقة التي نشرها “ويكيليكس” الى ان هناك فريقا كاملا ومنظما يشارك في عملية حفر الخندق، مؤلفا من عشرين خبيرا جغرافيا من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، وخمسة وعشرين خبيرا فنيا من الولايات المتحدة، واربعين مهندسا من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وستين خبير متفجرات من الولايات المتحدة والمانيا.

وبحسب وثيقة ويكيليكس، للفريق المذكور مقرات في كل من كركوك واربيل، يتابع من خلالها سير عمليات الحفر.

ويشير “ويكيلكس” في وثيقته الى ان حكومة اقليم كردستان خصصت مئات الجرافات وسيارات الحفر والقابلات لانشاء الخندق، فضلا عن مئات الكوادر الفنية، الى جانب ذلك فإن وحدات خاصة من قوات البيشمركه، وجهاز امن الاقليم تتولى حماية المناطق التي يمر بها والعناصر العاملة فيه.

ويبلغ طول الخندق اربعمئة كيلو متر، وعرضه مترين ونصف المتر، وعمقه ثلاثة امتار، وتقدر المدة الزمنية المطلوبة لانجاز المشروع بالكامل خمسة شهور.

ومثلما اشرنا، فإنه من الخطأ الركون والوثوق بما يقوله موقع “ويكيليكس” بالكامل، بيد ان بعض المعطيات على الارض، وتصريحات المسؤولين الاكراد بخصوص الموضوع، تؤشر بوضوح الى ان له اساسا، والاختلافات تتمحور في طبيعة الاهداف، وحجم المشروع وتبعاته واثاره، فضلا عن امكانيات تنفيذه.

فمن الناحية الاقتصادية، معروف ان الاقليم يعيش ازمة خانقة منذ اكثر من عام، وراحت تلك الازمة تتفاقم وتلقي بظلالها الثقيلة على مختلف قطاعات وفئات وشرائح المجتمع الكردي، فرواتب الموظفين والمتقاعدين اخذت تتأخر لعدة شهور، واخيرا اعلنت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الاقليم انها ستدفع نصف الراتب، والديون المترتبة للشركات النفطية وغير النفطية الاجنبية على الاقليم تجاوزت العشرين مليار دولار، وقطاعات السياحة والاستثمار تراجعت الى حد كبير، ان لم تكن توقفت تماما، والخدمات-وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية-راحت تتراجع وتسوء بشكل مقلق.

ومن الناحية السياسية، فإنه في ظل انسداد الافق وتبدد الامال بإمكانية التوصل الى حلول وتفاهمات بين الفرقاء الاكراد، بات خيار نشوء ادارتين للاقليم هو الاقرب الى الواقع، ادارة في اربيل ودهوك وتوابعهما بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني، واخرى في السليمانية وتوابعها، يتشارك فيها كل الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير وقوى اخرى ذات هوية اسلامية، وطبيعي ان هذا التشضي، يمكن ان يفتح الباب واسعا لصراعات قد تتجاوز الاطارين السياسي والاعلامي الى المستوى العسكري، كما حصل قبل اكثر من عشرين عاما، ناهيك عن كونه يجعل الاقليم يضيع في مهب الاصطفافات والاجندات والمصالح الضيقة.

يضاف الى ذلك ان المشاكل والخلافات بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية لم تجد طريقها الى الحل، وخصوصا بعد ان بقي الاتفاق النفطي الذي ابرم بين الطرفين العام الماضي حبرا على ورق.

اما من الناحية الامنية فإن تقارير ومعطيات عديدة تؤكد ان الاقليم مخترق في الواقع من قبل تنظيم داعش، وان ازماته الاقتصادية والسياسية من شأنها ان تزيد حجم ذلك الاختراق، لاسيما ان تدفق عناصر داعش الى الاقليم ليس بالضرورة ان يكون من حدوده الجنوبية، بل من الممكن جدا ان يكون من حدوده الغربية والشمالية، أي من جهة سوريا وتركيا التي ينشط بها داعش بدرجة اكبر من تواجده وحركته ونشاطه من جهة الجنوب.

الى جانب ذلك فإن اقليم كردستان يمثل معقلا لقوى كردية غير عراقية، تمتلك ادوات قوة على الارض، وتتقاطع مع احزاب وقوى كردية عراقية، مثل حزب العمال الكردستاني التركي المعارض(P.K.K)، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري(P.Y.D) وغيرهما.

اضف الى ذلك الوجود الاستخباراتي لاطراف خارجية، كتركيا وايران والولايات المتحدة الاميركية واسرائيل.

كل ذلك وغيره، يعكس صورة معقدة وشائكة للغاية في خطوطها والوانها وملامحها للمشهد الكردي، بحيث تبدو خطوة حفر الخندق، وتحديدا في هذا الوقت بالذات، كما لو كانت هروبا الى الامام، من ذلك الواقع المأزوم، والذي تغيب عنه مفاتيح الحل، ويختفي منه بصيص الامل.

نقلاً عن موقع العهد