كيري ذهب الى الرياض لطمأنة حلفائه فزادهم قلقاً واكتئاباً .. لم ينطق بكلمة ضد ايران ووجه نصيحة للسعودية ؟!
شدد الصحافي العربي البارز عبد الباري عطوان على ان وزير الخارجية الامريكي جون كيري ذهب الى الرياض لطمأنة حلفائه الخليجيين .. لكنه زادهم قلقا واكتئابا و تساءل في مقال نشره بصحيفته الالكترونية “راي اليوم” قائلا : لماذا لم ينطق (كيري) بكلمة واحدة ضد ايران ؟ و لماذا تجنب اي اشارة صريحة لدور الاسد في مستقبل سورية ؟ وما هي النصيحة التي وجهها للسعودية ؟ وهل ستأخذ بها ؟ ، داعيا السعوديين للعودة الى الرشد والتواضع قليلا والتصالح مع الشعوب والتمسك بثوابتها .
وکتب الصحافی عطوان : ان جون کیری وزیر الخارجیة الامریکی حط الرحال السبت فی الریاض و التقى عاهلها الملک سلمان بن عبد العزیز ، و نجله الامیر محمد بن سلمان ولی ولی العهد، وزیر الدفاع ، وکذلک وزراء خارجیة دول مجلس التعاون الخلیجی الست الذین جرى “استدعاؤهم” على عجل الى العاصمة السعودیة ، بینما کان جو بایدن نائب الرئیس الامریکی یقوم بزیارة “موازیة” الى انقرة ، و یلتقی رئیس وزرائها احمد داوود اوغلو، ویختتم زیارته بالاجتماع بالرئیس رجب طیب اردوغان فی قصره الرئاسی “العثمانی” الغارق فی الفخامة والبذخ .
الهدف من زیارة الاول ، ای کیری ، هو طمأنة حلفائه الخلیجیین وتبدید القلق ، وربما الهلع الذی یراودهم من جراء رفع الحصار المفروض على ایران تطبیقا للاتفاق النووی، واحتمال ان یمیل “القلب” الامریکی الى الحلیف الایرانی الجدید، ویهجر احباءه القدامى ، الذی انخرط فی تعاون استراتیجی معهم لاکثر من ستین عاما، وخاض حروبهم و”حرر” ما احُتل من اراضیهم .
اما الهدف من زیارة الثانی، ای بایدن، فهو تجدید المحاولات والضغوط الامریکیة لاقناع القیادة الترکیة بالدخول فی حرب بریة یجری الاعداد لها ، للقضاء على “داعش” فی کل من العراق وسوریة ولیبیا، وهذا ما یفسر تصریحاته التی قال فیها انه “مستعد لحل عسکری ضد هذه “داعش” اذا اخفقت الحکومة السوریة والمعارضة فی التوصل الى حل سیاسی ، وحرص مسؤول امریکی مرافق له الى التصحیح و التأکید بأن الحل العسکری سیکون محصورا فی تصفیة “داعش” ، ولیس لکل سوریة .
ربما یکون من الصعب التعرف على ما اذا کانت مهمة وزیر الخارجیة الامریکی قد حققت هدفها فی تبدید مخاوف حلفائه الخلیجیین ، لان کل ما قدمه المسؤول الامریکی هو “حلو الکلام” ، مثل القول “لدینا علاقات صلبة، تحالف واضح، وصداقة قویة مع السعودیة”، بینما آلاف من مندوبی الشرکات والبنوک الامریکیة والاوروبیة یتدفقون على العاصمة الایرانیة بحثا عن العقود والصفقات الدسمة ، ومعهم 32 ملیار دولار وفوقها الفوائد جرى فک تجمیدها تطبیقا للاتفاق النووی .
ما لا یدرکه المسؤولون الخلیجیون ان المصالح هی التی تتحکم و ترسم خطوط السیاسة الخارجیة الامریکیة ، و تحدد طبیعة تحالفاتها ولیس “المبادىء”، والا لما تفاوض کیری ومساعدوه مع ایران لمدة ستة اشهر فی سلطنة عمان ، بینما یحشدون حاملات الطائرات فی المیاه الخلیجیة ، ویبیعون ما قیمته عشرات الملیارات من الدولارات من الاسلحة لدولة للایحاء بأن الحرب باتت مسألة اسابیع فقط .
نقول هذا الکلام استنادا لتصریح ادلى به السید عادل الجبیر ، وزیر الخارجیة السعودی، اثناء مؤتمر صحافی عقده مع نظیره الامریکی الزائر ، وقال فیه : “انا لا ارى امریکا جنبا الى جنب مع ایران التی لا تزال الداعم الاول للارهاب فی العالم” ، لکنه یرى ان وقوفها جنبا الى جنب مع «اسرائیل» امرا عادیا ومقبولا. السید الجبیر ارتکب خطأ کبیرا ، فی هذا التصریح ، ونسی ، او تناسى، ان الداعم الاول للارهاب هو الولایات المتحدة الامریکیة عندما کانت الحلیف الاوثق لبلاده والدول الخلیجیة ، فهی التی دعمت الارهاب «الاسرائیلی» ، وما زالت، وهی التی قتلت ملیون عراقی اثناء غزوها للعراق واحتلاله، وهی التی هیأت البیئات الحاضنة له فی افغانستان والعراق ولیبیا وسوریة ، عندما حولت خمس دول عربیة الى دول فاشلة، وتأتی بعدها «اسرائیل» حلیفها الاوثق التی تقتل وتحاصر دون توقف ، و آخر ضحایاها شهیدة فی الثالثة عشرة من عمرها بتهمة محاولة طعن جندی «اسرائیل» ، واذا کانت ایران دولة داعمة للارهاب ، فلا نعتقد انها تتقدم على امریکا و«اسرائیل» ، اللهم الا اذا کان مفهوم السید الجبیر للارهاب و تصنیفاته یختلف عن مفهوم الغالبیة الساحقة من العرب والمسلمین .
الولایات المتحدة اختارت الحوار مع ایران لان بدیله الحرب ، وهی لا ترید ان تخوض حربا ضد دولة تصنّع معظم اسلحتها ، وتملک قاعدة صناعیة قویة، قادرة على الدفاع عن نفسها لسنوات ، وربما لعقود، وتطلق اقمارا صناعیة الى القمر، وتجید اللعب بالغالبیة العظمى من اوراقها الدولیة والاقلیمیة ، وتنتخب برلمانها ورئیسها مباشرة عبر صنادیق الاقتراع ، حتى لو کان معارضا ، مثل حسن روحانی .
السعودیة ومعها الدول الخلیجیة الخمس الاخرى شکلت تحالفا عربیا من عشر دول للقضاء على “عملاء” ایران فی الیمن، واسست تحالفا اسلامیا سنیا من 34 دولة ، بینها قوة نوویة هی باکستان، وانشأت مجلس تعاون ذا طابع استراتیجی مع ترکیا، فلماذا کل هذا القلق والهلع ، ولماذا تحتاج الى الوزیر کیری لطمأنتها وتبدید مخاوفها، وخداعها ببعض الکلام المعسول، عن العلاقات الصلبة والصداقة القویة معها ؟
لا الامریکان، ولا غیرهم، سیخوضون حروب السعودیة والدول الخلیجیة فی الوقت الراهن، لان ما کان یحدث قبل ربع قرن (حرب الکویت) ، لا یمکن تکراره هذه الایام ، فأمریکا لم تعد بحاجة الى نفط الشرق الاوسط، والخزائن باتت فارغة بعد تراجع اسعاره ، ولجوء دوله ، او معظمها، الى التقشف والاستدانة، وفوق هذا وذاک، ان هناک قوة عظمى جدیدة استعادت، او على وشک، مکانتها، وعادت الى الشرق الاوسط بقوة ، واصبحت منافسا قویا للولایات المتحدة التی لم تعد تصول وتجول فیها دون منازع ، ونقصد بذلک روسیا بوتین.
احد المسؤولین المرافقین للوزیر کیری اثناء زیارته الى الریاض قال بضع کلمات، نقلتها وکالة رویترز العالمیة ، تلخص الموقف برمته “نأمل ان تعید السعودیة فتح سفارتها فی طهران ، وان یتوصل الایرانیون والسعودیون الى طریقة للتعایش” . انها دعوة او “نصیحة” للسعودیة بفتح قنوات حوار مع ایران لتسویة کل القضایا العالقة ، تماما مثلما فعلت الحکومة الامریکیة ومعها خمس دول دائمة العضویة فی مجلس الامن الدولی باستثناء المانیا ، ولسان حال هذا المسؤول یقول “هل انتم اعظم من امریکا او اکثر قوة منها وهذه الدول الخمس؟” . فاذا کان هذا هو حالکم فتفضلوا .. والله معکم .
کیری لم ینطق بکلمة واحدة سیئة ضد ایران اثناء زیارته للریاض، وکل ما قاله مجاملة لمضیفیه ان بلاده تختلف معها فی بعض القضایا “مثل دعم جماعات ارهابیة و مشروعها لتصنیع صواریخ بالتسیة” ، ولم یکرر اقواله السابقة حول عدم شرعیة الرئیس بشار الاسد ، او ان ایامه معدودة ، و اکتفى بالقول انه ، ای الرئیس الاسد، “مغناطیس یجذب الجهادیین” . و رش المزید من الملح على الجرح السعودی عندما اختتم تصریحه بالقول “ان مؤیدیه یقولون انه جزء من مستقبل سوریة وهذا ببساطة غیر ممکن” .
فی تقدیرنا ان هذه التصریحات “الدایت” ، او المخففة جدا وغیرها، لم تبدد القلق السعودی الخلیجی بل حولته الى اکتئاب مزمن ، و نوبات تشنج عصبی (Panic attacks) ، او هذا ما یمکن قراءته بین السطور .
افتحوا قنوات الحوار مع ایران ، وتوصلوا الى تفاهمات حول جمیع القضایا العالقة، واعملوا على الامساک بأسباب القوة فی الوقت نفسه، وانسوا امریکا التی طعنتکم فی الظهر، واعتمدوا على انفسکم وصنعوا اسلحتکم وملابسکم واحتیاجاتکم، وبعد ذلک لکل حادث حدیث.
قدمتم مبادرة سلام لـ«اسرائیل» قابلتها بالاهمال والاحتقار، وما زالت، فما المانع ان تفعلوا الشیء نفسه مع دولة جارة مسلمة ؟ خاصة ان الرئیس صدام الذی حاربها نیابة عنکم ولحمایتکم لم یعد موجودا، ولا جیشه، الذی حاربها ثمانی سنوات، ورقص معظمکم فرحا وطربا لقرار بول بریمیر الحاکم العسکری للعراق فی بدایة الاحتلال بحله والزج بجنرالاته وعقدائه وجنوده فی الشارع ثأرا وانتقاما .
من فضلکم عودوا الى رشدکم .. وتواضعوا قلیلا.. وتصالحوا مع شعوبکم وامتکم.. وتمسکوا بثوابتها وحینها سیکون الجمیع امامکم دون ای استثناء.