الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / أسطورة الجهاد وبشارة النصر الحاسم شمس لن تغيب

أسطورة الجهاد وبشارة النصر الحاسم شمس لن تغيب

لا يزال عماد مغنية («الحاج رضوان» او «الحاج ربيع») ، القائد الجهادي الاسطوري الكبير في حزب الله و عماد مقاومته ، أسطورة جهاد و بشارة النصر الحاسم ، و لغزًا تحتار العقول في فهمه ، رغم خروجه من ظل الحاج رضوان إلي شمس عماد مغنية منذ ثماني سنوات ، اذ لا يزال قادة العدو الصهيوني يتحسسون يوميًا ومع كل صباح ، كما طلب منهم سيد المقاومة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي رأي في استشهاد الحاج «رضوان» ، بشارة النصر الحاسم .

و بالتأکید ان عماد مغنیة ، شخصیة أسطوریة ، تختزن کمًا هائلاً من الأسرار و یلفها الغموض من کل ناحیة ، و بالتالی فان هذه الشخصیة الفذة ستبقى تفیض عامًا بعد اخر بالمفاجآت المذهلة کلما مضت سنون واعوام ومهما کُتب من مقالات .
و لا شک أن طابع السریة الذی اتسمت به شخصیة عماد مغنیة ، هی المیزة الرئیسیة إلی جانب إیمانه وتوکله علی الله ، هی أحد أبلغ أسرار النجاحات والانجازات العظیمة التی حققها بعیدًا عن الأضواء . فقلیل جدًا من العاملین فی حزب الله وحتی فی الصفوف القیادیة الذین هم یعرفون الشهید مغنیة ، بل لعل هناک الکثیر من المسؤولین کانوا لا یعرفون أن عماد مغنیة هو نفسه «الحاج رضوان» ، کما أن هناک کثیرین ممن تعاملوا معه من خارج صفوف حزب الله ولسنوات طویلة علی اعتبار أنه «الحاج ربیع» ، دون أن یعرفوا أنه هو نفسه «الحاج رضوان» إلا بعد استشهاده.
و من الصعب جدًا الغوص فی أغوار شخصیة هذا القائد العظیم ؛ فحزب الله ضنین حتی بصوره فضلاً عن دوره وجهاده ، لأنه کان ، ولا یزال أحد أهم أسرار المقاومة وأسطورتها وصانع بطولاتها والانتصارات .. إلا أننا نکتشف عامًا بعد اخر بعضًا من جوانب شخصیته التی کانت تجمع بین التناقضات فهو قائد معروف ، قوی ، صلب ، شجاعˈ، جریء ، عنید ، جدی ، کتوم ..

 

و فی نفس الوقت جندی مجهول ، و أب عطوف ، حنون، رحیم ، متواضع، لطیف ، لین، مرح، وضحوك . ولعل أکثر العبارات التی تختصر تعریف عماد مغنیة هی التی أطلقها الأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله ، فی تأبینه یوم تشییعه : «صانع الانتصارین» ، و یقصد بهما الانتصارین اللذین حققتهما المقاومة الإسلامیة بدحرها للاحتلال الصهیونی من جنوب لبنان فی أیار العام 2000 وفی حرب تموز 2006 ، وربما هذه الصفة أی «صانع الانتصارین» تفیه بعضًا من حقه ؛ إذ أن الطابع السری لشخصیة وعمل «الحاج رضوان» سیبقی یحجب عنا کثیرًا من الانجازات والأعمال الجهادیة و الأمنیة التی نفذها وحققها لشعبه وأمته علی مستوی الصراع مع العدو الصهیونی طوال 26 عامًا من الجهاد والمقاومة .

وعن تواضعه یروی أحد المجاهدین فی المقاومة الإسلامیة أن مجموعة من المقاومین زاروا موقعًا متقدمًا للمقاومة فی الخطوط الأمامیة بجنوب لبنان إبان الاحتلال الصهیونی وطلب أحدهم البقاء فی الموقع المذکور إلی جانب المقاومین وحصل علی موافقة مسؤول الموقع .

 

وعندما جاء وقت الغداء طلب أحد عناصر الموقع من الضیف الجدید القیام بتحضیر الطعام فلبی سریعًا وبعد تناول الطعام توجه إلیه أحدهم وسأله ممازحًا : «ملأت الکروشة؟» ویعنی بذلک هل امتلأ بطنک وشبعت، فیرد الضیف: «الحمد لله»، یکمل المقاوم: «إذن قم إلی الجلی» (غسل الأوانی) یسرع الضیف بحمل الأوانی إلی المطبخ ویقوم بغسلها بکل مرح وسرور، وبعد أیام یتبین لمسؤول الموقع وعناصره أن ضیفهم الخدوم والمطیع للأوامر والمحب للمقاومین هو نفسه القائد «الحاج رضوان» ، لکنهم بالطبع لا یعرفون أنه عماد مغنیة .

 
لقد عاش عماد مغنیة بهویته المدنیة ، حیاة طبیعیة هادئة بعیدًا عن الأضواء، یرفض الإجراءات الأمنیة المکثفة ، یفضل قیادة سیارته بنفسه ویتنقل فی کثیر من الأحیان منفردًا حتی لا یلفت الأنظار ، ویبقی فی نظر جیرانه ومحیطه شخصًا عادیًا ، یتولی بنفسه شراء حاجات ومستلزمات بیته، یجالس جیرانه وأهل الحی، یمازحهم ویشارکهم همومهم، یخدمهم ویلبی حاجاتهم دون أن یعرفوا حقیقته و من یکون ، وهذا کله یتطلب وعیًا ودقة وحنکة فی التصرف من قائد عسکری وأمنی تلاحقه مختلف أجهزة الاستخبارات العالمیة و أکثرها فاعلیة بما فیها الأمیرکیة والصهیونیة والغربیة علی اختلافها ، وشغل بال کیان الارهاب الصهیونی وقادته لسنوات طویلة ، علمًا أن التوفیق بین الحیاتین المدنیة والأمنیة یتطلب جهدًا ومعاناة غیر عادیتین لیس له فحسب وإنما لأفراد عائلته عمومًا .

ولعل أکثر الدلالات علی حجم هذه المعاناة ما عبره عنه نجله الشهید «جهاد» فی کلمته التی ألقاها فی ذکری أسبوع والده عندما قال : «لأول مرة أعلن علی الملأ أسمی بکل فخر واعتزاز إنی جهاد عماد مغنیة» .

 
ولد عماد فایز مغنیة فی العام 1962 فی بلدة طیردبا الجنوبیة ، فی أسرة مؤمنة متدینة مکونة من أب وأم وثلاثة أبناء وفتاة هو أکبرهم (عماد وجهاد وفؤاد وزینب). انتقلت عائلته إلی الضاحیة الجنوبیة لبیروت حیث تلقی عماد علومه الابتدائیة والثانویة فی مدارسها. تعرف خلالها علی المقاومة الفلسطینیة فانخرط فیها مناضلاً فی صفوف حرکة فتح، واثبت براعته فی العملیات العسکریة والأمنیة فتم ضمه إلی «القوة 17» التی هی القوة العسکریة الخاصة فی حرکة «فتح» ، التی کانت تتولی حمایة الزعیم الفلسطینی الراحل یاسر عرفات ، حیث قیل إنه کان أحد حراسه الشخصیین. ساهم عماد مغنیة فی عملیة نقل سلاح حرکة «فتح» إلی المقاومة اللبنانیة، بعد أن اضطرت الحرکة لمغادرة الأراضی اللبنانیة إثر الاجتیاح الصهیونی للبنان عام 1982. وعمل علی تنظیم صفوف المقاومین وتشکیلاتهم ضمن إطار جدید اسمه حزب الله مساهمًا فی تأسیسه ، لمقارعة الاحتلال الصهیونی للبنان .

 

سافر إلی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی أوائل الثمانینات حیث نسج علاقات وطیدة مع القیادة الإسلامیة ممثلة بالامام الخمینی وحواریه ومع کبار قادة الحرس الثوری وتلقی تشجیعهم ودعمهم . و بدأ حیاته الجهادیة مطلوبًا لأکبر الأجهزة الأمنیة والاستخباراتیة ، حیث اتهمته وکالة الاستخبارات الأمیرکیة الـ C.I.A والاستخبارات الفرنسیة بالوقوف وراء عملیة تفجیر مقری المارینز والمظلیین الفرنسیین فی بیروت فی تشرین الأول/أکتوبر 1983 وأدیا إلی مقتل 241 ضابطًا وجندیًا أمیرکیًا و58 ضابطًا وجندیًا فرنسیًا .

 

کما اتهمه الکیان الصهیونی بالتخطیط وتدبیر العدید من عملیات التفجیر التی استهدفت قوات الاحتلال الصهیونی ومراکزه القیادیة فی الأراضی اللبنانیة المحتلة آنذاک وخارج لبنان وأبرزها العملیة الاستشهادیة التی نفذها الاستشهادی أحمد قصیر ضد الحاکم العسکری الصهیونی فی مدینة صور بجنوب لبنان فی العام 1982، وأسفرت عن مقتل أکثر من 120 ضابطًا وجندیًا صهیونیًا.

و إلی جانب مهمته کرئیس لـ«المجلس الجهادی فی حزب الله» ، حمل القائد الشهید عماد مغنیة العدید من الملفات وحقق انجازات کبیرة لا تزال طی الکتمان لم یکشف منها حزب الله إلا النزر القلیل نظرًا لطبیعة وحساسیة عمل هذا القائد الجهادی الکبیر الذی وصف بـ «الثعلب» و «صانع البطولات الأسطوریة» و«قائد الانتصارین» و «الشبح الذی أرهق استخبارات 42 دولة» .

 
و بعد 26 عامًا من عمره الوجیز (46عامًا) أمضاها مجاهدًا متخفیًا یقود المقاومة بوجه العدو الصهیونی وینقلها من انجاز إلی انجاز ومن نصر إلی آخر .. ذهب عماد مغنیة إلی الشهادة متواضعًا کما هو وحیدًا دون مرافقة ، ونال وسامها الأحمر فی الثانی عشر من شباط/فبرایر عام 2008 ، بانفجار عبوة ناسفة زرعها جهاز الاستخبارات الصهیونیة «الموساد» فی أحد شوارع بلدة کفرسوسة بریف دمشق ، لیصبح ثالث الشهداء فی عائلة الحاج فایز مغنیة ، بعدما اطمأن عماد مغنیة إلی أن المقاومة الإسلامیة باتت تملک من الصلابة والقوة ما یمکنها من الوقوف بوجه أعتی الطغاة ومن القدرة ما یمکنها من تحقیق أعظم الانتصارات ، وأنه خلف وراءه أجیالاً وکوادر تدربت علی یدیه لن تخاف ، و لن تهدأ ، ولن تلین .

 
خرج عماد مغنیة إلی الضوء فی 12/2/2008 ، تارکًا الکیان الصهیونی تائهًا فی ظلام دامس ، مسکونًا بالرعب والخوف والقلق ینتظر عودته لینتقم من قاتلیه ، یخاف ظله ویتجنب ذکر اسمه، لذلک ومع دخول شهر شباط من کل عام یعلن العدو الصهیونی استنفارًا عامًا علی الحدود مع لبنان وفی مختلف سفاراته وممثلیاته فی أی مکان من العالم یطلب من قادته تخفیف تحرکاتهم و تجنب السفر إلی خارج فلسطین المحتلة .

 
ولا یزال قادة العدو الصهیونی یرون عماد مغنیة خطرًا حقیقیًا علی «إسرائیل» ، وبعضهم أقر علنًا وعبر شاشات التلفزة أنهم کانوا یخشونه ولا یزالون، ومن هؤلاء رئیس الأرکان السابق “آمنون شاحاک” الذی یقول : “عماد مغنیة کان خطرًا حقیقیًا علی «إسرائیل»” ، و منهم أیضًا المسؤول السابق لوحدة الاستخبارات فی الجیش الصهیونی «دود برکای» الذی یقول: «عماد مغنیة لیس مخربًا بل هو رجل استراتیجی .. أخافنی کثیرًا ولا أزال أخافه» .

 
8 سنوات مضت علی رحیل القائد الأسطوری ، ولا یزال قادة العدو الصهیونی یومیًا ومع کل صباح یتحسسون رؤوسهم کما طلب منهم سید المقاومة الأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصر الله ، الذی رأی فی شهادة الحاج «رضوان» بشارة النصر الحاسم .