الخطاب الغربي وبالخصوص الأمريكي اتسم بالترحيب باستعداد النظام السعودي ارسال قوات للتدخل البري في سوريا، والخطاب السعودي جاء على لسان العسيري مؤخراً بأن قرار نظام بلاده أصبح امراً لا رجعة عنه، فيما صرح كارتر مؤخراً في بروكسل بأن قوات النظام السعودي سيكون لها دور كبير في استعادة السيطرة على الرقة. تجدر الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام تناقلت اخباراً بأن رتلاً من الآليات المدرعة وجنوداً سعوديين دخلوا الأراضي الأردنية تحضيراً للتوجه إلى سوريا، وأن طائرات حربية تابعة للنظام السعودي قد حطت في قاعدة انجرليك التركية. السؤال الذي نطرحه حول مدى جدية الطرح السعودي بإرسال قوات للتدخل البري في سوريا بقيادة أمريكية، وهل أن أمريكا فعلاً قررت التدخل البري في سوريا بعد أن كان جوياً؟
اولاً: قبل الإجابة عن الأسئلة المطروحة لا بد من التسليم بأن امريكا لا تريد في سوريا اسقاط الدولة السورية واحلال الجماعات الإرهابية فيها، بل تريد لسوريا والمنطقة برمتها الدخول في حرب طويلة الأمد، فالمعركة اليوم وان كانت على الأراضي السورية إلا أنها عالمية بين محورين اساسيين، الأول محور الشعوب المتمثل بخط المقاومة، والثاني المحور الإستعماري الغربي وعلى رأسه امريكا، وان توافقت وجهات النظر والخطوط العريضة لبعض الأنظمة والدول مع احد المحورين، الى أنها تختلف في الأهداف والنتائج المرجوّة، ولعل السعودية أصدق مثال على ذلك.
ثانياً: لعل ما يحدث اليوم على الأراضي السورية اول فصل من فصول المعركة، والحديث في هذه المعركة عن ارتباط وتعاون وحلف امريكي سعودي وهم وخيال، الحقيقة أن السعودية ليست إلا جزءاً صغيراً من المخطط الأمريكي، فبقدر ما أن امريكا تشن عدواناً على سوريا وشعبها، هي أيضاً تمارس هذا العدوان على السعودية وشعبها ولكن بآلية مختلفة، لأن المطلوب بحسب الوجهة الأمريكية تدمير منطقة الشرق الأوسط بأكملها من جهة واضعاف امكانية بعض اللاعبين السياسيين من التأثير فيها تحضيراً لإعادة صياغتها وفق مشروع جديد يتناغم والفكر الأمريكي الإستعماري من جهة أخرى. ولهذا فسوريا اليوم تعد الساحة البديلة لحرب عالمية بين القوى الكبرى والصاعدة وهي ما زالت في بدايتها.
ثالثاً: نتيجة للسياسات غير المدروسة والمرتهنة للخارج، وبعد سلسلة النتائج الفاشلة والخاسرة التي حققها في اليمن والعراق وسوريا، وتنصل الأنظمة الحليفة في الذهاب بعيداً بسياسات النظام السعودي الحاكم، يشعر حكام آل سعود بأن مستقبلاً مجهولاً في انتظار حكمهم سيكون بلا شك أسوأ من الحاضر، ولذلك لجأوا إلى انتهاج سياسة الدفع بخطوات الماضي نحو الأمام لإبراز الذات وعلى أنهم قوة لا يستهان بها. هذا ما لا تقف بوجهه السياسة الأمريكية والغربية ليس للذهاب به بعيداً وتنفيذه بل لوضعه على الأرجح كورقة ضغط بعد بروز توجه امريكي للذهاب مع روسيا في محادثات، طبعاً لا يراد للمحادثات بوجهة نظر امريكية أن تكون بوابة للحل في سوريا، بل خطوة لإعادة رسم آلية تحفظ المعادلة الأمريكية القاضية بالمحافظة على التوازن بين جماعات الإرهاب ومن يدعمهم من جهة والشعب السوري ومن يقف معهم من جهة أخرى، خاصة وأن الضربات الروسية الموجعة ضد الجماعات الإرهابية في الفترة الأخيرة احدثت خللاً في المعادلة والحسابات الأمريكية. كما وأن هناك توجهاً تدفع به امريكا لوقف اطلاق النار بحسب تصريحات جون كيري الأخيرة فيما ترفضه روسيا معتبرة أنه حان الوقت لوضع حدٍ للمشروع الإرهابي. تجدر الإشارة إلى أن المعادلة الأمريكية تقضي أيضاً برسم خطوط تماس على الأراضي السورية، ولعل تصريح كارتر الأخير بخصوص الدور الذي قد تلعبه قوات النظام السعودي بإعادة ادخال الجماعات الإرهابية إلى الرقة اشارة إلى الدعوة الأمريكية لروسيا لإجراء محادثات حول هذه المسألة.
رابعاً: لا شك أن النظام السعودي الحاكم يفتقر إلى أدنى مقومات الدولة، ولا يمتلك حرية القرار والتصميم، ويمتلك قوات تفتقر إلى خبرات القتال فكيف الحال إذا قرر أن يقف بوجه الجيش السوري وداعميه من روسيا إلى محور المقاومة والممانعة، وعليه فمن غير المستبعد أن يتخذ الإستعداد السعودي لإرسال قوات كمقدمة والإستفادة منها فيما بعد لشكل من أشكال التعبئة المذهبية وتجميع المرتزقة كما حصل في اليمن، ومن ثم ارسالهم الى سوريا وليس تحت عنوان سعودي أو ما شابه، بل على نفس السياق الذي جاءت به الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة وغيرهما الكثير، فيما لا يكون هناك من تنافي بالذهاب نحو محادثات مع روسيا بموازاتها، وفضلاً عن كل ما سبق ذكره، فإن الدخول عن طريق الأراضي التركية مثلاً تواجهه عراقيل كبيرة كون تركيا ترى مطامعها في سوريا تلك المتمثلة بضرب المشروع الكردي وأي ورقة من الممكن أن يستفاد منها مستقبلاً بوجه تركيا، وهو ما لا يراه النظام السعودي الحاكم مشكلة، إذن الهدف بينهما واحد والخصم مختلف.