( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعلمون * ) (1) .
كان هذا وذاك يستدعي الوقوف فترة زمنية عند رعاية الوحي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في التوفيق بين واجباته القيادية ، وحياته الاعتيادية ، فأمام المنافقين نجد الحذر واليقظة يتبعهما الإنذار النهائي باغرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم ، وعند الحادثتين التاليتين نجد الوحي حاضرا في اللحظة الحاسمة ، فيسليه في الأولى بأن أكثر هؤلاء لايعقلون . ويعظمه في الثانية بجعل مقامه متميزا ، فلا يخاطب إلا بصدقة ، ولايسأل إلا بزكاة .
وما زلنا في هذا الصدد فإننا نجد الوحي رفيقا أمينا لهذا القائد الموحى إليه ، من هذه الزاوية التوفيقية بين التفرغ لنفسه ، والتفرغ لمسؤولياته ، وهذا أهم جانب يجب أن يكشف في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والكشف عنه إنما يتم بدراسة حياة النبي الخاصة مرتبطة بهذه الظاهرة ، وهي ظاهرة الوحي الإلهي ، ومدى الاتصال والانفصال بينها وبين النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وحاجته الملحّة إلى هذا الشعاع الهادي ، منذ البدء وحتى النهاية .
لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعا من الرسل ، ولم يختص بالوحي دونهم ، بل العكس هو الصحيح ، فقد شاركهم هذه الظاهرة ، وقد أوحي إليه كما أوحي إليهم من ذي قبل ، قال تعالى :
( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وءاتينا داوود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ) (2) .
فقد هدفت الآية وما بعدها إلى بيان حقيقة الوحي الشاملة للأنبياء عليهم السلام كافة ، ممن اقتص خبرهم وممن لم يقتص ، وإيثار موسى بالمكالمة وحده .
ويبقى التساؤل قائما : بماذا تفسر هذه الظاهرة ، وكيف تعلل نفسيا ؟ وكيف تنطبق كونيا ، وكيف عولجت قرآنيا ؟ وهل هي حقيقة تنطلق من ذات
(1) المجادلة : 13 .
(2) النساء : 163 ـ 164