لم يكن مستغرباً بيان وزارة الخارجية التركية قبل أیام حول وضع اللمسات الأخيرة على إتفاق يهدف لتطبيع العلاقات المتأزمة مع الكيان الإسرائيلي منذ الهجوم على سفينة “مرمرة” التركية المتوجّهة إلى قطاع غزّة في العام 2010 الأمر الذي أدّى حينها إلى مقتل 10 ناشطين أتراك حاولوا كسر الحصار المفروض على سكّان القطاع.
الوزراة التركية، أصدرت بياناً أوضحت فيه أن “الطرفين أحرزا تقدماً من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق (…) واتفقا على إتمام الاتفاق في الاجتماع المقبل الذي سيدعى إلى عقده قريباً جداً”. وأشار البيان إلى أنّ اللقاء الأخير جمع نائب وزير الخارجية التركي، فريدون سينيرلي أوغلو، والمبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي، جوزيف تشيخانوفير في لندن يوم الخميس.
لم يكن اللجوء التركي مجدداً إلى الكيان الإسرائيلي من قبيل الصدفة، تماماً كما هو حال قطع العلاقات، بل سارعت أنقرة لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها مع “الجارة” تل أبيب بسبب تدهور علاقاتها مع روسيا إثر حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في سوريا نهاية العام الماضي. اللجوء التركي اليوم إلى الكيان الإسرائيلي يحمل طابعاً إقتصادياً بشكل كبير بإعتبار أن أنقرة تعتمد على روسيا في استيراد أكثر من نصف حاجاتها من الغاز، ومع غياب روسيا تضع تركيا عينها على الغاز الإسرائيلي علّها تنجح في جعل بلادها مركزاً لنقل النفط إلى أوروبا.
كما أن العودة التركية اليوم إلى تل أبيب كانت إقتصاديةً، كان الخروج من العلاقات سابقاً يحمل في جزء كبير منه طابع إقتصادي وسياسي سعى من خلاله أردوغان للدخول إلى البلاد العربية التي حضر في قمّتها المصرية عام 2011. حصد أردوغان عقب المواقف التي أطلقها أولى شراراتها في إحدى ندوات منتدى “دافوس” الاقتصادي في سويسرا عام 2009، لتصل إلى ذورتها عقب حادثة أسطول الحرية وما أعقبها من مواقف “إعلامية” داعمة للشعب الفلسطيني.
ما يعزّز هذه الرؤية موقف الرئيس التركي من “الخريف العربي” الذي نزل ناراً وشناراً على شعوب المنطقة، فقد حاول الرئيس التركي الإصطياد في الماء العكر عبر بعض الشعارات الرنانة التي ما لبثت أن تحوّلت بسرعة إلى جماعات إرهابية من مختلف دول العالم تعمل على تحقيق مصالح العثمانيين الجدد في سوريا والعراق. الرئيس أردوغان سعى، وبالتعاون مع قطر، إلى الأمر ذاته في مصر، إلا أن الجيش هناك قطع الطريق على هذه المؤامرة التي أدخلت مصر في دوامة العنف والخراب والسياسي والإقتصادي لبضع سنوات.
اليوم، يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صاحب نظرية “صفر مشاكل” ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، مسؤولاً رئيسياً عن العديد من الأزمات الإقليمية، فلو لم تسمح أنقرة للجماعات الإرهابية بالدخول إلى سوريا هل نحن أمام مشهد مماثل لما يحصل اليوم؟ ألا يعد أردوغان مسؤولاً رئيسياً عما يحصل في العراق جرّاء تنظيم داعش الإرهابي؟ ألم يهاجم أردوغان الأكراد في الداخل والخارج متسبباً بإشعال فتنة عرقية، بعد تلك المذهبية التي يمتلك دوراً في إشعالها؟ تركيا التي أشعلت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان بات اليوم على عداء مع العديد من جيرانها بدءاً من سوريا، مروراً بأرمينيا واليونان وصولاً إلى العراق وإيران.
لاشكّ في أن الموقف التركي الجديد سيثير قلق طهران التي تعد العدو اللدود للكيان الإسرائيلي الذي بدأ ينجح شيئاً فشيئاً في إيجاد بيئة حكومية، وليست شعبية، حاضنة سواءً في مصر أم الأردن وحالياً تركيا. إن عودة تركيا إلى الأحضان الإسرائيلي تعني غياب قضيّة الحصار المفروض على غزّة عن الواجهة الإعلامية التركية، وفي حال نجحت السعودية التي يزرو ملكها سلمان مصر في التوسط بين القاهرة وأنقرة التي يزورها في المشاركة في القمة الثالثة عشر للتعاون الإسلامي، سنصبح أمام معادلة جديدة، قد تفضي إلى إيجاد تحالفات علنية جديدة، وربّما تكون تركيا والكيان الإسرائيلي والسعودية، ومصر بدرجة أقل، أبرزها.
بإختصار إن أردوغان الذي يمتلك أسهماً رئيسيّة في كافّة الأزمات الإقليمية، لم يكن في حلف إلا صوّب نيرانه على الحلف الآخر، فهل سنشهد حرباً إسرائيلية جديدة على الفلسطينيين؟ “أين قضية الحصار؟” يسأل أحد الفلسطينيين أردوغان الذي كان رمزاً له في السابق؟، يضيف آخر: أين ” تحقيق المساعدة اللازمة لشعب غزة”؟ أين حركة حماس الغائب الأبرزعن المشهد الإقليمي؟. تساؤلات عدّة تبقى برسم الشعوب العربية لأن أردوغان سيتجاهلها حتّى إشعار آخر.