وبحمد الله فإنّ أكثر الفئات متّصفة بهذه الصفة، وأنا لا أنسى قصة يوم الجمعة حيث انقضى بعظمة ونورانية واستقامة، كنت ألاحظ اطمئنان الناس واستقامتهم رغم الضجيج الحاصل، وسماع أصوات الطلقات، لقد نظرت ودقّقت النظر لأرى حال الناس فلم أر حتى شخصاً واحداً قد تزلزل، وفي الوقت نفسه كان صوت خطيب الجمعة يدوّي ويجلجل في خطبته التي لم يقطعها، وكان الناس كذلك ينصتون إلى الخطبة ويردّدون هتاف استعدادهم للاستشهاد حتى نقل لي واحد أو أكثر من الذين حضروا الحادث أنَّ أحد المصابين
كان يوصي الآخرين وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بأن يستقبلوا الشهادة ولا يخشوها.
إنَّ مثل هذا الشعب لا يمكن لأحد مواجهته، وحين أعلن الأعداء عن عزمهم على قصف محل إقامة صلاة الجمعة وحذّروا الناس من الحضور هناك تدافع الناس أكثر وأكثر للحضور رغم التحذيرات المتكرّرة حتى قيل لي: إنّ من لم يكن يحضر الصلاة في الأسابيع الماضية قد حضر هذا الأسبوع بعزم وإصرار.
إنَّ شعباً كهذا لا يمكن صرفه عن عزمه بالتهديد وبالقصف، مقابل أيّ شيء ينصرف هذا الشعب؟ إنَّ في أيدينا الإسلام وأمانة الله، الإسلام الذي عانى المشاق والأهوال منذ ولادته في الصدر الأوّل للإسلام وما يزال يعاني المشاق كلّما تقدّم إلى الأمام .
ألم نشاهد كل يوم ميادين القتال العظيمة ضدّ المعتدين التي تبتسم للموت وتصنع المعجزة؟ حقاً ما هذا التحوّل الذي يشعّ بأنواره على كل أنحاء بلد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف روحي فداه؟! وما هذا البرهان الذي اجتذب كل المنحرفين ومعوجّي الأفكار وأغرقهم في داخله وأذابهم؟ ليس هذا سوى إرادة الله وتجلّياته التي يهرب منها الخفافيش: وتعلّقت بها قلوب أولياء الله والعرفان .
قامت دولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحمد الله تعالى بتربية الملايين من الفتية المتطوّعين للجهاد والشهادة، ولن يملأ قلوب وأعين شعبنا إلا
الرضا الإلهي، لذا نراهم يتلذذون ببذل الغالي والنفيس من الأموال والأرواح والأولاد في سبيل الله .