الرئيسية / شخصيات أسلامية / من حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام (03)

من حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام (03)

في ظلال القرآن والسنة
وعنى الاسلام كتابا وسنة بشأن الإمام الحسين ( ع ) وأولاه المزيد
من العناية والاهتمام لأنه من مراكز القيادة العليا في الاسلام التي تطل على
هذا الكون فتشرق على معالمه ، وتصلح من شأن الانسان ، وتدفعه إلى
السلوك النير ، والمنهج السليم .
لقد قابل الاسلام بكل تكريم واحتفاء الإمام الحسين كما عنى به مع
أبويه وأخيه ، فرفع ذكرهم وحث باصرار على اتباع سلوكهم ، والاقتداء
بهم ، وضمن للأمة أن لا تزيغ عن طريق الهدى إذا لم تتقدم عليهم في
مجالات الحكم والتشريع وغيرهما ، ونشير – بإيجاز – إلى بعض ما أثر في
الكتاب والسنة في حقهم :

 
في ظلال القرآن :
أما كتاب الله العظيم – الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه – فقد أعلن فضل الإمام الحسين في إطار أهل البيت ( ع ) وله في
كتاب الله غنى عن مدح المادحين ووصف الواصفين ، وهذه بعض الآيات
الناطقة في فضلهم .

 
آية التطهير :
قال تعالى : ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا ” ( 1 ) ولابد لنا من وقفة قصيرة للبحث عن هذه الآية .
أ – من هم أهل البيت ؟
وأجمع المفسرون وثقاة الرواة ( 1 ) أن أهل البيت هم الخمسة أصحاب
الكساء وهم : سيد الكائنات الرسول ( ص ) وصنوه الجاري مجرى نفسه
أمير المؤمنين ( ع ) وبضعته الطاهرة عديلة مريم بنت عمران سيدة النساء
فاطمة الزهراء التي يرض الله لرضاها ويغضب لغضبها ، وريحانتاه من الدنيا
سبطاه الشهيدان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ولم يشاركهم أحد
من الصحابة وغيرهم في هذه الآية ، ويدل على هذا الاختصاص ما يلي :
أولا – إن أم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ، وفي البيت
فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله ( ص ) بكساء كان عليه
ثم قال : ” اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا “
يكرر ذلك ، وأم سلمة تسمع وترى فقالت : وأنا معكم يا رسول الله ،
ورفعت الكساء لتدخل فجذبه منها ، وقال لها : ” انك على خير “
وتواترت الصحاح بذلك ( 1 ) ، وهي حسب رواية أم سلمة تدل – بوضوح –
على الحصر بهم ، وامتيازهم عن غيرهم بهذه المأثرة المشرفة .

 
ثانيا – إن الرسول ( ص ) قد سلك كل مسلك في اعلان اختصاص
الآية بهم ، فقد روى ابن عباس قال : ” شهدت رسول الله ( ص )
سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت ” إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” الصلاة رحمكم الله ، كل يوم خمس
مرات ” ( 2 ) ، وروى أنس بن مالك أن النبي ( ص ) كان يمر ببيت
فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت
” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” ( 3 )
وروى أبو برزة قال : صليت مع رسول الله ( ص ) سبعة أشهر فإذا
خرج من بيته أتى باب فاطمة ( ع ) فقال : السلام عليكم ” إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” ( 4 ) .
وقد أكد النبي ( ص ) اختصاص الآية بأهل بيته ونفاها عن غيرهم
ارشادا للأمة وإلزاما لها باتباعهم وتسليم قيادتها لهم .
ثالثا – احتجاج العترة الطاهرة على اختصاص الآية بهم ، فقد قال
الإمام الحسن الزكي ( ع ) في بعض خطبه :
” وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا ، ويصعد من
عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” ( 1 )
وتواترت الاخبار من طرق العترة الطاهرة معلنة اختصاص الآية
بالخمسة من أصحاب الكساء وعدم تناولها لغيرهم من أسرة النبي .
ب – خروج نساء النبي :

 
وليس النساء النبي ( ص ) أي نصيب في هذه الآية فقد خرجن عنها
موضوعا أو حكما – كما يقول علماء الأصول – وللتدليل على ذلك نذكر
ما يلي :

 
1 – إن الأهل – في اللغة – موضوع لعشيرة الرجل وذوي قرباه ( 2 )
ولا يشمل الزوجة ، وأكد هذا المعنى زيد بن أرقم حينما سئل عن أهل
بيت النبي ( ص ) هل يشمل زوجاته ؟ فأنكر ذلك ، وقال :
” لا – وأيم الله – إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها
فترجع إلى أبيها وقومها ، . . . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة
بعده ” ( 3 ) .
2 – إنا لو سلمنا أن الأهل يشمل الزوجة ويطلق عليها فلابد من
تخصيصه بالاخبار المتقدمة فإنها توجب التخصيص من دون شك ، فقد بلغت
حد التواتر اللفظي أو المعنوي .
ج – مزاعم عكرمة ومقاتل :
وهناك جماعة من صنائع بني أمية ودعاة الخوارج حاولوا صرف الآية
عن العترة الطاهرة ، واختصاصها بنساء النبي ( ص ) متمسكين بسياق الآية
ومن الذاهبين إلى ذلك عكرمة ، ومقاتل بن سليمان ، وكان عكرمة من
أشد الناس تحاملا على أصحاب الكساء ، وكان ينادي بذلك في السوق ( 1 )
وبلغ من اصراره وعناده أنه كان يقول : ” من شاء باهلته أنها نزلت في
أزواج النبي ” ( 2 ) ، ومن الطبيعي أن نداءه في السوق ، وعرضه للمباهلة
انما يدل على بغضه الشديد للعترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم ،
ولابد لنا من النظر في شؤون عكرمة ومقاتل حتى تبين اندفاعهما لما زعماه .
عكرمة في الميزان :
عكرمة البربري هو أبو عبد الله المدني أصله من البربر كان مولى للحصين
ابن أبي الحر العنبري فوهبه لابن عباس لما ولي البصرة من قبل الامام
أمير المؤمنين ( ع ) وبقى رقا حتى توفي ابن عباس فباعه علي بن عبد الله
ثم استرده ( 3 ) وقد جرح في عقيدته واتهم في سلوكه ، فقد ذكر المترجمون
له ما يلي :
1 – إنه كان من الخوارج ( 4 ) وقد وقف على باب المسجد فقال
ما فيه إلا كافر ( 5 ) لان الخوارج ذهبوا إلى كفر المسلمين ، أما موقفهم
من الامام أمير المؤمنين فمعروف بالنصب والعداء .
2 – إنه عرف بالكذب ، وعدم الحريجة منه ، وقد اشتهر بهذه
الظاهرة فعن ابن المسيب أنه قال لمولاه برد : ” لا تكذب علي كما كذب
عكرمة على ابن عباس ” ( 6 ) ، وعن عثمان بن مرة أنه قال للقاسم : إن
عكرمة حدثنا عن ابن عباس كذا ، فقال القاسم : يا بن أخي إن عكرمة
كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا ( 1 ) .
ومع اتهامه بالكذب لا يمكن التعويل على أي رواية من رواياته فان
اقتراف الكذب من أظهر الأسباب التي توجب القدح في الراوي .
3 – إنه كان فاسقا يسمع الغناء ، ويلعب بالنرد ، ويتهاون في
الصلاة وكان خفيف العقل ( 2 ) .
4 – ان المسلمين قد نبذوه وجفوه ، وقد توفي هو وكثير عزة في يوم
واحد فشهد الناس جنازة كثير ولم يشهدوا جنازته ( 3 ) .
ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن الاعتماد على روايته
والوثوق بها وقد اعتمد عليه البخاري وتجنبه مسلم ( 4 ) قال البخاري :
ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة ( 5 ) ومن الغريب أن البخاري
يعتمد في رواياته على عكرمة وأمثاله من المطعونين في دينهم ، ويتحرج من
رواية العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم .
مقاتل بن سليمان :
أما مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني ، فهو كصاحبه
عكرمة كان متهما في دينه ، وذكر المترجمون له ما يلي :
1 – إنه كان كذابا ، قال النسائي : كان مقاتل يكذب ( 6 ) وكذلك
قال وكيع : وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : أخرجت خراسان ثلاثة
لم يكن لهم نظير – يعني في البدعة والكذب – : جهم ومقاتل ، وعمر بن
صبح ، وقال خارجة بن مصعب : كان جهم ومقاتل عندنا فاسقين فاجرين ( 1 )
ومع اتهامه بالكذب لا يصح الاعتماد على روايته ، ويسقط حديثه عن
الاستدلال به .
2 – إنه كان متهما في دينه ، وكان يقول بالتشبيه ، قال ابن حبان :
كان مقاتل يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ،
وكان مشبها يشبه الرب سبحانه بالمخلوقين وكان يكذب في الحديث ( 2 )
وقد استحل بعض الأخيار دمه يقول خارجة : لم استحل دم يهودي ولا
ذمي ، ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته ( 3 ) .
3 – عرف مقاتل بالنصب والعداء لأمير المؤمنين ( ع ) وكان دأبه
صرف فضائل الإمام ( ع ) وقد أثر عن الامام أنه كان يقول : ” سلوني
قبل أن تفقدوني ” فأراد مقاتل أن يجاريه في ذلك فكان يقول : ” سلوني
عما دون العرش ” فقام إليه رجل فقال له : أخبرني عن النملة أين أمعاؤها
فسكت ولم يطق جوابا ( 4 ) وقال مرة : سلوني عما دون العرش فقام إليه
رجل فقال له : أخبرني من حلق رأس آدم حين حج ؟ فحار ولم يطق
جوابا ( 5 ) .
وهذه البوادر تدل على فساد آرائه ، وعدم التعويل على أي حديث
من أحاديثه .
وهن استدلالهما :
واستدل عكرمة ومقاتل بسياق الآية على أنها نزلت في نساء النبي
صلى الله عليه وآله ولا تشمل أهل بيته ، وقد عرض الامام شرف الدين
بصورة موضوعية إلى ابطال ذلك ، قال رحمه الله : ولنا في رده وجوه :
” الأول ” : إنه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة ، والأحاديث
المتواترة الصحيحة .
” الثاني ” : إنها لو كانت خاصة في النساء – كما لا يزعم هؤلاء –
لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث ، ولقال عز من قائل : عنكن
ويطهركن ، كما في غيرهما في آياتهن ، فتذكير ضمير الخطاب فيها دون
غيرها من آيات النساء كاف في رد تضليلهم .
” الثالث ” : إن الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض وهو
تخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المتناسق ، كقوله تعالى في حكاية خطاب
العزيز لزوجته إذ يقول لها : ” إنه من كيدكن ان كيدكن عظيم يوسف
أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ” فقوله : ” يوسف أعرض عن هذا “
مستطرد بين خطابيه معها – كما ترى – ومثله قوله تعالى : ” ان الملوك
إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون واني
مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون ” فقوله : ” وكذلك يفعلون “
مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ، ونحوه قوله عز من قائل :
” فلا أقسم بمواقع النجوم . وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . وإنه لقرآن
كريم ” تقديره أفلا أقسم بمواقع النجوم . إنه لقرآن كريم ، وما بينهما
استطراد على استطراد وهذا كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب وغيرهم
من البلغاء .
وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء ، فتبين
بسبب استطرادها أن خطاب الله لهن بتلك الأوامر والنواهي والنصائح
والآداب لم يكن إلا لعناية الله تعالى بأهل البيت ” أعني الخمسة ” لئلا ينالهم
” ولو من جهتهن ” لوم أو ينسب إليهم ” ولو بواسطة ” هناة أو يكون
عليهم للمنافقين ” ولو بسببهن ” سبيل ولولا هذا الاستطراد ما حصلت
النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم ، وكمل اعجازه الباهر
كما لا يخفى ( 1 ) .
ورأى الامام شرف الدين رأي وثيق فقد قطع به تأويل المتأولين ،
ودحض به أو هام المعاندين ، وتمت به الحجة على المناوئين .
دلالتها على العصمة :
ودلت الآية بوضوح على عصمة الخمسة من أهل البيت ( ع ) فقد
أذهب تعالى عنهم الرجس – أي المعاصي – وطهرهم منها تطهيرا وهذا
هو واقع العصمة وحقيقتها .
وقد تصدرت الآية للدلالة على ذلك بكلمة ” إنما ” التي هي من
أقوى أدوات الحصر ، ويضاف إليه دخول اللام في الكلام الخبري ، وتكرار
لفظ الطهارة ، وكل ذلك يدل – بحسب الصناعة – على الحصر والاختصاص
وإرادة الله في ذلك إرادة تكوينية يستحيل فيها تخلف المراد عن الإرادة
” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ” .
ويقول الامام شرف الدين : إنها دلت بالالتزام على إمامة أمير المؤمنين
عليه السلام لأنه ادعى الخلافة لنفسه ، وادعاها له الحسنان وفاطمة ، ولا يكونون
كاذبين ، لان الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم ، وطهرهم منه
تطهيرا ( 1 ) .
آية المودة :
وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت ( ع ) قال تعالى : ” قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها
حسنا ان الله غفور شكور ” ( 2 ) .
ذهب جمهور المسلمين إلى أن المراد بالقربى هم علي وفاطمة وابناهما
الحسن والحسين وان اقتراف الحسنة إنما هي في مودتهم ومحبتهم ، وفيما يلي
بعض ما أثر في ذلك :
1 – روى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله
من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم ؟ قال ( ص ) : ” علي
وفاطمة وابناهما ” ( 3 ) .

 
2 – روى جابر بن عبد الله قال : جاء اعرابي إلى النبي ( ص )
فقال : يا محمد اعرض علي الاسلام ، فقال ( ص ) : تشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال الأعرابي :
تسألني عليه أجرا ؟
قال ( ص ) لا إلا المودة في القربى .
الأعرابي : قرباي أم قرباك ؟
الرسول ( ص ) : قرباي .
الأعرابي : هات أبايعك . فعلى من لا يحبك ، ولا يحب قرباك
لعنة الله .

 
قال ( ص ) : ( آمين ) ( 1 ) .
3 – روى ابن عباس قال : لما نزل قوله تعالى : ” قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى ” ، قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلا أن
يحثنا على قرابته من بعده فأخبر جبرئيل النبي ( ص ) انهم اتهموه ، فأنزل
” أم يقولون افترى على الله كذبا ” ، فقال القوم : يا رسول الله انك
صادق فنزل ” وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ” ( 2 ) .
4 – احتجاج العترة الطاهرة بأنها نزلت فيهم فقد خطب سبط الرسول
صلى الله عليه وآله الأول وريحانته الإمام الحسن ( ع ) فقال في جملة خطابه :
” وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم فقال
تبارك وتعالى : ” قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن
يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ” فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ” ( 3 ) .
واحتج بها سيد الساجدين والعابدين الإمام علي بن الحسين ( ع )
لما جئ به أسيرا إلى الطاغية يزيد وأقيم على درج دمشق انبرى إليه رجل
من أهل الشام فقال له :

 
” الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرني الفتنة ” .
فنظر إليه الامام فرآه مغفلا قد خدعته الدعايات المضللة وحادت به
عن الطريق القويم فقال له :
” أقرأت القرآن ؟ ” .
” نعم ” .
” أقرأت آل حم ؟ ” .
” قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ” .
” ما قرأت ( لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ ” .
فذهل الرجل ومشت الرعدة بأوصاله وسارع يقول :
” وانكم لأنتم هم ؟ ” .
” نعم ” ( 1 ) .

 
وقال الامام أمير المؤمنين ( ع ) : فينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا
إلا كل مؤمن ثم قرأ ” قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ” ( 2 )
كلمة الفخر الرازي .
وعلق الفخر الرازي على هذه الآية مشيدا بآل النبي ( ص )
قال ما نصه :
” وإذا ثبت هذا – يعني اختصاص الآية بآل البيت ( ع ) – وجب
أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم قال ويدل عليه وجوه :
” الأول ” : قوله تعالى : ” إلا المودة في القربى ” ووجه الاستدلال
به ما سبق وهو ما ذكره من قبل أن آل محمد ( ص ) هم الذين يؤول
أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك
أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بهم وبين رسول الله ( ص )
أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل .
” الثاني ” : لا شك أن النبي ( ص ) كان يحب فاطمة ( ع )
قال ( ص ) : ” فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ” وثبت بالنقل المتواتر
عن محمد ( ص ) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين عليهم السلام ، وإذا
ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله تعالى : ” واتبعوه لعلكم تهتدون ” .
ولقوله تعالى : ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره ” ولقوله : ” قل إن
كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ” ولقوله سبحانه : ” لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة ” .

 
” الثالث ” : إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا
الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله : ” اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد وارحم محمدا وآل محمد ” واجب . . . ( 1 ) .
ان مودة أهل البيت ( ع ) من أهم الواجبات الاسلامية ، ومن أقدس
الفروض الدينية يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي :
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له ( 2 )
وقال ابن العربي :

 
رأيت ولائي آل طه فريضة * على رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى * بتبليغه إلا المودة في القربى
ويقول شاعر الاسلام الكميت :
وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها منا تقي ومعرب
إن في مودة آل البيت ( ع ) أداءا لاجر الرسالة ، وصلة للرسول
الأعظم ( ص ) وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء والجهد في سبيل
انقاذ المسلمين من الشرك ، وتحرير عقولهم من الخرافات ، وقد جعل تعالى
حق نبيه العظيم على هذه الأمة أن توالي عترته ، وتكن لها المودة والولاء .

شاهد أيضاً

من حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام (01)

ألا بورك هذا الغرس الذي امتد على هامة الزمن وعيا وأشراقا وهو يضئ للناس حياتهم ...