(واعلموا إن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه. وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، إن كنتم آمنتم بالله، وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قديرا) تسمى هذه الآية بآية الخمس. في سورة الأنفال. بعد أن بين الله سبحانه، حكم الغنائم في مطلع هذه السورة المباركة بصورة إجمالية، وإنها لله والرسول. جاءت الآية المباركة لتبين بالتفصيل، مصارف هذه الغنائم، فقسمتها إلى خمسة أقسام. جعلت أربعة منها للمسلمين، فكان ذلك موجبا لتأثرهم، وندمهم على ما استشعروه من غمط للحقوق،
عندما انتزعت الغنائم منهم بادىء ذي بدء. وأدركوا الحكمة السامية من وراء ذلك. وأنها إنما كانت ترمي إلى ما ذكرنا من تصفية نفوسهم من شوائب المادة، ليكون جهادهم لعدوهم، وخروجهم من ديارهم، ذا غرض يسمو على كل القيم المادية الحقيرة، ويخلص لله وإعلاء كلمته في الأرض. وعندما نراجع كلمات اللغويين في معنى الغنيمة، نجد أنهم ينقسمون في تعريفها إلى فريقين. فريق يأخذ في مفهومها، عدم بذل جهد أو مشقة(1)،
كما في القاموس، حيث يقول في تعريفها “الغنم بالضم، والمغنم والغنيمة، ما يظفر به الإنسان ويناله ويصيبه من غير مشقة”). وفريق آخر، يذهب إلى إطلاق الغنيمة والمغنم، على كل ما يحصل عليه الإنسان من مكاسب وأرباح، من دون تقييده بشيء. وذلك كما في الراغب الأصبهاني حيث يقول “والغنم بالضم فالسكون، إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم ” (2). ـــــــــــــــــــــــــ (1) القاموس المحيط للفيروزآبادي مادة غنم. (2)
غريب القرآن مادة غنم. كما يراجع معجم ألفاظ القرآن الكريم الموضوع من قبل مجمع اللغة العربية بالقاهرة. حرف الغين. ومختصر مختار الصحاح لعبد القادر الرازي ، باب الميم ، فصل الغين ، وغيرها . ومن ذلك يظهر، أن المقصود بالغنيمة في اللغة، هو كل ما يكسبه الإنسان ويربحه من أي طريق كان. بمشقة أو غير مشقة، في حرب أو في سلم، من دون تقييد. وقد أجمع المفسرون (1)، على أن المراد بالغنيمة في الآية الكريمة بحكم سياقها هو ذلك الذي يظفر به المسلمون بعد قتال الكفار من أموال وسلاح وأسرى. وأنه يجب فيه الخمس لمن ذكرته الآية، ويملك المسلمون الأخماس الأربعة الباقية. وقد اختلفت كلمات فقهاء الإسلام حول خصوص الحكم الوارد في الآية-
وهو وجوب الخصم- فيما ظفر به المسلمون مجتمعين أو منفردين من الكافرين بواسطة القتال والحرب أو أن وجوبه عام في كل ما يربحه المسلم من المشرك أو غيره، في حالتي السلم والحرب؟ ذهب جمهور الفقهاء من الأحناف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلى تخصيص الحكم، وهو وجوب إخراج الخمس، بخصوص الغنائم التي يظفر بها المسلمون من الكفار بعد قتال، مع خلاف بينهم في الأرض المفتوحة عنوة(2). وذلك بعد أن بنوا على أن الغنيمة مأخوذ في مفهومها أن تكون بعد حرب وقتال. جاء في الدر المختار ورد المحتار عليه للأحناف “الغنيمة مانيل من الكفار عنوة والحرب قائمة فتخمس وباقيها للغانمين ” (3). وجاء في المغني والشرح الكبير للحنابلة “والغنيمة ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار” (4). وأكثر فقهاء الزيدية(5)، وإن ذهبوا إلى نفس ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ممن ذكرنا من أن الغنيمة، هي كل ما ظفر به المسلمون بقتال من المشركين أو بقهر. ولكنهم في نفس الوقت لم يخصصوا هذا الحكم- وهو وجوب إخراج الخمس بغنائم الحرب ، بل جعلوه فيها في نوعين اخرين (6)
: ـــــــــــــــــــــــــ (1) راجع تفسير الميزان للطباطبائي 89/9 وتفسير الرازي 164/15 وما بعدها وتفسير المنار لرضا 10/6 وما بعدها. (2) يراجع البداية والنهاية لابن رشد 1/ 412 وما بعدها. وكفاية الطالب للشاذلي وحاشية العدوي 7/2 وما بعدها. والدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 3/ 229. (3) لابن عابدين 3/228. (4) لابن قدامة 7/297 وما بعدها. كما يراجع للمالكية بداية المجتهد لابن رشد 1/ 401 وما بعدها ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وحاشية العلامة العدوي عليه 2/7. (5) البحر الزخار لابن المرتضى 6/ 406. (6)نفس المصدر 3\209 وما بعدها . الأول: ما أخذ من ظاهر البر والبحر أو استخرج من باطنهما. الثاني: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة. وأما فقهاء الشيعة
(الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية (1)، فقد ذهبوا، إلى أن الخمس واجب في كل فائدة مكتسبة. سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات، أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب أو ما يحصل من حيازة المباحات(2)، هذا إضافة إلى عدة أمور أخرى هي (3). 1- المعا دن. 2- الكنوز. 3- ما يستخرج من البحر بالغوص. 4- ما يفضل عن مؤونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات. 5- الأرض التي اشتراها الذمي من مسلم. 6- الحلال الذي اختلط بالحرام ولا يعرف مقداره ولا صاحبه. ونحن نختار ما ذهب إليه فقهاء الشيعة (الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية من أن الخمس يجب في كل فائدة يستفيدها الإنسان في حياته، لا فرق في ذلك بين أن تأتي عن طريق الحرب والقتال مع الكافرين، أولا عن طريق قتال أصلا، من كافر أو غيره. وذلك لعدة أمور: أولا: لأن لفظ الغنيمة في اللغة، هو مطلق
الفائدة والكسب من دون تقييد. ثانيا: إن هنالك نصوصا كثيرة وردت بطرق متعددة، مبينة بوضوح، موارد وجوب الخمسة وموضوعه. وأنه إضافة إلى مكتسبات الحرب مع الكافرين وكل مكتسب، ما ذكرناه آنفا، من الأمور الستة. وذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن الخمس فقال: “في الركاز الخمس ” والركاز، هو الكنز الدفين، والمعادن. ـــــــــــــــــــــــــ (1) نفس المصدر 3/ 214. (2) جواهر الكلام على شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن 147/21. (3)
نفس المصدر 13/16 وما بعدها. وكذلك ما ورد في الأحاديث الشريفة، من وجوب تخميس كل ما استخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر وغيرهما، إلى آخر تلك الروايات (1). ثالثا: إن الحكم بوجوب إخراج الخمس في الآية، وإن كان واردا في مورد خاص وهو غنائم بدر، إلا أن المعلوم والمتفق عليه بين العلماء في علم أصول الفقه، أن المورد لا يخصص الوارد بحال. رابعا: إن الذهاب إلى قصر وجوب إخراج الخمس، على خصوص غنائم دار الحرب، لا ينسجم مع خلود الإسلام وبقائه من ناحية عملية، واستمرار الدولة الإسلامية زمن قيامها، في تحمل الأعباء الضخمة، التي تترتب عليها تجاه الأمة في الداخل والخارج وذلك من وجوه عدة أهمها؟ 1- إن الحروب قد أغلقت أكثر أبوابها وانحصرت،
وانحسر ظلها، فانحسر بذلك ما قد يترتب عليها، في حال انتصار المسلمين من غنائم. 2- إن نتائج هذه الحروب، ليست مضمونة إلى جانب المسلمين في كثير من الأحيان. بل بالعكس فقد تكون نتائجها في غير صالحهم، فتكون الغنائم من نصيب أعداء الإسلام. وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة – على القول بالتخصيص – نضوب موارد الدولة الإسلامية، أو تقصيرها عن تغطية أعباء الأمة ومصارفها كما سبق وقلت. ولذا كان الحكم بعموم وجوب الخمس في كل فائدة يحصل عليها مسلم، كما تقدم عرضه، مع أدلته أنسب للإقتصاد الإسلامي، وأليق بوضع الأمة المسلمة.