مجمل الثورات والتحركات في منطقتنا العربية في الأشهر الست الأخيرة أنعشت نفوسنا أو على الأقل أعادت شيئاً من الأمل بقدراتنا في تصويب الأمور باتجاه أهداف الأمة في العزة والكرامة . ما تحقق حتى الآن لم يكن أحد يتوقعه حتى في أفضل حالات التفاؤل , لأن الأنظمة المفروضة علينا منذ ما سمي ” استقلالاً ” في القرن الماضي تتميز بالشدة والبطش بجميع مستوياتها وأصنافها … دون حسيب أو رقيب محلي أو دولي , بل إن كافة الأنظمة تلك ” مُشرْعنة ” بفسادها وجرائمها من جهات ودول ومنظمات دولية , ظاهرها إنساني , وباطنها العذاب بسبب استعمارها وماضيها وتسلطها وحقدها .
لكن , ماذا بعد هذه الفرحة , هل تدوم وتصل إلى شاطئ أمانها أم تُغتال في منتصف الطريق ؟!
إن نظرة متأملة لِما آلت إليه الأوضاع في مصر وتونس على الأقل , و”العَسْعَسْة ” الليبية واليمنية تدعو على الأقل إلى الحذر المريب الذي هو أحسن الاحتمالات المتوقعة من الدول الباطشة من جهة, والأنظمة المرتعبة التابعة لها من جهة أخرى , حيث نرى تحركات علنية فضلاً عن السرية والتي هي أكبر وأخطر , همُّ تلك التحركات تلقُّفُ الصدمة ثم تشتيتها ولو أخذ ذلك شيئاً من الوقت , خاصة مع وجود نقاط ضعف بارزة في التحركات الشعبية العربية , يستفيد منها الأعداء وعملاؤهم الحاكمون في هذه المنطقة .
ومن أبرز هذه النقاط , عدم وجود شخصيات بارزة وازنة يُحسب لها حساب لو قامت أو قعدت أو قالت أو أمرت , وكذلك عدم وجود تنظيم أو جهة يُنتظر رأيها أو قرارها .
وهنا نتذكر الحاضر الأكبر لمثل هذه المواقف الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران .
فلا يكفي هنا الحديث عن دور الشباب وثورتهم لمجرد استعمالهم وسائل الإتصال الألكترونية , فحديث ” الإغراء ” هذا عن الشباب, يُسخِّف ويُحاصر الشعوب ومن أكثر من جهة ويُضفي شيئاً من الخِفَّة على قضايا الأمة المصيرية , ويسدل الستار عن عناوين رئيسية تهم كل الأمة أفرادا وجماعات وعلى إختلاف مشاربهم, وهي جزء من هوية هذه الأمة كالقضايا القومية والإسلامية والإستراتيجية , وفي مقدمتها قضية فلسطين , لحساب “الشباب” لمجرد أنه عاطل عن العمل مُحب للحياة والذي يريد أن يعيش فحسب !
فلا بد لكي نحافظ على إنجازاتنا , والتي من دون إتمامها لا نكون قد فعلنا شيئاً , أن يتواضع الجميع للجميع دون تمييز وتفريق بين الفعاليات والمستويات أيا كانت , إضافة للجزم أن أعداءنا التاريخيين الذين لم تتوقف معركتنا معهم يوماً , ليسوا نائمين ولا غافلين بل يُخططون ويَتحكَّمون بأكثر من باب وشباك للولوج والانقضاض علينا وعلى كل وجوه وجودنا وهويتنا .
معركتنا أكبر من أن تنتهي بإعلان ” عن انتصار ثورة” !