لازالت الأوضاع الأمنية والسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وكما في السابق، تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على تطورات القضية الفلسطينية.
فمن ناحية يواصل الشعب الفلسطيني إنتفاضته ضد الكيان الإسرائيلي التي عرفت بإنتفاضة القدس في الضفة الغربية والقدس الشرقية ويرفع في الوقت نفسه من مستوى إستعداداته العسكرية للدفاع عن قطاع غزة والتصدي للسياسات التوسعية للكيان الإسرائيلي.
في مقابل ذلك يسعى الكيان الإسرائيلي إلى مد جسور التطبيع الدبلوماسي مع بعض الدول العربية لمواجهة إحتمال إندلاع حرب مع حزب الله في جنوب لبنان أو حركة “حماس” في قطاع غزة.
في هذا المقال سنشير بشكل موجز إلى هذه التطورات وأثرها على مستقبل القضية الفلسطينية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام:
ألف) إنتفاضة القدس
إندلعت هذه الإنتفاضة قبل أكثر من ستة أشهر، وتحديداً في مطلع تشرين الاول / أكتوبر من العام الماضي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأسفرت هذه الإنتفاضة حتى الآن عن إستشهاد أكثر من 200 فلسطيني وجرح أكثر من 16 ألف آخرين.
وتمكنت هذه الإنتفاضة من تقويض القدرة الأمنية للكيان الإسرائيلي وزرع القلق في نفوس قادة الإحتلال السياسيين والعسكريين على حد سواء بفضل العمليات الجهادية التي ينفذها الشباب الفلسطيني والتي أدخلت الذعر في نفوس المستوطنين والقوات الإسرائيلية وأربكت حسابات الأجهزة الأمنية والعسكرية في هذا الكيان.
وطبقاً لإحصائيات المراكز الإسرائيلية بات أكثر من 77 بالمئة من المستوطنين يشعرون بالقلق من العمليات الفلسطينية المفاجئة، فيما أكد نحو 52 بالمئة من هؤلاء المستوطنين بأنهم لا يشعرون بالأمن أصلاً جراء هذه العمليات.
وزعم بعض قادة الكيان الإسرائيلي بأن إنتفاضة القدس قد توقفت بسبب إنخفاض عدد العمليات التي ينفذها الفلسطينيون ضد المستوطنين والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس خلال الأسابيع الأخيرة، إلاّ أن العملية التي نفذها الفلسطينيون بتاريخ 18 ابريل / نيسان الماضي ضد حافلة تقل مستوطنين في القدس المحتلة وأدت إلى مقتل 21 منهم، جعلت الكثير من المراقبين والمحللين يعتقدون بأن إنتفاضة القدس قد دخلت مرحلة جديدة وستلحق خسائر كبيرة جداً بالكيان الإسرائيلي.
ب) إحتمال حصول عدوان اسرائيلي جديد ضد قطاع غزة
يواجه الكيان الإسرائيلي مقاومة فلسطينية تزداد صلابة يوماً بعد آخر. فمنذ بداية العام الجاري حذّر قادة الكيان من القوة المتزايدة لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لاسيّما من قبل حركة “حماس”. وتتمثل هذه القوة بشكل أساسي بالقدرة الصاروخية للمقاومة من جانب، وحفر الأنفاق بين القطاع والمناطق المحاذية له التي يسيطر عليها الكيان الإسرائيلي من جانب آخر. وتسببت هذه الأنفاق في زيادة القلق داخل المستوطنات الإسرائيلية في شمال وشرق غزة من إمكانية إستخدامها من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية في أي مواجهة محتملة. ولهذا يعتقد المراقبون بأن الكيان الإسرائيلي يعد العدّة لشن عدوان جديد على القطاع.
وتجدر الإشارة إلى أن الكيان الإسرائيلي كان قد حذّر من إمكانية إندلاع حرب مع حزب الله في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، لكنه رجّح في الوقت نفسه أن لا تقع هذه الحرب في وقت قريب بسبب إنشغال حزب الله في الدفاع عن سوريا. وهذا الأمر يعزز من إحتمال إستغلال الكيان الإسرائيلي لهذه الفرصة لشن عدوان على غزة في وقت قريب، وربّما يحصل هذا العدوان خلال العام الجاري بحسب الكثير من المراقبين.
وهناك قرائن أخرى تشير إلى إمكانية وقوع هذا العدوان قريباً، منها إخلاء العديد من المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع من ساكنيها خشية تعرضها لهجمات فصائل المقاومة الفلسطينية التي حذّرت في وقت سابق الكيان الإسرائيلي من ردة فعل شديدة في حال إرتكابه لحماقة العدوان على غزة.
وبسبب تغاضي معظم الدول العربية والإسلامية عن القضية الفلسطينية وإنشغال بعضها في أزمات داخلية أو عدوان خارجي كما يحصل في سوريا والعراق واليمن يبدو إحتمال شن العدوان على غزة من قبل الكيان الإسرائيلي في وقت قريب أمراً غير مستبعد.
ج) التحالف العربي- العبري
بعد أن أصبحت القضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات معظم الدول العربية والإسلامية، تمكن الكيان الإسرائيلي من رفع مستوى تنسيقه وتعاونه مع عدد من دول المنطقة بينها السعودية والإمارات ومصر وتركيا. وهذا التنسيق والتعاون يهدف في الحقيقة إلى مواجهة محور المقاومة في المنطقة لاسيّما إيران وحزب الله. وتمخض عن هذا التنسيق تحويل الأنظار عن الخطر الاساسي الذي يهدد المنطقة والمتمثل بالكيان الإسرائيلي وتوجيه العداء بدلاً عن ذلك إلى إيران وحزب الله، وتمهيد الأرضية للإعتراف الرسمي بالكيان الإسرائيلي من قبل الدول المتواطئة معه في المنطقة.
وساهم في زيادة هذا التنسيق العداء المشترك لسوريا وتوظيفه لصالح الكيان الإسرائيلي الذي إستغل هذه الظروف لشن عدة هجمات على سوريا وتنفيذ سلسلة إغتيالات ضد قادة ورموز المقاومة في مقدمتهم الشهيد مصطفی بدر الدین والشهيد سمير القنطار.
وساهمت مصر أيضاً بتقوية الجانب الإسرائيلي من خلال تشديد الحصار على قطاع غزة لخنق حركة “حماس”، كما تحول الأردن ودول إقليمية أخرى إلى قواعد عسكرية لتنفيذ إستراتيجية واشنطن في إطار ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير” الرامي إلى تقسيم المنطقة ونهب خيراتها والتحكم بمصيرها خدمة للكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين وفي مقدمتهم أمريكا.