الرئيسية / أخبار وتقارير / حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر

حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر

ان حركة التقريب المصرية كانت حركة علمية وعلمائية، والشاهد على ذلك تركيز رواده على إصدار المجلة وفتح الباب أمام دراسات علمية وإجراء مراسلات علمائية.

▪ ظهور التقريب من افق مصر
 
 تم في عام 1947، إنشاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر، وقد كان انشاءها بداية لحركة عميقة ونزيهة، وحركة صالحة وصادقة. إن أبعاد وأعماق هذه الحركة اوسع وأكبر من ان يستطيع بحث او كلام من تغطيتها، وفيما يلي محاولة لاعطاء صورة أولية لها، وذلك ضمن نقاط:

  
▪ طبيعة الحركة
  
ان حركة التقريب المصرية كانت حركة علمية وعلمائية، والشاهد على ذلك تركيز رواده على إصدار المجلة وفتح الباب أمام دراسات علمية وإجراء مراسلات علمائية.
  
▪ انجازات الحركة
  
1. التأثير على المجتمع والتاريخ:
  
وقد أسفرت هذه الحركة حقاً عن تأثير عميق على الوحدة الإسلامية، فكان للتقريب في ذلك الزمان صدى قوي، ما زالت ارتداداته في التاريخ الإسلامي موجودة إلى يومنا هذا، شأنه شأن باقي الحركات، والدليل على ذلك هو أنّنا ما زلنا نستفيد منها في التقريب إلى يومنا هذا.
  
والحقيقة انه لا ينبغي إغفال التاريخ العريق لدار التقريب المصرية، حيث رُسمت فيها المبادئ الفكرية للتقريب وتكونت لها أدبيات خاصة ومفاهيم عميقة، على أنّ بعض تلك المبادئ والمفاهيم ما زالت في مراحلها الابتدائية وبحاجة إلى إعادة نظر وتطوير، وبعضها بلغ حدّ الكمال، وليس بخفي أنّنا استفدنا كثيراً في التقريب الذي تبنّته الثورة الإسلامية من ذلك التقريب المصري.
  
2. التأصيل العلمي (ووضع القواعد):
  
قد استطاعت الحركة التقريبية المصرية من وضع قواعد مهمة للتقريب، وفيما يلي نماذج من ذلك:
  
• قاعدة العذر (أن يعذر بعضنا البعض في الاجتهاد).
  
• قاعدة التفرقة بين الخلاف والاختلاف.
 
• قاعدة الاختلاف المهذب.
 
• قاعدة اقتضاء الوحدانية للوحدة.
 
والحق ان دائرة عملية التأصيل العلمي لحركة التقريب المصري كانت واسعة، وما ذكرناه جاء من باب النموذج.
 
3. اعادة صياغة أسباب الاختلاف:
 
ومن جملة ما حصل في هذه الحركة قيام علماءها التقريبيين بالقاء الضوء العلمي على اسباب الاختلاف مما تمكنوا به من جعلها هادفة وواعية ومفيدة، وجعلها ذات صياغة متلائمة مع متطلبات ومستجدات الوحدة الاسلامية، ويعتبر هذا التحول العلمي مهما للغاية، يجب الالتفات اليه وتفعيله وتقويته في الظروف الحالية.
 
4. الباس التقريب لباس الفقه:

الحقيقة أن النهضة التقريبية في مصر قد انبثقت وانطلقت من الاعتقاد بأن التقريب بين المسلمين واجب فقهي، وكان هذا الاعتقاد يتقوى كلما كانت النهضة تتحرك نحو الأمام.

وكمثال على التركيز على القول بوجوبه الشرعي، ما جاء في كلمة التحرير لمجلة رسالة الاسلام وهو كلام الشيخ محمد محمد مدني (الذي كان من المفكرين والمؤسسين الكبار للتقريب) حيث قال: ان “التقريب بين المسلمين والعمل على جمع كلمتهم ولم شعثهم وتطهير قلوبهم من الاضغان التي اورثتهم اياها الخلافات النظرية واجب من اهم الواجبات التي يسأل عنها المؤمنون”. (رسالة الاسلام، ج 5 ص 4)
  
5. ازالة الحساسيات والخوف في العلاقات بين السنة والشيعة:
 
والكلام في ذلك كثير وطويل. وخلاصة القول ان الحساسيات قلت وان الخوف بينهما زال، ولم يحصل ذلك الا كنتيجة طبيعية لعمق الأفكار في هذه الحركة والصدق الكامل لروادها، جاء في كلمة التحرير لمجلة رسالة الاسلام: “لم يكن هدفنا في يوم ما ان نعمل على تكثير السنة على حساب الشيعة او تكثير الشيعة على حساب السنة، ولم يكن من اهدافنا في يوم ما أن نجادل عن لون معين من المعارف ارتضاه هذا المذهب او ذاك ولا ان نبث فكرة معينة او نظرية خاصة في طائفة او عن طائفة”. (رسالة الاسلام 10: 4)
  
▪ عوامل حدوثها
  
أولا: الارضية العامة لحدوثها:
 
انه بصورة عامة يمكن اعتبار حركة التقريب المصرية منبثقة من صلب حركة السيد جمال الدين (حيث كانت مصر أرضها الخصبة ومحلها الرحب لتواجد أبرز أصحابها، مثل: الشيخ محمد عبده)، الا انه لا بد من تصنيفها كمرحلة تاريخية مستقلة، وذلك نظرا لخصائصها المهمة.
 
ثانيا: الارضية الخاصة لحدوثها:
 
ان الذي كان وراء هذه الحركة العظيمة -بصورة خاصة – كمسبب ومحرك لها هو التبادل الواعي والصادق والناصح الذي وقع بين الشيخ شلتوت (شيخ الأزهر في ذلك الحين)، وآية الله البروجردي (المرجع الوحيد للشيعة في ذلك الوقت) فهما قاما ودعما وأطلقا هذه الحركة المباركة.
 
▪ عوامل انحسارها
  
ثمة عوامل دفعت إلى إصابة ذلك التقريب بالضعف والانحسار، مضافاً إلى أسباب أخرى.
  
ضرورة دراسة عوامل الضعف:
 
ثمة عوامل عديدة أسهمت في ضعف جهود دار التقريب في مصر وانزوائها رويداً رويداً، أهمها:
  
أ‌) غياب الرؤية الشاملة إلى العلاقات الاجتماعية لدى الأجيال التي تلت المرحومين: الشيخ شلتوت وآية الله البروجردي، وببيان آخر انعدام التنظير الصحيح في موضوع التقريب في الاجيال اللاحقة بشكل متناسب مع الاوضاع المستجدة.
 
ب‌) ووفاة أعمدة التقريب في تلك الحقبة من الفريقين الشيعي والسني.
 
ت‌) ظهور سياسات التفرقة في المنطقة.
 
ث‌) وقوع بغض السلوكيات غير الصحيحة: وهي التي صدرت وتصدر عن بعض الشيعة وعن بعض أهل السنة على حدّ سواء أسهمت في إضعاف التقريب وأثرت بشكل سلبي عليه، بل وأوجدت نحواً من اليأس والقنوط.
 
 ▪ دعوة متوجهة الى علماء مصر
  
نحن ندعو المصريين إلى إحياء وتجديد وتفعيل تجربتهم التاريخية المهمة في التقريب، فان ذلك فرصة كبيرة للأمة فيما لو حصلت.
 
 ▪ حقيقة نعتز بالاعتراف بها
 
 
لابد من ان نعترف ان الرجال الذين عملوا في الحركة التقريبية المصرية (سواء السنة منهم او الشيعة) جدير بان يسموا “رجال السلام والسلم في الامة”، فجزاهم الله أحسن الجزاء، فقد كانوا مخلصين وصادقين وناصحين وواعين وعالمين، رحمة الله عليهم.
 
فياليت الامة تتمكن يوما من ان تدرك عمق ما كان قد فعلوا، فتقوم بإحياء شخصياتهم وتكريمها.
 

بقلم: الدكتور أحمد مبلغي، رئيس جامعة المذاهب الإسلامية في ايران

 

شاهد أيضاً

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف شيخ الأزهر أعلن ...