كان االهجاء مع دعبل مسيرة درب طويلة رافقته حتى آخر لحظات حياته إلى حد كان
صفته البارزة : هجاه مقذع كما وصفه ابن خلكان بذىء اللسان مولعا بالهجو هجا
الخلفاء فمن دونهم وطال عمره فكان يقول : لي ثلاثون سنة احمل خشبتى على كتفي ما
أجد من يصلبنى عليها .
واليك اخى القارئ بعض ما جاء في هجاء دعبل :
أخبرني الأخفش قال : حدثنا محمد بن يزيد قال ( 1 ) :
بلغ إسماعيل بن جعفر بن سليمان ان دعبلا هجاه فتوعده بالمكروه وشتمه وكان
إسماعيل بن جعفر على الأهواز فهرب من زيد بن موسى بن جعفر بن محمد لما ظهر و
بيض في أيام أبى السرايا فقال دعبل بن على يعيره :
* لقد خلف الأهواز من خلف ظهر
يريد وراء ازاب من ارض كسكر ( 2 ) .
* يهول إسماعيل بالبيض والقنا
وقد فر من زيد بن موسى ين جعفر
* وعاينته في يوم خلى حريمه
فيا قبحها منه ويا حسن منظر
أخبرني الحسن بن على قال : حدثني ابن مهروية قال : حدثني احمد بن أبى كامل قال :
كان دعبل ينشدنى كثيرا هجاء قاله فأقول له : فيمن هذا فيقول ما استحقه أحدا
بعينه بعد وليس له صاحب فإذا وجد على رجل جعل ذلك الشعر فيه وذكر اسمه
في الشعر ( 1 ) .
دعبل يهجو محمد بن عبد الملك الزيات ( 2 )
كان دعبل قد مدح محمد بن عبد الملك الزيات فأنشده ما قاله فيه وفى يده طومار
وقد جعله على فمه كالمتكىء عليه وهو جالس فلما فرغ امر له بشئ لم يرضه
فقال يهجوه :
* يا من يقلب طومارا ويلثمه
ماذا بقلبك من حب الطوامير
* فيه مشابه من شئ تسر به
طولا بطول وتدويرا بتدوير
* لو كنت تجمع أموالا كجمعكها
إذا جمعت بيوتا من دنانير
هجاؤه جارية عبثت به ( 3 )
حدثني أبو خالد الأسلمي الكوفي قال :
اجتمعت مع دعبل في منزل بعض أصحابنا وكانت عنده جارية مغنية صفراء مليحة
حسنة الغناء فوقع لها العبث بدعبل والعنت والأذى له ونهيناها عنه فما
انتهت فاقبل علينا فقال : اسمعوا ما قلت في هذه الفاجرة فقلنا : هات فقد
نهيناها عنك فلم تنته فقال :
* تخضب كفا قطعت من زندها
تخضب الحناء مسودها
* كأنها واكحل في مرودها
تكحل عينيها ببعض جلدها
أشبه شئ استها بخدها
قال : فجلست الجارية تبكى وصارت فضيحة واشتهرت بالأبيات فما انتفعت
بنفسها بعد ذلك .
دعبل يهجو أخاه وزوجته
وقال في أخيه رزين بن على الخزاعي يهجوه كما في تاريخ دمشق ( 1 ) :
* مهدت له ودى صغيرا ونصرتي
وقاسمته مالي وبواته حجري
* وقد كان يكفيه من العيش كله
رجاء وباس يرجعان إلى فقر
* وفيه عيوب ليس يحصى عدادها
فاصغرها عيبا يجل عن الكفر
* ولو انني أبديت للناس بعضها
لا صبح من بصق الأحبة في بحر
* فدونك عرضى فاهج حيا فان أمت
فاقسم الا ما ( فعلت ) على قبري
وهجا امرأته فقال كما في تاريخ دمشق :
* يا ركبت خزر وساق نعامة
وزبيل كناس ورأس بعير
* يا من أشبهها بحمى نافض
قطاعة للظهر ذات زئير
وتجد في صفحات هذا الديوان الكثير من هجاء دعبل
دعبل والغزل
لم نجد كثير من الغزل في شعر دعبل سوى ما ذكر في بعض صفحات المترجمين ففي
الأغاني ( 2 ) حدثني جعفر بن قدامة قال : حدثني محمد بن المرتجل بن احمد بن يحيى
المكي قال :
كان أبى صديقا لدعبل كثير العشرة له حافظا لغيبه وكل شعر يغنى
فيه لدعبل فهو من صنعة أبى وغنائى من صنعة أبيه في شعر دعبل والطريقة فيه
خفيف ثقيل في مجرى البنصر :
* سرى طيف ليلى حين آن هبوب
وقضيت شوقا حين كاد يذوب
* فلم ار مطروقا يحل برحله
ولا طارقا يقرى المنى ويشيب
وفى تاريخ دمشق : بينما دعبل جالس على باب داره بالكرخ إذ مرت جارية لابن
الأحدب تخطر في مشيتها وتنظر في اعطافها وكانت شاعرة فقال لها ( 1 ) :
* دموع عيني بها انبساط
ونوع عيني به انقباض
فقالت مسرعة .
* ذاك قليل لمن دهته
بلحظها الأعين المراض
فقال :
فهل لمولاتى عطف قلب
أم للذي في الحشى انقراض
فقالت :
* ان كنت تهوى الوداد منا
فالود في ديننا قراض
قال فعدلت بها عن ذلك الروى فقلت :
* أترى الزمان يسر نا بتلاق
ويضم مشتاقا إلى مشتاق
فقالت :
* ما للزمان يقال فيه وانما
أنت الزمان فسرنا بتلاق