قال سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة ان “في تاريخ الإسلام رجال شكلوا قدوة ونموذجاً وعنوناً مشرقاً لكل الأجيال المتعاقبة والآتية، حيث قدم الإسلام للبشرية نماذج صنعها الإيمان وصنعها الاسلام وحب لقاء الله، فكانت هذه النماذج صفوة البشر بعد الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار المعصومين(ع)، من هؤلاء.. حمزة بن عبد المطلب الذي استشهد في معركة أُحد التي وقعت في مثل هذه الأيام من شهر شوال من العام الثالث للهجرة”.
اضاف “كان حمزة بن عبد المطلب من السابقين الأولين الى الإيمان والإسلام, ومن المهاجرين الأوائل الذين وقفوا الى جانب النبي(ص) ودافعوا عنه ونصروه، ومن أولئك الذين قال الله تعالى فيهم: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[التوبة:100].
هؤلاء الذين مثلوا الى جانب الأنبياء والرسل والأئمة(ع) القدوة الحسنة التي أمر الله باتباعها والأخذ عنها والتعلم منها, التعلم من هديها وإيمانها وأخلاقها وسلوكها ومواقفها وتضحياتها, والتعلم من ثباتها وصبرها وشجاعتها وبسالتها حيث يقول تعالى: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ))
[الأنعام:90].حمزة بن عبدالمطلب الذي عرف بأسد الله تعالى وأسد رسوله (ص) هو عم رسول الله (ص) وأخوه من الرضاعة ، وكان أكبر من رسول الله(ص) بسنتين.وكانت تربطهما ببعضهما علاقة قوية نظراً لتقارب سن حمزة مع سن رسول الله (ص) وقرابته منه ونشأتهما في بيت واحد,هو بيت عبد المطلب الذي احتضن النبي(ص) ورباه ورعاه رعاية خاصة, فقد كان حمزة أقرب وأحب أعمام رسول الله(ص) إلى قلبه، وقد رافق رسول الله(ص) قبل أن ينزل عليه الوحي عندما أراد أن يخطب خديجة ويتزوج بها.وكان الحمزة رجلاً على جانب كبير من الشجاعة، وكان يحب الفروسية والصيد، وكان له حضور قوي في مجتمع قريش وكانوا يهابونه ويخافونه لشجاعته “.
وتابع “أسلم حمزة في السنة السادسة من البعثة النبوية الشريفة على الأرجح , وجاء في قصة إسلامه: أنَّ أبا جهل بن هشام مَرَّ برسول الله (ص)وهو جالس عند الصَّفَا فآذَاهُ وَشَتَمِهُ، ونالَ منه ومن دينه، فانصرف رسول الله (ص) ولم يكلمه ، وسمعته امرأة كانت تسكن فوق الصفا، فلم يلبث حمزة بن عبدالمطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من صيد له، وكان يهوى الصيد ويخرج له، وكان إذا رجع من صيده لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، فأخبرته بما جرى للنبي من أبي جهل وقالت له: يا أبا عُمَارَةَ! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً قبل أن تأتي من أبي الحكم بن هشام! وجده هاهنا جالساً فسبه وآذاه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه ، قال: فغضب حمزة غضباً شديداً ، وخرج سريعاً لا يقف على أحد حتى دخل المسجد فنظر إلى أبي جهل وكان جالساً مع جماعة الى جانب الكعبة ، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة فَشَجَّهُ به شَجَّةً منكرة وقال: [ أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟! فرد ذلك عليَّ إن استطعت ] وقام رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا له: ما نراك إلا قد صبأت! فقال حمزة وما يمنعني؟ وقد استبان لي منه أنه رسول الله والذي يقول حق؟ فوالله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين, فقال أبوجهل: (دعوا أبا عُمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً).
والذي يبدو من كلمات حمزة أن إسلامه كان عن وعي وقناعة ولم يكن بدافع الحمية أو العاطفة كما لم يكن أمراً إرتجالياً فرضته لحظة الغضب والإنفعال والثأر لكرامة النبي(ص) والدفاع عنه لما تربطه به من قرابة وعلاقة نسبية به وعائلية كون محمد هو ابن أخيه وهو عمه.. بل كان اسلامه عن قناعة كاملة باحقية رسول الله (ص) وصدق دعوته, وقد كونها حمزة مما سمعه عن قرب من رسول الله عن هذا الدين, وما شاهده من سلوكه وأخلاقه ومواقفه وتضحياته واستعداده لتقديم كل شيء في سبيل الدين والرسالة.
وقد كان اسلام حمزة تطوراً جديداً في تلك المرحلة فاجأ قريشاً, حيث لم يدخل في حساباتها أن رجلاً بوزن حمزة يمكن أن يدخل في الإسلام, ولذلك اسلام حمزة قلب الموازين وغير معادلات تلك المرحلة, وأشعر قريشاً بالإحباط, وزاد من مخاوفها, وفرمل اندفاعتها بوجه الإسلام, وفي المقابل أعز الله المسلمين بإسلام حمزة وزادهم قوة ومنعة وإرادة وشكيمة وحصانة .
ولذلك وجدنا كيف أن المشركين بعد اسلام حمزة تراجعوا عن بعض مواقفهم الكيدية والعدائية, ولانا موقفهم من النبي(ص), وكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه النبي(ص) والإسلام, ودخلوا معه في مفاوضات وتسويات وأذعنوا لبعض مطالبه.. لأنهم رأوا كيف أن الإسلام يزداد قوة وأن المسلمين يزدادون عدداً, ولكن النبي(ص) رفض كل عروضهم في النهاية وقال كلمته المشهورة: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ماتركته.و كان حمزة المجاهد الذي دافع عن الإسلام و عن رسول الله(ص) ليس في تلك المرحلة فقط, بل في كل المراحل والظروف والأوضاع.فقد هاجر مع النبي (ص) الى المدينة, وكان من أوائل المهاجرين.وشارك في السرايا والتشكيلات والمناوشات العسكرية الاولى التي كانت تحصل مع المشركين بعد الهجرة وقبل بدر.و شارك في معركة بدر و أبلى فيها بلاءً حسناً, حيث ساهم الى جانب علي (ع) في قتل العديد من صناديد قريش وفوارس المشركين فقتل عتبة أبا هند زوجة أبي سفيان وأخاها وعدداً من أعز من لديها.
وشارك في معركة أحد وكان من أبطالها والمساهمين في تحقيق النصر فيها في المرحلة الأولى من المعركة , هذا النصر الذي كان بالإمكان أنيكون نهائياً وحسماً لولا عيان بض المنسلمين لأوامر النبي(ص) وعم انضباطهم والتزامهم يتوجيهات النبي(ص) وتعليماته.
وقال سماحته “ولأن حمزة فتك بالمشركين في هذه المعركة و قبلها في معركة بدر و قتل عتبة أبا هند و قتل أخاها فقد كان هدفاً مطلوباً لهند زوجة أبي سقيان, فأوعزت إلى وحشي أن يترصده ويلاحقه ليغدر به ويقتله, ففعل وحشي ذلك وتمكن من الوصول إليه والغدر به فسقط شهيداً في ارض المعركة. و لأن قلب هند كان يعتمل حقداً وغيظاً فقد مثلت بجسده الشريف وقطعت بعض أعضاءه وبقرت بطنته و أستخرجت كبده ولاكته ولم تستسغه لأن لحم حمزة حرم على النار كما قال رسول الله (ص), ولذلك سميت هند بآكلة الأكباد, فكانت بذلك قدوة للإرهابيين قاتلي الأبرياء و قاطعي الرؤوس وباقري البطون.. بينما كان حمزة ملهم المجاهدين يستلهمون منه القوة والشجاعة والصبر والثبات والاستعداد للدفاع عن الدين والوطن والاهل في مواجهة المحتلين والمعتدين والارهابيين.
الشباب المسلم الذي يتم تضليله اليوم من قبل الجماعات التكفيرية الإرهابية واستدراجه الى الفتنة واستخدامه كأداة لخدمة أهداف مشبوهة تحت عناوين وشعارات طائفية ومذهبية, ولخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة مطاب بأعادة النظر في سلوكه ومنهجه واستلهام القدوة الصالحة من أمثال حمزة بن عبد المطلب الذي لم يستدرج إلا للدفاع عن الإسلام ورسول الإسلام وقيم الدين في مواجهة من كان يريد اسقاط الدين من حياة الناس والقضاء على الإسلام وتشويه صورة نبي الإسلام”.
” الأمة الإسلامية التي تمر اليوم بأشد حالات الضعف والوهن والعجز أمام عدوها الحقيقي المتمثل بإسرائيل في أمس الحاجة إلى استلهام القدوة، والسير على خطى أولئك الأوائل من المؤمنين الصادقين؛ الذين وقفوا في مواجهة اليهود من بني قينقاع وغيرهم الذين أرادوا ان تبقى لهم الهيمنة والسيطرة الدينية والثقافية والإقتصادية والسياسية في شبه الجزيرة العربية فجاء النبي ومعه عمه حمزة ووضع حداً لهيمنتهم ونفوذهم وهزمهم في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وفي خيبر وطردهم من الجزيرة العربية.
حمزة كان ممن استخدم قوته وشجاعته وعنفوانه في مواجهة الأعداء, أعداء الدين والأمة, وليس في مواجهة الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين , كان يخيف ويروع أعداء الله ورسوله وليس الآمنين في بيوتهم وأسواقهم ومناطقهم كما يفعل الارهابيون والصهاينة.وقد استلهم المجاهدون في المقاومة الإسلامية منه ومن أمثاله القوة والشجاعة والثبات في مواجهة الصهاين والتكفيريين الإرهابيين”.
واعتبر انه في مثل هذه الايام من تموز العام 2006 وقف المجاهدون في المقاومة الاسلامية و معهم أهلهم و شعبهم الوفي وكل الاحرار والشرفاء في العالم في وجه أبشع عدوان تعرض له لبنان في تاريخ الصراع مع الاسرائيلي, وقفوا بكل شجاعة وقوة وحموا لبنان بأرواحهم ودمائهم, وقاتلوا دفاعاً عن سيادته وكرامته وكرامة أهله وشعبه, واستطاعوا الى جانب الشعب والجيش الوطني وبالرغم من وحشية العدوان, والدعم الدولي له, وتواطؤ بعض العرب معه ممن يغامرون اليوم في الحرب على اليمن وسوريا, أفشال العدوان .
لقد أفشلت المقاومة ,بجهادها وثباتها وقدراتها على صنع المفاجآت والإنجازات, العدوان ولم يتمكن العدو من تحقيق أهدافه وأوهامه, وخيبت أماله وأمانيه, وصنعت نصراً إلهياً تاريخياً استراتيجيا أثبت أن ارادة المقاومة وإرادة شعبنا الصابر الوفي اقوى من إرادة العو ومن جبروت الصهاينة وأرهابهم, وأن المقاومة هي ضمانة اللبنانيين الحقيقية للاستقرار وهي في إطار معادلة الجيش والشعب والمقاومة الأقدر على حماية لبنان من الصهاينة والتكفيريين”.
المصدر: موقع المنار