الوقت- تكتسب معركة الموصل أهمية خاصة لدى الأطراف الإقليمية كافة، لا سيما لأهمية نتائجها وآثارها على الصعيدين الجيوسياسي والجيوعسكري للصراع ضد تنظيم داعش الإرهابي. فيما يبدو واضحاً أن المساعي الغربية وخصوصاً الأمريكية للتدخل في المعركة، ليس مُبَرراً ولو أعلنت واشنطن أنها تهدف لمساعدة العراقيين. فإن وضع أمريكا الحالي لا سيما على الصعيد الداخلي وإنشغالها بالإنتخابات الأمريكية، الى جانب خسارتها في العديد من الملفات، لا سيما في سوريا، يطرح العديد من علامات الإستفهام حول الدور الأمريكي في الموصل! بعيداً عن التحليلات الخاصة، نُسلط الضوء في هذا المقال، حول التطورات العسكرية التحضيرية في الموصل. ونُجيب عن مسار العمليات المُتوقع ودلالات المعركة بموضوعية.
تقريرٌ حول آخر التطورات في الموصل
أعلنت قوات البيشمركة الكردية استئناف عملياتها العسكرية الإثنين، بعد توقف قصير حيث تمكنت من إستعادة السيطرة على قرية كنهش ضمن محور الكوير جنوب الموصل، ليصبح عدد القرى التي سيطرت عليها، 11 قرية في محوري الكوير والخازر. من جانبه، أفاد مصدر أمني في قيادة عمليات نينوى، بأن القوات العراقية تمكنت الإثنين من استعادة السيطرة على قريتي النورات والجواعنة في ناحية القيارة جنوب الموصل.
والثلاثاء، أعلنت القوات أنها سيطرت على جسر الكوير الإستراتيجي الذي يربط بين الموصل وكركوك. فيما قال مصدر في قوات البيشمركة للإعلام، أن ذلك التقدم يعني أن المناطق التي تلي الجسر، أصبحت خارج مدى القصف الصاروخي والمدفعي لتنظيم داعش. وأضاف المصدر أن الجسر يمثل الخط الفاصل بين قوات البيشمركة ومناطق جنوب شرق الموصل، فضلاً عن كونه سيساعد القوات الكردية على التقدم نحو الموصل ومن ثم اقتحامها، وذلك بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية في المحور الجنوبي الشرقي، أي الساحل الأيسر لمدينة الموصل.
من ناحية أخرى، ذكرت تقارير صحفية، أن مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، واجهوا الغارات الجوية من خلال محاولة إرسال عربات مفخخة إلى الخطوط الأمامية للقوات الكردية في محاولة لإعاقة تقدمها. فيما أشار قائد كردي الى أن أكثر من 5000 جندي ومقاتل يشاركون في الهجوم على الموصل.
التحضيرات للمعركة ومسار العمليات: قراءة وتحليل
يجري الحديث في الإعلام عن إستعداداتٍ للمعركة تحدث، مع تأكيد المصادر على أهمية المعركة وحساسيتها. فيما يمكن سرد وتحليل ما يُروَّج له بالتالي:
أولاً: لا تزال معركة الموصل من دون موعد مُحدد على الرغم من الحديث عن أنها ستُنجز قبل نهاية العام الحالي. فيما يوجد الكثير من العقبات، والتي تتمثَّل بمصداقية الطرف الأمريكي والغربي، والذي يبحث عن مصالحه من المعركة، وليس كما يدعي القضاء على الإرهاب. فيما يُعتبر موضوع المدنيين أحد أهم الأولويات.
ثانياً: يبدو واضحاً وبغض النظر عن الأطراف المشاركة، بأن مسار العمليات العسكرية يهدف لتأمين الخطوط الخلفية قبل البدء بعملية التحرير. وبحسب الخبراء العسكريين، فإن عدة خطوط يجب تأمينها، للسماح للقوات بدخول المدينة من عدة محاور.
– الخط الأول يتمثل بتحرير ناحية القيارة والتي يُقدر سكانها بثمانين ألف نسمة. فيما يجري الحديث عن تقديرات بحسم المعركة فيها خلال الشهر الحالي. في حين أن السيطرة على هذه المدينة سيقطع خطوط التنظيم عن مناطق أخرى مُحيطة.
– الخط الثاني من العملية سيكون خلال الشهر المُقبل بحسب التقديرات، وسيتضمَّن تحرير الشرقاط، والتي يُقدر عدد سكانها بنحو تسعين ألف نسمة.
– الخط الثالث فهو يتمثل بالقضاء على تنظيم داعش في الحويجة التابعة لمحافظة كركوك والتي تبعد ثلاثين كيلومتراً في الجنوب الغربي. ويقدر عدد سكانها بأربعمئة ألف نسمة.
ثالثاً: ما يجري الترويج له في الإعلام، هو نفس ما تدعيه واشنطن، بأنها وبالتنسيق مع الجيش العراقي تقوم حالياً بتأمين ناحية القيارة، للأسباب التي ذكرناها سابقاً. وهو ما أعلنه العميد “روجير نوبل”، نائب القائد العام لقوات التحالف الدولي خلال مؤتمرٍ صحفي منذ يومين.
رابعاً: تُشير كافة المعطيات الى تقهقر تنظيم داعش الإرهابي في الموصل. لا سيما على الصعيد المعنوي حيث يعاني من إنكسار خصوصاً بعد خساراته المتلاحقة في الرمادي والفلوجة. فيما سيعتمد على سياسة الكمائن التكتيكية، لإعاقة تقدم القوات العسكرية في معركة الموصل. لكن الأهم، هو ما يُشير له العديد من المراقبين، ويتعلق بوضع المدنيين الذين يصل عددهم الى مليون نسمة.
دلالات معركة الموصل
بعيداً عن التوقعات، أو التحاليل التي قد تتشابك فيها المصالح. يمكن الإضاءة على عدد من الحقائق فيما يلي:
– تعتبر الموصل أكبر المدن العراقية التي ستُشَن فيها الحملة العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، مع وجود نحو 5000 عنصر تابع لداعش وفق التقديرات الأمريكية. وهو ما يمكن أن يدفع تلك العناصر لإستخدام المدنيين كدروع بشرية. في وقت أثبتت التجارب السابقة في العراق والحالية في سوريا، قيام الإعلام الغربي والأمريكي وبعض العربي للترويج لأفكار تهدف لإستخدام المدنيين كورقة في التفاوض، وكسب المصالح الميدانية.
– إن معركة الموصل هى معركة حاسمة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ليس فقط في العراق بل في المنطقة والعالم. ولا شك انه سيترتب عليها تداعيات عديدة، لن تقتصر على العراق فقط، وإنما ستمتد إلى الملفات الإقليمية الأخرى وتحديداً الملف السوري. وبالتالي فإن الوضع الإقليمي المُعقَّد، هو ما يطغى على المشهد. حيث أن التعقيدات تطال الملف السوري والعراقي كلٌ على حدة، فكيف إذا ارتبطا ببعضهم البعض.
– يوجد مخاوف من قيام أمريكا، بإستغلال الظروف الحالية، للترويج لدور وهمي لصالح العراقيين، عبر معركة الموصل، وذلك خدمة لمصالح الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تسعى لرفع أوراق الديمقراطيين في الإنتخابات الرئاسية. وهو ما يجعل العديد من المراقبين، يُحذرون من سياسات الطرف الأمريكي التي لم تكن يوماً في خدمة مصالح الشعب العراقي.
يبدو أن التحضيرات لمعركة الموصل جارية، في وقتٍ يتساءل الكثيرون عن تعدُّد الأطراف التي ولو جمعها القضاء على الإرهاب، فإن مصالحها متشابكة. في حين يُسلِّم الغيارى على مصلحة الشعب العراقي، بأن الحل الأمثل يقتضي الإستفادة من التجارب السابقة، والتي كان فيها العراقيون عرِّابوا الإنجازات الميدانية. فالأرض أرضهم وهم أولى بها. لكن الأهم اليوم هو واقع الحشد العسكري الذي يجري، والذي لا يمكن أن يمحي قلق العراقيين من الطرف الغربي وبالتحديد الأمريكي المُخادع!