الوقت- يبدو أن السلطات السعودية وأمام عجزها عن صد عمليات المقاومة اليمنية على الحدود الجنوبية، وتهاوي مواقعها الواحد تلو الآخر أمام استبسال المقاتلين اليمنيين، لم تجد من تمارس عليه بأسها وجبروتها -بعد أطفال اليمن- سوى قبائل المناطق الحدودية في الجنوب، الذين وجدوا أنفسهم أمام قرار سعودي يرغمهم على إخلاء أراضيهم، وترك بيوتهم، تحت طائلة سحب الجنسية أو الاعتقال، أو حتى الحصار ومنع وصول الماء والغذاء إلى مناطقهم.
واشعلت عمليات الإخلاء الإجبارية للسكان في هذه المناطق ردود فعل غاضبة لدى المواطنين ولا سيما سكان قبائل جيزان الصور وبني مالك وآل زيدان وآل يحيى، الذي شككوا بوجود أي مبرر مقنع لتهجيرهم.
ويسود جو من عدم الثقة بين سكان المنطقة تجاه السلطات السعودية، خاصة وأن لهم تجربة طويلة مع هذه السلطات، التي لطالما تعاملت معهم كمواطنين من درجة متدنية، وحرمتهم من العديد من الحقوق التي يتمتع بها المواطن السعودي، ومنعت عنهم امتيازات مالية ووظيفية وتعليمية كثيرة.
وقد رفضت قبائل آل زيدان وآل مالك التي تقطن أقصى شرق جبال جيزان، الانصياع لقرار التهجير، وأبدوا استعدادهم للتصدي لمحاولات اغتصاب أراضيهم، “التي يعتقدون أنها قد تُحوّل لمشاريع سياحية او تؤول لشركات” لصالح أمراء آل سعود بحجة الحرب، وقد أصدرت هذه القبائل رسالة ذكّرت فيها بأن السلطات السعودية قد نكثت بالإتفاق السابق وقع عليه ممثلوا السلطة والأهالي يضمن حصر ممتلكاتهم وتعويضهم قبل إخلائهم، إلا أن السلطات السعودية نقضت عهدها ورفضت حتى دفع المعونة الشهرية التي تمكنهم من استئجار سكن مؤقت ريثما يتم تعويضهم.
وأضافت الرسالة: “أن القوات السعودية فرضت حصاراً عليهم ومنعت عنهم صهاريج الماء وإدخال الطعام ودخول زوارهم وضيوفهم، وتقوم بإستفزاز شبابهم واعتقالهم لمساومة أهاليهم على الرحيل وإخلاء تلك المنطقة التي تصل مساحتها 51 مليون متر مربع لتصبح جزيرة مهجورة بين السعودية واليمن”، دون أن تقدم لهم مبرراً مقنعاً.
وأكدت القبائل في رسالتها رفضها “أي مزاعم بوجود خطر لأن بينهم وبين القبائل اليمنية المجاورة لهم اتفاقيات ومواثيق قديمة يحترمها كلا منهما، والحرب لم تصل لها لوعورة المنطقة ولكونها حصنا طبيعيا وأنها لن يستطيع أحد الدفاع عنها إلا أهلها وليس حرس الحدود المتورطون في الفساد او الجيش الذي لا يجيد القتال في الجبال”.
وكان المغرد السعودي “مجتهد” قد تحدث عبر حسابه على تويتر عن وجود توجيهات عليا بإخلاء المنطقة الحدودية في جيزان من سكانها، وأكد عن عمليات تهجير إجبارية طاولت الآلاف من سكان المناطق السعودية الحدودية المحاذية لليمن دون توفير مساكن بديلة أو تعويضات مالية للمدنيين الذين تحولوا إلى لاجئين.
ويبدوا أن الوضع في المناطق الجنوبية من السعودية مرشح للانفجار، في ظل التصعيد الحاصل بين السلطات السعودية وسكان المنطقة، لا سيما بعد فشل المفاوضات التي أجراها الأهالي مع القيادة العسكرية، والتهديد بسحب الجنسية ووثائق السفر من السكان، وقيام دوريات عسكرية بمنع أبناء المنطقة من العودة إلى منازلهم بالقوة.
وعلى الشبكات الاجتماعية لاقى قرار التهجير القسري الذي عمدت إليه السلطات السعودية الكثير من الانتقاد من المغردين السعوديين، وتداول الناشطون هشتاق #تهجير_قسري_لقبائل_جيزان، معبرين عن تضامنهم مع قبائل جيزان حيال الممارسات القمعية للنظام السعودي تجاههم.
المسوّغ السعودي
لاشك أن عملية التهجير القسري الذي تمارسه السعودية في حق قبائل الجنوب على الحدود مع اليمن، تأتي نتيجة العجز السعودي عن صد عمليات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، حيث تحاول الرياض احتواء تداعيات تقدم القوات اليمنية بعمليات إخلاء واسعة للمدن والقرى الواقعة على طول خط الحدود، ومحاولة التقليل من الانجاز اليمني بدعوى أن المناطق المسيطر عليها خالية من السكان، وليست ذات أهمية أستراتيجية.
وعزت مصادر سياسية متعددة يمنية وسعودية عمليات الإخلاء التي باشرها النظام السعودي للقرى الحدودية إلى مخاوف لدى النظام من إمكان تحول هذه المناطق إلى جيوب مقاومة شعبية مناهضة لحكم أسرة آل سعود خصوصا وأن أكثر سكان هذه المناطق يعانون من ممارسات قمعية من السلطات الحاكمة.
كما أن التغيير الديموغرافي في هذه المنطقة قد يكون أحد أسباب حملة التهجير القسري السعودية، حيث ترتبط القبائل الموجودة على طرفي الحدود بمواثيق قديمة، وترتبط بتاريخ طويل من العيش المشترك، وقد أشارت قبائل آل مالك وآل زيدان في رسالتها إلى ثقتها بالتزام القبائل اليمنية بمواثيقها، وهذا الأمر لا يروق للسعودية، التي ترغب باستبدال قبائل الجنوب، بأناس تناصب العداء مذهبياً لليمنيين، ويكون لها دور لجم الانكسار البري السعودي أمام القوات اليمنية.