تحتدم المعركة القائمة بين محورين رئيسيين، تلعب السعودية في إحداهما دور رأس الحربة بدعم أميركي، في حين يقع حزب الله في المحور الآخر.
لم تعد المعركة التي نشهدها اليوم حرباً بالوكالة، بل نعيش اليوم في ظل حرب صلبة بالوكالة، وناعمة في الأصالة بين السعودية وحزب الله، تستخدم فيها الرياض كافّة قدراتها للقضاء على الحزب.
تعود الهجمة السعودية على حزب الله، إلى أيام “المغامرة” التي تحدّث عنها وزير الخارجية السابق سعود الفيصل في حرب تموز حيث أدركت السعودية، ومن خلفها أميركا، أنه إضافةً إلى القوة العسكرية الضخمة للحزب، هناك قوّة أخرى لاتقل أهميةً وتكمن في الحضانة الشعبية والدعم الشعبي الذي أسقط مشاريع كبرى. هذا ما أوضحه السيد نصرالله في المقابلة الأخيرة عندما قال: من تجليات التدخل الالهي كان مشهد عودة الناس إلى قراهم المدمرة في الجنوب، بدأت مواكب العودة عند الثامنة صباح 14 آب دون أي تدخل من احد، وهؤلاء الناس هم من اسقط هذه المؤامرة، ليضيف: واستذكر ما قاله فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي بأنه وضع 500 مليون دولار على الإعلام والسياسة في لبنان لإبعاد الناس عن حزب الله”.
لم يكن الإدراك السعودي الذي تجلّى في اعتبار الحزب منظمة إجراميّة، وفرض عقوبات اقتصادية وإعلامية عليه، وعلى كافّة الذين يثبت تعاطفهم معه، أو بالأحرى انتماؤهم إلى بيئته، بعيداً عن الإدراك الأميركي الذي بدأ السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان خطواته التنفيذية عبر الـ500 مليون دولار، بل حاولت السعودية ومن خلال هذه الخطوات المتتالية عبر تنسيق أميركي – غربي غير مسبوق إستهداف مصادر تمويل الحزب، كما تدّعي، ليس ذلك فحسب، بل كل المتمولين الشيعة الذين لم يثبت انتماؤهم للمحور السعودي- الأميركي في لبنان.
شخصية سماحة السيد نصرالله، كانت أبرز أهداف الهجمة السعودية حيث دأبت الآلة الإعلامية السعودية على إغتيال السيد نصرالله اعلاميا باعتباره أحد أبرز رموز محور المقاومة. تعتقد السعودية أن الاغتيال الإعلامي “للسيد” سيضعّف قدرة محور المقاومة باعتبار أن هناك الملايين من الشعوب العربية والإسلامية تربطهم علاقة خاصّة بالسيد نصرالله.
لم يقتصر المشروع الأميركي – السعودي على سماحة السيد نصرالله والبيئة الحاضنة، بل طالت هذه الهجمة الذراع الإعلامي للحزب، قناة المنار، والعديد من القنوات والصحف التي تمتلك حظاً من المقاومة ودعم القضيّة الفلسطينية، في محاولة منها لإسكات أي صوت يعلو فوق أصوات ماتعتبره “النشاز”، سواءً في قناة العربية أو الآلة الإعلامية الضخمّة الممولة سعودياً.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نجحت السعودية في تحقيق مشروعها، خاصّةً أن الضغط على البيئة الحاضنة للحزب أثار غضبه بشكل كبير؟ ما هي الخطوات السعوديّة اللاحقة؟
خطوات السعودية بين النجاح والفشل
نجحت السعودية في حذف قناة المنار عن الأقمار الصناعية، الأمر الذي أدى إلى تدنّي نسبة المتابعين، كذلك طردت العديد من العمال ورجال الأعمال من دول مجلس التعاون لارتكابهم “جرم” الإنتماء إلى الطائفة الشيعية، ولكن هل هذا ما تريده الرياض؟
لا ريب في أن كافّة الخطوات السعودية تهدف لقلع بذور المقاومة من حدائق صدور المحبين، المسلمين والعرب، إلا أنها حتى الساعة لم تحصد سوى الخيبة، لاسيّما مع استمرار المعركة القائمة ضد الكيان الإسرائيلي، وتصدي الحزب لها.
اقتصادياً، أكد سماحة السيد نصرالله أن تمويل الحزب يأتي من طهران، وهو ما تدركه الرياض جيّداً. إعلامياً، لا تزال وسائل التواصل الإجتماعي ميداناً آخر من ميادين المقاومة حيث تصل شذرات المقاومة إلى قلوب المحبين رغم انوف الحاقدين. هذه الساحة، لم تكن بمنأى عن النيران السعودية، بل دخلت هذه الوسائل على خط المواجهة عبر حذف الحسابات التي تضع صورة سماحة السيد نصرالله أو تدعم المقاومة، ولعل لقاء ولي ولي العهد السعودي بصاحب فيسبوك مارك زوكربيرغ ،يفسّر بعضاً من إجراءات الشركة، رغم قناعتنا المسبقة أن واشنطن لطالما كانت السباقة في خطوات استهداف المقاومة، وما الإجراءات السعودية إلا نسخة “أعرابية” عن نظيرتها الأميركية.
الخطوة التالية
لن تنتظر السعودية طويلاً لتدرك فشل خطواتها السابقة، عندها ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاعتراف بالهزيمة والإهتمام بالوضع الداخلي، لاسيّما بعد فشل مشروعها في سوريا، وتلقيها ضربة قاضية في اليمن، أو الاستمرار في المواجهة عبر ضرب بوابة المقاومة إلى الشعوب، أي القضية الفلسطينية. السعودية، ستعمد إلى حذف القضية الفلسطينية من قاموسها عبر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي خرج إلى العلن قبل مدّة.
نرجح الخيار الثاني، باعتبار أن العقلية الحاكمة لا ترضخ للواقع، فمن أصر على المضي في مشروعه في سوريا رغم مرور أكثر من 5 سنوات، ومن تعنّت في عدوانه على اليمن لأكثر من 17 شهر، سيستخدم طلقته الأخيرة في مواجهة شعوب المنطقة ومقاومتها، أقصد هنا الكيان الإسرائيلي لا غير.
المصدر: الوقت