الرئيسية / تقاريـــر / لماذا تتقارب الدول العربية وإسرائيل؟

لماذا تتقارب الدول العربية وإسرائيل؟

تدل الاتصالات بين العرب وإسرائيل على أنّ المنطقة تمر في مرحلة تحوّليّة غير اعتياديّة، ويجدر بدبلوماسيّتنا أن تتمتّع بما يكفي من المهارة لكي تتكيّف مع الوضع.
حلفاء الغرب في حالة يُرثى لها، فتركيا تغازل موسكو وتقصف الأكراد، وهم حلفاؤنا الرئيسيّون في حربنا ضد داعش. ويشعر الدبلوماسيّون الأوروبيّون بالانزعاج من تدمير إسرائيل لمنازل فلسطينيّين موّل بناءها الاتحاد الأوروبي. ووجّه الرئيس أوباما النقد لحلفائه العرب علناً قائلًا إنّهم يستفيدون من غيرهم من دون مقابل، والجدير بالذكر أنّ أحد كبار موظّفي حكومة أوباما نعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوصف مهين للغاية.
لكن على صعيد آخر، تشهد عداوة قديمة شيئًا من التحسّن. فبدأ الصراع العربي الإسرائيلي القائم منذ 1948 يظهر بعض التحسّن البسيط لكنّه تحسّن مهم. وصحيح أنّ إسرائيل لا تزال معزولة عن محيطها، ففقط 18 من أصل 21 عضوًا من جامعة الدول العربيّة تعترف بالدولة اليهوديّة. كذلك تمّول الكثير من الدول العربيّة حماس وتشيد بها وتؤمّن لها ملاجئ على أراضيها. وحماس حركة يعد ميثاقها بالقضاء على”اليهود تجّار الحروب”. بالإضافة إلى أنّ إسرائيل لا تزال تستشيط غضبًا كلّما باعت الولايات المتحدة أو أوروبا أسلحة متطوّرة للخليج. لكن بالرغم من ظاهر الأمور السيّء، في الباطن شيء ما يتغيّر.

 
ففي الشهر الماضي، التقى جنرال سعودي متقاعد بالمتشدّد دوري غولد وهو القائم بأعمال وزير الخارجيّة. وجرى اللقاء، وهو الثاني خلال عام، في فندق الملك داوود في القدس.
وفي الصيف الماضي، تباهى السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن بلقاءاته مع نظرائه العرب الذين مدحهم قائلًا إنّهم أشخاص رائعون. وفي شهر كانون الثاني/يناير زار رئيس الطاقة الإسرائيلي الإمارات سرًا بعد الإعلان عن افتتاح مكتب إسرائيلي في أبو ظبي.

 
وفي الوقت نفسه، وضع عملاء من الجانبين خططًا في الخفاء. وتشبه علاقة إسرائيل بالعرب علاقة رجل متزوج بعشيقته، فتتوق العشيقة إلى الإعلان عن العلاقة على أمل إضفاء الشرعيّة على وضعها الاجتماعي المشكوك فيه، بينما يحاول الزوج جاهدًا أن يبقي العلاقة طي الكتمان خوفًا من عواقبها في المنزل. وتواجه معظم الدول العربيّة خطر بروز غضب شعبي في حال تطبيع العلاقات مع إسرائيل من دون تسوية عادلة للقضيّة الفلسطينيّة.

 
ولا شك في السرّ وراء هذا التقارب. فخلال العقد الماضي، غدا ممثّلو إيران وحلفاؤها أكثر قوّة وفعاليّة. وعلى سبيل المثال، توجّه المجموعة اللبنانيّة المسلّحة حزب الله، التي أُنشئت تحت رعاية إيرانيّة في الثمانينيّات، مخزونها الصاروخي الواسع نحو إسرائيل، وفي الوقت عينه، تحارب القوى التي تدعمها دول الخليج في سوريا واليمن. كذلك اختارت الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة أن تتفادى صدام كبير مع إيران، فأبرمت هذه الدول مع إيران اتفاقًا نوويًا، وحتّى أنّها استقبلت الرئيس الإيراني روحاني في باريس وروما. وفي طبيعة الحال، اتّبع العرب والإسرائيليّون مقولة أنّ عدو عدوّك صديقك. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في برقيّة مسرّبة في العام 2010 كان قد أرسلها إلى دبلوماسيين أمريكيين:” يظنّ عرب الخليج أنّ بإمكانهم الاعتماد على إسرائيل في مواجهة إيران، إذ يعتقدون أنّ إسرائيل قادرة على صنع المعجزات.”

 
والعمليّة هذه حسّاسة وقد تذهب أدراج رياح انتفاضة فلسطينيّة أخرى، لكن في حال استمرّت ستحمل إيجابيّات للغرب. فمنذ زمن ونحن نحثّ الدول العربيّة على التخفيف من حدّة عدائها تجاه إسرائيل. ولا تتقدّم حكومة نتنياهو بعمليّة السلام، لكن ربما تكون الحكومة القادمة أكثر إقبالًا على الأمر في حال كانت أقلّ تشددًا وإن اتسمت العلاقات مع العرب حينها بالاستقرار. وزيادة على ما سبق، طالبنا حلفاءنا العرب أن يتحمّلوا المزيد من المسؤوليّة لضمان أمنهم بدلًا من استدعاء تدخّلنا، فلم عسانا نتذمّر إن طلبوا مساعدة غيرنا؟

 
وعلى بوريس جونسون ووزير الخارجيّة الأميركي المقبل فهم نقطتين: أولًا، ستبقى شراكتنا مع إسرائيل ومع دول الخليج مهمّة جدًا في الحرب ضدّ الإرهاب، وضروريّة لكي نبقى في موضع يسمح لنا بالتدخّل في شؤون الشرق الأوسط عندما تستدعي مصالحنا ذلك. وثانيًا، إيران ليست بديلًا ممكنًا، فلا يزال نظامها مقسّماً بين القيادة البراغماتيّة والمتشدّدين الذين يسعون للنيل منها. وما برحت القوى الإيرانيّة تدعم النظام السوري في حربه الوحشيّة. ويتبادل الجواسيس العرب والبريطانيّون المعلومات الاستخباراتيّة بشكلٍ يومي، ولن تقدر طهران على فعل ذلك ولا حتّى في أحلامها.

 
ومع ذلك، علينا رفض فكرة أنّه كوننا حلفاء جيّدين للخليج ولإسرائيل يعني أن ننأى بأنفسنا عن إيران. فقد شدّ الاتفاق النووي من أزر إيران لكنّه حال دون حرب كانت لتدمّرنا وإسرائيل والعرب على حدٍّ سواء. ويجدر ببريطانيا بعد أن خرجت من الاتحاد الأوروبي ألّا تسمح لفرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول بأن تهيمن على علاقات أوروبا الاقتصاديّة مع إيران الناشئة. ويجب ألّا نخاف من الصعود بعلاقاتنا مع إيران إلى مستوى السفارات.
وتدل الاتصالات بين العرب وإسرائيل على أنّ المنطقة تمر في مرحلة تحوّليّة غير اعتياديّة، ويجدر بدبلوماسيّتنا أن تتمتّع بما يكفي من المهارة لكي تتكيّف مع الوضع.

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...