الوقت- تمضي كوريا الشمالية قدماً في تطوير قدراتها النووية حيث أعلنت صباح الجمعة عن قيامها بتجربة نووية ناجحة هي الخامسة من نوعها، وذلك بعد ساعات من رصد أجهزة مراقبة الزلازل انفجاراً قرب موقع التجارب النووية لكوريا الشمالية.
التجربة الجديدة نجحت في “تركيب رؤوس نووية يمكن أن توضع على رأس صواريخ باليستية”، وستتيح “تشكيلة من رؤوس نووية صغيرة ومتنوعة لديها قوة هجوم قوية” حسب التلفزيون الحكومي، إلا أنها في الوقت عينه أحدثت زلزال بلغت شدته 5,3 درجات.
لم تقتصر نتائج هذه التجربة على الزلزال الطبيعي، بل أحدث زلزالاً سياسيّاَ حيث أدانت العديد من الدول وبأشد العبارات هذه التجربة بدءاً من كوريا الجنوبية التي وصفتها بأنها “الأقوى حتى الآن”، مروراً باليابان والصين، وصولاً إلى واشنطن التي أدانت وبأشد العبارات هذه التجربة حيث قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن التجربة تمثل تهديدًا للأمن الإقليمي والسلام العالمي والاستقرار”، متحدثًا عن أن كوريا الشمالية تعد “البلد الوحيد الذي يجري تجارب لأسلحة نووية”.
لا شك في أن هذه التجارب تشكّل تهديداً للأمن والسلام العالميين، لاسيّما أن قوة هذه الرؤوس النووية تقترب من القنبلة الأمريكية التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، وأسفرت عن تفجير بقوة 15 كيلوطن، لاسيّما أنها تأتي بعد فترة وجيزة تقديم عقارب ساعة نهاية العالم دقيقتين لتصبح قبل منتصف الليل بثلاث دقائق فقط، أي أننا نقترب من ساعة الصفر التي قد تؤدي إلى اختفاء البشرية، وتحديث الأسلحة النووية والترسانات الكبيرة يعد أحد هذه الأسباب وفق خبراء في “ذي بولتين اوف ذي اتوميكساينتيستس” التي تضم 18 عالما من حائزي جائزة نوبل.
ولكن لا يمكن إلقاء اللوم على الجانب الكوري بشكل كامل، لاسيّما في ظل التوتّر الحاصل بين أمريكا والصين في بحر الصين الجنوبي، وكذلك الصين وبعض الدول المحيطة بهذا البحر، فضلاً عن العديد من الإجراءات الإستفزازية التي تجريها واشنطن بالتعاون مع حلفائها هناك. فقد نقلت الوكالة الروسية “نوفوستي” عن فلاديمير فورونكوف، مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، أن التجارب النووية الجديدة التي أجرتها كوريا الشمالية ربما جاءت ردا على المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية وأمريكا.
بعيداً عن الزلزالين الطبيعي والسياسي نتيجة التجربة النووية الكورية الأخيرة، هناك جملة من الرسائل التي تتعلّق بالملف النووي الكوري، أبرزها:
أولاً: تعد واشنطن أحد أبرز المستفيدين من التوتّر القائم في شرق آسيا، حيث تستفيد من الخلافات الصينية اليابانية، والكورية الكورية لتكريس استراتيجية الارتكاز الآسيوي التي تقضي بتركيز واشنطن على منطقة شرق آسيا، وتحديداً العملاق الصيني، بدلاً من منطقة الشرق الأوسط. من خلال هذه التجارب يعطي الزعيم الكوري الشمالي الذريعة التامّة لواشنطن بتعزيز تواجدها العسكري هناك، فضلاً عن إبرام الإتفاقيات العسكرية التي تساهم في تطويق الصين هناك.
ثانياً: إن التعاطي القائم مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، لن يجدي نفعاً، لاسيّما أن العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ حليفة الصين لم تنجح في كبح جماح الزعيم الكوري في تطوير ترسانته النووية. لن ترضى الصين بالقيام بأي عمل عسكري ضد كوريا الشمالية، كما أن امتلاك بيونغ يانغ لصواريخ نووية تجبر الطرف الأخر على إجراء حساباته للمرّة الألف قبل الإقدام على أي مغامرة شبية بما حصل في العراق.
ثالثاً: رغم أن تجربة الاتفاق النووي الإيراني تبدو مشجّعة للوهلة الأولى بغية استئناف المفاوضات السداسية (وتشارك في هذه المفاوضات الكوريتان وأمريكا والصين وروسيا واليابان) المتوقفة منذ 2008 حول البرنامج النووي الكوري الشمالية. كوريا التي لمست نكث أمريكا بالعديد من تعهداتها التي قدّمتها إلى إيران، تدرك أن واشنطن ستتعامل بالمثل في حال دخولها في المفاوضات النووية، الأمر الذي يعطي الذريعة للزعيم الكوري لدعوته معتبرا تجاربه الصاروخية البالستية الأخيرة “مثالية”.
رابعاً: يبدو أن الخطوة المرتقبة على التجربة الكورية تكمن في فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ، في الجلسة المقبلة لمجلس الأمن يوم الثلاثاء، إلا أي عقوبات جديد لن تساهم في حل الأزمة بل ستزيد من تعقيدها، لاسيّما في ظل ازدواجية المعايير الأمريكية، وسياسة واشنطن الكامنة في تكريس استراتيجية الارتكاز الآسيوي عبر تأزيم الأوضاع في منطقة شرق آسيا.
يبدو واضحاً أن كل من بيونغ يانغ وواشنطن هما المستفيدان الأكبر من التجربة النووي الأخيرة، وما الضجّة الإعلامية سوى فصل من فصول الإستراتيجية الأمريكية.