الوقت – في خطابٍ يكاد يكون الأكثر خصوصية حول الفتنة المذهبية، جدّد قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي تأكيده على حرمة سبّ رموز وكبار شخصيات أهل السنة، مؤكدا أن استفزاز مشاعر الفرق الأخرى باسم الشيعة، في الحقيقة هو “التشيع البريطاني”.
وتعود خصوصية هذا الخطاب لكونه جاء في كلمة السيد الخامنئي بمناسبة عيد الغدير، أحد أبرز أعياد المسلمين عموماً والشيعة على وجه الخصوص، وبالتالي لم يعد بإمكان أحد تجاهل كلام آية الله خامنئي الذي سعى من خلاله لتصويب البوصلة ونقل المواجهة إلى دار الخصم.
فتاوى قديمة
لم تكن فتوى قائد الثورة بالأمر الجديد، بل تأتي بعد أكثر من عقد من الزمن على أحد أبرز فتاواه التي أصدرها عام 2006م وقال فيها: “إن أي قول أو فعل أو سلوك يعطي الحجة والذريعة للأعداء أو يؤدي إلى الفرقة والانقسام بين المسلمين هو بالقطع حرام شرعا”، وأضاف: “يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوج النبي بما يخل بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء، وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله”.
الفتوى الأولى لاقت رواجاً غير مسبوق، حيث أشاد عدد من كبار علماء السنة وعلى رأسهم شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب بفتوى قائد الثورة الإسلامية التي حرم بها سب الصحابة وخاصة زوجات الرسول (ص)، مؤكدين أنها “صادرة عن علم صحيح، وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة، وستغلق أبواب الفتنة بين السنة والشيعة التي تتبناها أمريكا و”إسرائيل””.
لم يكتف قائد الثورة عند هذا الحد بل جدّد في العديد من خطاباته بين عامي 2006 و2010 حرمة هذا الأمر وخطورة مخططات الفتنة، إلا أنه وبعد الإساءة التي وجّهها العميل “ياسر الحبيب” إلى أم المؤمنين السيدة عائشة، توجّه جمع من علماء ومثقفي الأحساء (شرق السعودية) برسالة إلى آية الله العظمى علي خامنئي طالبوا فيها بإبداء رأيه حول ما ورد من “إهانة صريحة وتحقير بكلمات بذيئة ومسيئة لزوجة الرسول أم المؤمنين السيدة عائشة”، والإجابة كانت على النحو التالي: “يحرّم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوجة النبي بما يخل بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء خصوصاً سيدهم الرسول الأعظم”.
كثيرة هي الكلمات التي تصبّ في هذا السياق، حيث كان لقائد الثورة الإسلامية عند كل مفصل “فتنوي”، كلمة الفصل في تجديد فتواه، كما أن كلمته الأخيرة بالأمس، لا تعد الأولى في المنتصف الثاني من العام الجاري، ففي العاشر من تموز الماضي، جدد قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي تأكيده على تحريم إهانة أي من زوجات النبي بشكل قاطع، قائلاً: زوجات النبي محترمات وكل من يهين إحداهن فقد أهان النبي. أقولها وبشكل قاطع”، وأضاف: “إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تعامل مع (زوجة النبي محمد) السيدة عائشة على ذاك النحو. تصرّف بهذا القدر من الاحترام مع امرأة جاءت لتحاربه. لأنها كانت زوجة للنبي، وإلا فإن أمير المؤمنين لا يراعي أحداً دون سبب. لذلك فإنه يجب ألا يكون هناك أي انتهاك”.
تأكيد المؤكّد
الثابت الوحيد في كافّة فتاوى وكلمات قائد الثورة حول حرمة النيل من “رموز إخواننا السنة”، هو اعتباره “الشخص الشيعي الذي يسيء لمقدسات أهل السنة عميل للعدو”، الذي يتنوّع ما بين أمريكا ولندن رائدة الفتنة المذهبية في أدهى أساليب الحرب الناعمة التي أنتجت حروباً خشنة أودت بحياة عشرات الآلاف من المسلمين تحت عنوان “الفتنة المذهبية”.
ربّما يعتقد البعض، أنّ أبناء التشيّع اللندني هم ممثلون شرعيون للطائفة الشيعية، إلا أن المدقّق في خطابهم وكلماتهم يذعن للتورّط في مشروع بريطاني حيث أنهم قد نالوا من العديد من أعلام المذهب الشيعي بدءاً بالإمام الخميني، مروراً بآية الله خامنئي والشيخ بهجت والسيدالسيستاني، وصولاً إلى السيد نصرالله والعديد من العلماء الذين حرّموا النيل من رموز أهل السنة والجماعة. وبالتالي، ينظر الشطر الأعظم من أبناء الطائفة إلى هؤلاء كوجه آخر للوهابيّة التي تكفّر الشيعة وتقتلهم، ولا شكّ في أن هؤلاء أمثال (ياسر الحبيب، مجتبى الشيرازي وحسن الهیاری) يتحمّلون المسؤولية الشرعية للدماء التي سالت في العراق ودول المنطقة، تماماً كما تتحمّلها الجماعات التكفيرية (للإطلاع أكثر راجع: شبح الشيرازية؛ الوجه الآخر للفتنة الوهابية).
إن هذه الفتاوى التي تعدّ مصداقاً لقوله تعالى “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين”، وتصب في بوتقة الوحدة الإسلامية، بعيدا عن دعاوى الغلو والتطرف، ودعاة الفرقة والخلاف. الهجمة كبيرة، والتجييش أكبر، الأمر الذي يفرض على علماء السنة والشيعة، على حدّ سواء، ملاقاة آية الله خامئني في منتصف الطريق، فسماحته يسعى من خلال هذه الفتاوى لبناء سدّ منيع أمام هذه الجماعات التكفيرية (داعش وأخواتها) أمريكية الصُنع (نظراً لقرب الأخيرة من السعودية صاحبة المدارس الوهابية)، سعوديّة التمويل، وبريطانية الذريعة عبر تشيّعها اللندني.