الرئيسية / شخصيات اسلامية / ابصار العين في انصار الحسين عليه وعليهم السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه وعليهم السلام

” تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة ” ، فتقدم فقاتل حتى أثخن بالجراحات ، فقتله
قيس بن عبد الله الصائدي ابن عم له ، كان له عدوا . وكان ذلك بعد قتل الحر .
برير بن خضير الهمداني المشرقي ( وبنو مشرق بطن من همدان )
كان برير شيخا تابعيا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القراء ، ومن أصحاب أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو خال أبي إسحاق
الهمداني السبعي ( 1 ) .

قال أهل السير : أنه لما بلغ خبر الحسين ( عليه السلام ) سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع
بالحسين ( عليه السلام ) فجاء معه حتى استشهد .
وقال السروي : لما ضيق الحر على الحسين ( عليه السلام ) جمع أصحابه فخطبهم بخطبته
التي يقول فيها : ” أما بعد ، فإن الدنيا قد تغيرت الخ ” ( 2 ) . فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما
قالا في ترجمتيهما ، ثم قام برير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن
نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا ، حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا
لنا ، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، وويل لهم ماذا يلقون به الله ، وأف لهم يوم
ينادون بالويل والثبور في نار جهنم .

وقال أبو مخنف : أمر الحسين ( عليه السلام ) في اليوم التاسع من المحرم بفسطاط فضرب ،
ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ، وعبد الرحمن بن عبد ربة ،
وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما ( 1 ) ، فازدحما أيهما يطلي على أثر
الحسين ( عليه السلام ) ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ،
فوالله ما هذه بساعة باطل ! فقال برير : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا
ولا كهلا ، ولكني والله لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن
نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن ملوا بها الساعة ( 2 ) !

وقال أيضا ، روى الضحاك بن قيس المشرقي – وكان بايع الحسين على أن
يحامي عنه ما ظن أن المحاماة تدفع عن الحسين ( عليه السلام ) فإن لم يجد بدا فهو في حل –
قال : بتنا الليلة العاشرة ، فقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون
ويدعون يتضرعون ، فمرت بنا خيل تحرسنا ، وإن الحسين ليقرأ * ( ولا يحسبن
الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب
مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من
الطيب ) * ( 3 ) ، فسمعها رجل ( 4 ) من تلك الخيل فقال : نحن ورب الكعبة الطيبون ، ميزنا
منكم . قال : فعرفته ، فقلت لبرير : أتعرف من هذا ؟ قال : لا . قلت : أبو حريث ( 5 )
عبد الله بن شهر السبيعي – وكان مضحاكا بطالا ، وكان ربما حبسه سعيد بن قيس
الهمداني في جناية – فعرفه برير ، فقال له : أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين ! فقال
له : من أنت ؟ قال : برير . فقال : إنا لله عز علي ! هلكت والله ، هلكت والله يا برير ! فقال
له برير : هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام ! فوالله إنا لنحن الطيبون وأنتم
الخبيثون ، قال : وأنا والله على ذلك من الشاهدين ، فقال ويحك أفلا تنفعك معرفتك !
قال : جعلت فداك ! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي ؟ هاهو ذا معي . قال : قبح الله
رأيك أنت سفيه على كل حال ( 1 ) . قال : ثم انصرف عنا .

وروى بعض المؤرخين أنه لما بلغ من الحسين ( عليه السلام ) العطش ما شاء الله أن يبلغ
استأذن برير الحسين ( عليه السلام ) في أن يكلم القوم فأذن له ، فوقف قريبا منهم ، ونادى : يا
معشر الناس ، إن الله بعث بالحق محمدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا
منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابن
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفجزاء محمد هذا ؟ فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فوالله
ليعطشن الحسين ( عليه السلام ) كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) اكفف يا برير ، ثم
وثب متوكئا على سيفه ، فخطبهم هو ( عليه السلام ) بخطبته التي يقول فيها : ” أنشدكم الله هل
تعرفوني . . . الخ ” .

وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال : خرج يزيد بن معقل
من بني عميرة بن ربيعة فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك ؟ قال : صنع
الله بي والله خيرا ، وصنع بك شرا ، فقال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذابا ، أتذكر وأنا
أماشيك في سكة بن دودان ( 2 ) وأنت تقول : إن عثمان كان كذا ، وإن معاوية ضال
مضل ، وإن علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى ؟ قال برير : أشهد أن هذا رأيي
وقولي ، فقال يزيد : فإني أشهد أنك من الضالين ، قال برير : فهل لك أن أباهلك ، ولندع
الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحق المبطل ، ثم أخرج لأبارزك . قال : فخرجا
فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله ، يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل ،
ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم
تضره شيئا ، وضرب برير يزيد ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ ، فخر كأنما هوى
من حالق ، وإن سيف برير لثابت في رأسه ، فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، حتى
أخرجه وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير * وكل خير فله برير
ثم بارز القوم فحمل عليه رضي بن منقد العبدي ، فاعتنق بريرا ، فاعتركا ساعة ،
ثم إن بريرا صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع
والدفاع ؟ فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي يحمل عليه ، فقلت له : إن هذا برير
ابن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد ! وحمل عليه بالرمح حتى
وضعه في ظهره ، فلما وجد برير مس الرمح برك على رضي فعض أنفه حتى قطعه ،
وأنفذ الطعنة كعب حتى ألقاه عنه ، وقد غيب السنان في ظهره ، ثم أقبل يضربه بسيفه
حتى برد ، فكأني أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ، ويده على أنفه وهو يقول :
أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا . فلما رجع كعب ، قالت له أخته ( 1 )
النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيد القراء ، لقد أتيت عظيما من
الأمر ، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا .

فقال كعب في ذلك :
سلي تخبري عني وأنت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع
ألم أت أقصى ما كرهت ولم يخل * علي غداة الروع ما أنا صانع
معي يزني لم تخنه كعوبه * وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهم * بديني وإني بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى * ألا كل من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد نازلوا لو أن ذلك نافع
فابلغ عبيد الله إما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا : من يماصع ؟
قال : فبلغت أبياته رضي بن منقذ ، فقال مجيبا له يرد عليه :
فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عند ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة * تعيره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله * ويوم حسين كنت في رمس قابر ( 1 )
وفي برير أقول :

جزى الله رب العالمين مباهلا * عن الدين كيما ينهج الحق طالبه
وأزهر من همدان يلقي بنفسه * على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه
أبر على الصيد الكماة بموقف * مناهجه مسدودة ومذاهبه
إلى أن قضى في الله يعلم رمحه * بصدق توخيه ويشهد قاضبه
فقل لصريع قام من غير مارن * عذرتك إن الليث تدمى مخالبه

( ضبط الغريب )
مما وقع في هذه الترجمة :
( برير ) : في ضبط هذا الاسم وضبط اسم أبيه خلاف . فقد كتب في الرجال : يزيد
ابن حصين ، وضبطه ابن الأثير ( 1 ) برير بالباء الموحدة والرائين المهملتين وبينهما ياء
مثناة تحت والتصغير . وضبط خضير بالخاء المعجمة والضاد كذلك والتصغير أيضا ،
وهو الذي يقوى نظرا إلى ما روي من شعره .
( بمسك ) : يحتمل أن يقرأ بالفتح وهو الجلد فمعناه أمر بجلد فيه نورة فميث .
ويحتمل أن يقرأ بالكسر وهو الطيب المعروف ، فمعناه أمر بنورة فميث فيها بطيب .
( ميث ) : مجهول من ماث يميث ويموث بالياء والواو يقال : ماث الملح بالماء
أذابه وماث المسك دافه ومرسه وخلطه ، فمعنى الكلمة أذيب وديف .
( سعيد ) : بن قيس سيد همدان ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن الشيعة
و شعرائهم . واختلف في زمن موته ، فقيل : في زمن علي ( عليه السلام ) في أخريات أيامه بعد
حرب صفين وهو المعروف ، وقيل بعده .
( دودان ) : بطن من أسد ولهم سكة في الكوفة . وصحفت الكلمة في بعض النسخ
بلوذان وهو غلط . ( ينضنضه ) : يحركه ويعالجه ليخرجه . ( المصاع ) : القتال والجلاد .
( مخشوب ) : مصقول يقال خشب السيف أي صقله . ( المازن ) : بالراء المهملة
والنون الأنف أو طرفه .

شاهد أيضاً

ابصار العين في انصار الحسين عليه وعليهم السلام

الفائدة السادسة عشرة قتلت مع الحسين في يوم الطف امرأة واحدة وهي أم وهب النمرية ...