الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / دروس من سيرة الرسول الأكرم بمناسبة قرب شهادته

دروس من سيرة الرسول الأكرم بمناسبة قرب شهادته

الدرس الخامس: البعثة النبوية

لقد أعدَّ الله نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وهيّأه لحمل الرسالة وأداء الأمانة الكبرى وانقاذ البشرية، وحين بلغ الأربعين من عمره الشريف اختاره الله رسولاً وهادياً للبشرية جمعاء.

والمروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بالاسلام في السابع والعشرين من شهر رجب بعد عام الفيل بأربعين سنة (610م).

وقد بدأ نزول الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة جبرائيل الأمين عليه السلام في غار حراءوهو كهف صغير في أعلى جبل حراء في الشمال الشرقي من مكةكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد فيه لله على النحو الذي ثبتت له مشروعيته، وكان قبل ذلك يتعبد فيه عبد المطلب.

وتفيد الروايات1 أن أول ايات قرأها جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي قوله تعالى في سورة العلق: ?بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ?2.

بعد تلقين ذلك البيان الالهي، عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى أهله مستبشراً مسروراً بما أكرمه الله به من النبوة والرسالة، مطمئناً إلى المهمة التي شرفه الله بها، فلم يكن خائفاً أو مرعوباً مما جرى له، بل كان عالماً بنبوة نفسه، وكان ينتظر اللحظة التي يأتيه فيها

صفحة 36

جبرائيل ليعلن نبوته ورسالته، فلما دخل على خديجة أخبرها بما أنزله الله عليه وما سمعه من جبرائيل فقالت له: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلاّ خيراً، وأبشر فإنك رسول الله حقاً.

وقد سئل الامام الصادق‏ عليه السلام: كيف لم يخف رسول الله فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟

فقال‏ عليه السلام: “إنّ‏َ الله إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه”3.

وسئل‏ عليه السلام: كيف علمت الرسل أنها رسل؟ قال: “كشف عنهم الغطاء”4.

وقال العلامة الطبرسي: إن الله لا يوحي إلاّ بالبراهين النيرة، والايات البينة، الدالة على أن ما يوحي إليه إنما هو من الله تعالى؛ فلا يحتاج الى شي‏ء سواها، ولا يفزع ولا يفرق5.

انتشر خبر نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وسط البيت النبوي.. فبادر عدد من الذين وصلهم الخبر الى تصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلموالايمان برسالته، ويوصف الذين بادروا الى الايمان بـ(السابقين)، وقد اعتبر السبق الى الاسلام امتيازاً، ومعياراً للفضل وعلو المنزلة.

وقد اتفق المؤرخون والمحدثون على أن علي بن أبي طالب‏ عليه السلام هو أول الناس اسلاماً وإيماناً وتصديقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عمره انذاك عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة.

وقد ورد ذلك في النصوص الصحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ وورد عنهم عليه السلام إن النبي بعث يوم الاثنين وأن علياً صلى معه يوم الثلاثاء.

وقد أورد العلامة الأميني في كتابه الغدير6 أقوالاً عن العشرات من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم، وعن العشرات من مصادر الفريقين، تؤكد أن أمير المؤمنين‏ عليه السلام هو أول الأمة قاطبة اسلاماً وإيماناً.

وروى الحاكم النيشابوري بسند صحيح عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “أولكم وروداً على الحوض أولكم اسلاماً علي بن أبي طالب”عليه السلام7.

صفحة 37

وروى أحمد بن حنبل أن النبي قال: “علي بن أبي طالب أول أصحابي اسلاماً”8.

كما أن ابن أبي الحديد المعتزلي روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أخذ بيد علي وقال: “هذا أول من امن بي وصدقني، وصلى معي”9.

وعلي نفسه يصرِّح في أكثر من موقف: أنه أول من أسلم، وأنه لم يسبقه أحد في الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه الصديق الأكبر، وأنه لا يعرف أحداً من هذه الأمة عبد الله قبله غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

كما أنه عليه السلام احتج على خصومه في مناسبات عديدة بأنه أول من امن وصدق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك فعل اتباعه من الصحابة والتابعين حيث احتجوا على خصومهم في صفين وغيرها بأن إمامهم علي بن أبي طالب عليه السلام أول الناس اسلاماً، ولم نجد أحداً من أعدائه حاول إنكار ذلك، أو التشكيك فيه، أو طرح اسم بديل عنه، بالرغم من توافر الدواعي والمقتضيات السياسية والمذهبية وغيرها لطرح اسم رجل اخر على أنه صاحب هذه الفضيلة دون علي عليه السلام .

إن احتجاجه واحتجاج أصحابه على خصومهم بأنه أول من أسلم دون أن يجرؤ أحد على الإنكار، يدل دلالة واضحة ليس على كون علي عليه السلام هو أول من امن في هذه الأمة فحسب، بل على أن أسبقية علي للاسلام كانت من الأمور المسلمة لدى جميع الناس انذاك.

ومن المسلمات التاريخية أيضاً، أن خديجة بنت خويلد زوجة النبي الأولى كانت أول امرأة امنت وصدقت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صلّت مع رسول الله في اليوم الثاني من مبعثه، وما على وجه الأرض أحد يعبد الله على هذا الدين إلاّ النبي وعلي بن أبي طالب.

والذي يبدو من النصوص أن علياً عليه السلام سبق خديجة إلى الإسلام، وهذا ما يظهر من كلمة “أول الناس اسلاماً” أو “أول الأمة اسلاماً” الواردة في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أما كيف يسبق علي عليه السلام حتى زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي يفترض أنها ألصق الناس به؟ فيتضح ذلك لو عرفنا أن علياً عليه السلام كان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفارقه حتى وهو في غار حراء.

صفحة 38

يقول عليه السلام وهو يصف حاله مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ولقد كنت اتبعه أتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنك لست بنبي ولكنك الوزير وإنك لعلى خير”10.

وبعد كل ما تقدم نعرف: أن إدعاء سبق غير علي عليه السلام إلى الإسلام، إدعاء غير صحيح تبطله كل النصوص والحقائق التي ذكرناها.. على أن هذا الإدعاء قد جاء متأخراً عن عهد الخلفاء الأربعة، وتمت صياغته بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ولربما يكون قد حصل ذلك حينما كتب معاوية إلى ولاته على الأقطار يأمرهم أن لا يدعوا فضيلة لعلي عليه السلام إلا ويأتوه بمثلها لغيره من الصحابة.

ومن هنا، فإننا نعتقد: بأن القول بأولية إسلام بعض الصحابة غير علي عليه السلام موضوع في وقت متأخر تزلفاً للأمويين.

وأما القول بأن علياً عليه السلام هو أول من أسلم من الصبيان لا من الرجال. فهو قول عجيب، وذلك لما يلي:

أولاً: أنه قد جاء في بعض النصوص المروية عن علي عليه السلام وعن غيره التعبير: بأنه (أول رجل أسلم)، ففي سيرة المورخ الشهير ابن اسحاق11 (ت‏151) أن علياً عليه السلام أول الرجال إسلاماً، مما يعني أنه كان حينئذٍ رجلاً بالغاً.

ثانياً: أنه وإن كان الأرجح أن علياً عليه السلام قد أسلم وعمره عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة، إلا أنه من الواضح: أن الرجولية والبلوغ لا ينحصر بالسن، فقد يكون الإنسان رجلاً بالغاً وسنّه لم يتجاوز الثانية عشرة، فان عمرو بن العاصكما يقولونكان يكبر ولده عبد الله باثنتي عشرة سنة فقط، والراشد بالله قد وطأ جارية وهو إبن تسع سنين، فحملت منه كما يدعون.

صفحة 39

على أن ثمة أقوالاً كثيرة في سنّ علي عليه السلام حين إسلامه، فالحافظ بن عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والمحدث الكليني، والحسن البصري، والأسكافي وغيرهم كثير، يذكرون في سن علي رقماً يتراوح بين 12 سنة إلى 16 سنة، وبعضهم يتجاوز ذلك أيضاً، فكيف يصح وصفه بالصبي؟!

ثالثاً: إن سنّ البلوغ قد حددت بعد الهجرة في غزوة الخندق، في قضية ردّ ابن عمر وقبوله في الغزو، أما قبل ذلك فقد كان المعتمد هو التمييز والإدراك، وعليه يدور مدار التكليف والدعوة إلى الإسلام والإيمان وعدمه. ولولا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في مستوى الإسلام والإيمان، لم يقدم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على دعوته إلى الإسلام ثم قبوله منه، وإلا لكان ذلك سفهاً، ولا يمكن صدور السفه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

رابعاً: لو كان الأمر كما ذكروه، فلا يبقى معنى لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه: “إنه أول من أسلم” أو “أولكم إسلاماً” فإن معنى ذلك هو أن أوليته بالنسبة إلى النساء والرجال والعبيد والأحرار على حد سواء.

خامساً: وأخيراً، فإننا لم نجد أحداً واجه احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام والصحابة والتابعين بحجة من هذا القبيل.

صفحة 40

للمطالعة

وإِنَكّ لعَلَى خُلُق عَظِيم
علاقته صلى الله عليه وآله وسلم بربه / 3

تلاوته صلى الله عليه وآله وسلم لكتاب اللَّه:

القران كتاب اللَّه الذي نزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد تكفل القران من خلال اياته المباركة بهداية الناس إلى الحق والعدل والخير في جميع شؤونهم “ومن ابتغى الهُدى في غيره، أضله اللَّه، فهو حبل اللَّه المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء”.

وقد شدد الإسلام على الاهتمام به والاعتصام بحبله من خلال قراءته وتدبره ووعي تعاليمه وتجسيد مفاهيمه في الحياة الفردية والاجتماعية وغيرها.

قال تعالى: ?هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ?12.

ونظراً لمكانة القران في الإسلام فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم شديد العناية به: تلاوة وتعليماً وحضّاً على تعاهده ورعايته. وكان هدفه من تلاوة القران ان يحرز المزيد من القربى إلى اللَّه سبحانه، وليكون قدوة للمؤمنين في تعاهد أمره، وتدبر اياته، والحرص عليه.

وهذه بعض الروايات التي تشير إلى مدى اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بالقران:

*كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يرقد حتى يقرأ المسبحات ويقول: في هذه السور اية هي أفضل من ألف اية، قالوا: وما المسبحات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: سورة الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.

*وعن أُم هاني‏ء: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالليل وأنا على عريشي.

*وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحجزه عن قراءة القران إلا الجنابة.

*ولشدة تفاعله مع القران كان يبكي عندما يقرأ بعض اياته، فقد روى ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لي: إقرأ عليّ‏َ القران، فقلت: يا رسول اللَّه أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! فقال‏ صلى الله عليه وآله وسلم: إني أحب أنْ أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الاية ?فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا?13 . قال صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك الان، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

*ولكثرة ما كان يقرأ من القران يشير انس بن مالك فيقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وجد شيئاً من وجع، فقيل له: يا رسول اللَّه اشتد عليك الوجع، وإنا نرى أثر الوجع عليك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما مع ما ترون، فقد قرأت البارحة السبع الطوالأي من البقرة إلى الانفال.

وهكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم دؤوباً على تلاوة كتاب اللَّه، شغوفاً به، فلم يترك القراءة حتى في حالات مرضه.

صفحة 41

هوامش الدرس الخامس

1- تفسير البرهان: ج‏1 ص‏29.

2- العلق: 1-5.

3- تفسير العياشي: ج‏2 ص‏201.

4- بحار الأنوار: ج‏11 ص‏56.

5- مجمع البيان في تفسير القران: ج‏10 ص‏384.

6- راجع: ج‏3 وج‏10.

7- المستدرك على الصحيحين: ج‏3 ص‏136.

8- مسند أحمد: ج‏5 ص‏26.

9- شرح نهج البلاغة: ج‏13 ص‏225.

10- نهج البلاغة: الخطبة:192.

11- سيرة ابن اسحاق: ص‏138.

12- ال عمران:138.

13- النساء:41.

شاهد أيضاً

الادب العربي – الأمثال العربية: محمد رضا المظفر

المقدمة من سنن الاسلام مراعاة النفس الانسانية،فهناك نفس مؤمنة قوية مطمئنة،ونفس كافرة قلقة هشة.نفسيات متباينة ...